نقيب أطباء الأسنان في دمشق كشف  أن عدد شكاوى الأخطاء الطبية التي تصل إلى النقابة حوالي مئة شكوى سنوياً، أي بمعدل ثلاث شكاوى أسبوعياً، ورغم أن الرقم يُعتبر عالياً نسبياً، لكن في حقيقة الأمر أن الأرقام الصادرة عن النقابة لاتعكس واقع الحال بالنسبة لحجم الأخطاء الطبية التي ترتفع بازدياد، فثقة المواطن بإنصافه من الجهات الحكومية تكاد تكون شبه معدومة، والحق دوماً يقع على الضحية، كما هو الحال عندنا في سورية.

هذا واقع ما حدث مع المريضة إيناس المصري "44 عاماً" التي رفضت تقديم شكوى، لعلمها أن الأمر لن يُفضي لنتيجة، حيث روت ما جرى لها: ذهبتُ لطبيب الأسنان "أ. س" في عيادته في المزة لإجراء تطعيم العظم وتقويته لأتمكّن من زراعة الأسنان، لم أكن أعاني حينها من أي حساسية.

أجرى لي الطبيب عملاً جراحياً وكانت النتائج كارثية، حيث بدأت المضاعفات بالظهور وانتفخ الجرح وتشكّلت وذمة كبيرة تحت العين اليسرى، بالإضافة لإنتان شديد وخروج قيح من الجرح ومواد مفتتة بدأت تخرج من الفم بشكل مستمرّ.

راجعنا الطبيب مرة أخرى، فأوضح أن الأمر طبيعي وعقّم الجرح.

واستمررت بمراجعة الطبيب حوالي شهر ونصف الشهر على أمل التحسّن، والحالة في تراجع ولاشيء سوى وصف المسكنات للآلام المرافقة للمضاعفات.

وكان الإنتان قد وصل للجيوب الأنفية، والمؤسف أن الطبيب لم يوضح السبب. وأصرّ على أن الأمر طبيعي ويحتاج فقط لوقت.

تابعتْ حديثَها: راجعنا طبيباً آخر، فبيّن الحاجة إلى عملية إسعافيه سريعة، وأعطاني الطبيب التركين دوائي عالي المستوى، لأنه سيقوم بالدخول إلى منطقة تشريحية دقيقة.

ووفق  ما أوضح الطبيب المعالج أثناء إجراء العمل الجراحي: فتحنا الجرح وجدنا أن القيح يملأ كل مكان في الجيب الفكي والذي وصل إلى قاع العين وقاعدة الجمجمة. كان مصدر القيح من داخل الجرح ما ساعده على الامتداد، لو أن القيح غير ممتدّ واختنق، كانت هناك خيارات عدة إما أن يصل إلى العين ويسبّب أذيّة عينية أو أن يصل إلى الدماغ ويسبّب أذيّة دماغية أو صدمة إنتانية التي من الممكن أن تؤدي إلى الوفاة.

وأضاف: عندما رأينا الحيثيات الدقيقة للحالة، وجدنا أن الطبيب المشرف على الحالة سابقاً قام بإجراء العمل الجراحي بطريقة ارتجالية وغير علمية، فهذا النوع من العمليات يحتاج لتخصّص دقيق "جراحة عظمية" والطبيب هو طبيب عام "غير متخصص"، ولو لم تقُم المريضة باتخاذ القرار ومراجعة طبيب مختصّ وبقيت عند الطبيب الذي أصرّ على معالجة الحالة، رغم عدم قدرته على تنفيذها لكانت في حال خطرة الآن.

وكما أكد  نقيب أطباء الأسنان في دمشق الدكتور رشاد مراد، يصل نقابة الأطباء الأسنان في دمشق حوالي ثلاث شكاوى أسبوعياً أي بمعدل مئة شكوى سنوياً، وبالتالي فإن الأمر يستحق الوقوف عنده.

فالكثير من الأطباء يقوم بعمليات جراحية من غير اختصاص، تجميل من غير اختصاص، زراعة أسنان من غير اختصاص، يجب أن يقوم بالعمليات المعقدة أطباء من ذوي اختصاص "زراعة الأسنان، جراحة الفكية والوجهية، تعويضات الأسنان الثابتة، تعويضات الأسنان المتحركة، أمراض اللثة وجراحتها، مداواة الأسنان، طب الأسنان للأطفال، التشريح المرضي، طب الأسنان التجميلي".

يجب التعاون وإبلاغ النقابة بحالات ادعاء اختصاصات لم يختص بها الطبيب أو أخطاء طبية.

والتأكد من اختصاص الطبيب الدقيق، في حال كانت هناك شكوى يجب أن تُحال إلى لجنة لدراسة الحالة، يمكن أن يُمنع الطبيب المخطئ من ممارسة المهنة لشهر أو ستة أشهر أو سنة.

وفي حالات معينة يتم توجيه إنذار أو تنبيه، وبرأي النقيب مراد الضمير الإنساني أهم من الشكاوي والعقاب وخاصة أن مهنة الطب مهنة إنسانية، فالتعامل مع السلك الطبي يجب أن يخضع للضمير الإنساني أولاً وأخيراً، فالكثير من الأطباء تمت معاقبتهم وعادوا إلى الأخطاء نفسها، لذلك يجّب على الطبيب أن يحترم القسم الطبي الذي أجراه، وفي حال عدم قدرته على السيطرة على الحالة يجب عليه التعاون مع الناس الأكثر خبرة.

من ناحيته الدكتور مجد خيتي اختصاصي اللثة، قال: في الطبّ البشري يوجد وعي كافٍ من الناس في موضوع الاختصاصات، أما في طب الأسنان فلا يزال الأمر يحتاج إلى المزيد من التوعية؛ فمعظم الأشخاص يعرفون فقط من اختصاصات طب الأسنان تقويم الأسنان، وغالباً لا يقوم طبيب الأسنان العام بتحويل الحالة المرضية إلى الطبيب المختص حتى لو كانت عملاً جراحياً معقداً فيحتاج إلى اختصاص خوفاً من "ضياع" الزبون من يده، غير آبه بالأضرار التي من الممكن أن تلحق بالمريض جاعلاً منه حقل تجارب.

وأضاف: إحدى الحالات التي وصلتني في إحدى المرات كانت لمريض أجرى زرع أسنان عند طبيب غير مختص.. والمؤسف كانت الفرصة الأخيرة للمريض بالنسبة لزرع الأسنان، حيث كان يعاني من تراجع شديد في عظم الوجه، بعد إجراء الزرعات كانت النتائج ذات فشل كبير وخسر المريض إمكانية الزرع ولجأ في المحصّلة إلى جسر متحرك.

ولما استغربتُ النتيجة أجاب المريض أنه العلم لم تكن هناك مشكلة في التكلفة المادية ولكن جشع الطبيب وفقدانه ضميره أوصلني لذلك.

أحياناً علاج حالة ما يبدو بسيطاً، ولكن عند فتح السنّ يظهر الأمر مختلفاً تماماً، وهنا يجب تحويله للمختص، الأمر يخضع للاحتمالية بالنسبة لطبيب أسنان، وللتدريب بالنسبة لطبيب آخر، والمسؤولية تقع على طبيب في حال معرفته بصعوبة الحالة وإجراء المعالجة أو العمل الجراحي.

الطبيب يحدّد صلاحيات عمله وليس القانون المتخصص نفسه

الحالات الصعبة والمعقدة خارج الاختصاص يجب تحويلها للمختص.

لكن المشكلة هنا هي أنه لا توجد مادة في القانون السوري تحدّد ما يحق لطبيب ممارسته بشكل دقيق.

توجهنا بالسؤال عن هذه النقطة للمحامي عماد الأفيوني، فقال: نصّ قانون مزاولة المهن الطبية في سورية على ممارسة المهن الطبية، حسب اختصاص كل طبيب معالج، ويحظر على الأطباء وأطباء الأسنان القيام بأي معالجة طبية أو جراحية تستوجب الاختصاص الدقيق، إلّا إذا كان الطبيب من أهل هذا الاختصاص ويجوز له إجراءها فقط في الحالات الإسعافية التي تعرّض حياة المريض للخطر.. وبالتالي ينحصر عمل الطبيب المعالج في مجال اختصاصه فقط، وفق المادة 11-12 من قانون مزاولة المهن الطبية في سورية.

ويؤكد  النقيب مراد أن 80 في المئة من أطباء سورية غير متخصصين، ونحن كنقابة اجتهدنا على رفع مستوى المهنة وتحسين الخدمات وأسسنا المركز الوطني للتخصّصات الطبية والبورد السوري، لتشجيع الأطباء على نيل الاختصاص.

والحالات التي ذكرت أعلاه ما هي إلّا غيض من فيض، فهناك من الأطباء مَن يقوم بوضع اختصاص على لافتة العيادة، على العلم أنه من غير الحاصلين على اختصاص.. والبعض الآخر مازال طالب دراسات عليا، ومنهم مَنْ اختصّ بتقويم الأسنان عن طريق التجريب بالمرضى، حتى انتشرت في الآونة الأخيرة البوتكس والغمازات عند طبيب الأسنان.

وبالمناسبة يحقّ لطبيب الأسنان ضمن اختصاص جراحة الفكين والوجه، حسب النقيب مراد؛ لكن في حال لم ينجح الطبيب تتم محاسبته.

ولكن ذلك الكلام لا يُعوّل عليه، فالأمر كما هو واضح خاضع لاحتمالية، بل هي أقرب للعبث بصحة المرضى، الذين في نظر معظم الطباء مجرد زبائن لا يجوز التفريط بهم..

 على ما يبدو أنه في بلدنا لا توجد رقابة أو حتى قانون يحاسب، والشكوى ستقبع قيد الأدراج بهناء وسلام وما على أصحابها سوى طلب الرحمة من رب العالمين.

المصدر الايام

سيريا ديلي نيوز


التعليقات