في  ظل الأزمات والحروب أكثر ما ينتشر في هذه الاوقات العصيبة  اقتصاد الظل وعلى نطاق واسع، وهذا ما ينطبق على الواقع السوري في ظل الحرب المستمرة منذ سبع سنوات، حيث انتشرت الأنشطة غير القانونية على نطاق واسع في ظل اقتصاد مبعثر ومنفصل مناطقياً بدرجات متفاوتة (التهريب، تجارة المحروقات، تجارة الأسلحة، تجارة الآثار وغيرها) ويترافق بعملية تجريف للثروات والدخول لمصلحة تجار وأمراء الحرب، ونظراً لمحدودية فرص العمل التي يمكن توفيرها خلال الحرب اتجه قسم من العمالة إلى اقتصاد الظل لتأمين متطلبات العيش.
جاء ذلك خلال ندوة الثلاثاء الاقتصادي لجمعية العلوم الاقتصادية بعنوان «الآثار الاقتصادية والاجتماعية لاقتصاد الظل» والتي حاضر فيها عميد كلية الاقتصاد السابق الدكتور رسلان خضور،موضحاً أن التقديرات تشير إلى أن اقتصاد الظل في سورية قبل الحرب كان يعادل بحدود 19.2 بالمئة من الناتج الإجمالي المحلي حسب تقرير البنك الدولي 2007 وبحدود 40 بالمئة بحسب تقديرات أخرى، وخلال الحرب تضاعفت النسبة، ونتيجة طبيعة اقتصاد الظل يصعب عملياً تقدير حجمه، رغم أنه يوجد أينما اتجهت، ولتقديره بشكل يكون أقرب إلى الدقة نحتاج إلى مراكز بحثية ومؤسسات إحصائية، ولكن هناك عدة طرق لتقدير حجم اقتصاد الظل، منها الفرق بين الدخل القومي (مجموع دخول عناصر الإنتاج) والإنفاق القومي (الإنفاق الاستهلاكي والاستثماري وصافي الاستهلاك الخارجي)، وإحصائيات سوق العمل، والتهرب الضريبي، إضافة إلى فائض الأوراق النقدية.
وأشِار إلى أنه إذا كان حجم الاقتصاد السوري في عام 2016 يعادل 60 بالمئة من حجمه عام 2010 هذا يعني أن الناتج المحلي الإجمالي يبلغ بحدود 36 مليار دولار، أي ما يعادل 18000 مليار ليرة على أساس سعر صرف 500 ليرة للدولار (كان حجم الاقتصاد السوري عام 2010 بحدود 60 مليار دولار)، وإذا كان متوسط العبء الضريبي في الاقتصاديات المشابهة للاقتصاد السوري يبلغ 25 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي فهذا يعني أنه يفترض أن يكون حجم الإيرادات الضريبية لعام 2016 بحدود 9 مليارات دولار، أي ما يعادل 4500 مليار ليرة، وهذا نظرياً.
أما عملياً، إذا استبعدنا القطاعات والنشاطات المعفاة من الضريبة (القطاع الزراعي وبعض الأنشطة الأخرى الثقافية والصحية… إلخ) والتي تعادل حالياً بحدود 50 بالمئة من حجم الاقتصاد حالياً (حصة القطاع الزراعي من الناتج حالياً هي الأكبر) يكون حجم الناتج المحلي الخاضع للضريبة نحو 50 بالمئة أي 18 مليار دولار وبالتالي يفترض أن تكون الإيرادات الضريبية تعادل 4.5 مليارات دولار، أي ما يعادل 2250 مليار ليرة سورية، على حين أن الإيرادات الضريبية في عام 2016 لا تتعدى 500 مليار ليرة سورية، أي إن حجم الضرائب التي يفترض أن تدفع وغير مدفوعة هي بحدود 1750 مليار ليرة سورية في عام 2016.
وأضاف بأنه إذا اعتبرنا أن الوحدات الاقتصادية التي تدفع ضرائب هي الاقتصاد النظامي والوحدات التي تتهرب من دفع التزاماتها الضريبية ولا تدفع ضرائب هي اقتصاد ظل نصل إلى نتيجة تفيد بأن نسبة الاقتصاد النظامي تعادل 22 بالمئة ونسبة اقتصاد الظل يبلغ بحدود 78 بالمئة من حجم الاقتصاد السوري في عام 2016 (يبقى هذا تقدير أولي).
ويبين  خضور حسب سيريا ستيبس  الآثار الاقتصادية لاقتصاد الظل من ناحية فقدان الإيرادات السيادية للدولة، أحد أهم الآثار المترتبة على اقتصاد الظل هو الضياع الضريبي، حيث يهدر اقتصاد الظل بحدود 1750 مليار ليرة سنوياً من الضرائب المحتملة، وهذا يعني تراجع في الإيرادات العامة وزيادة عجز الموازنة، ما يترتب عليه زيادة العبء الضريبي على النشاطات الرسمية لتعويض النقص الحاصل في الإيرادات الضريبية وكذلك زيادة الضرائب غير المباشرة التي تصيب الفقراء أكثر من الأغنياء، وتراجع الإيرادات الضريبية يعني تراجع قدرة الدولة على الإنفاق على الخدمات العامة والقيام بوظائفها تجاه مواطنيها، ويعني تحديداً استثمار أقل في الصحة والتعليم، ومع انتشار اقتصاد الظل على نطاق واسع تصبح الضرائب تنازلية وليس تصاعدية، حيث يرتفع العبء الضريبي على الدخول المنخفضة، ولكن الأثر الأخطر لاقتصاد الظل هو دفع وحدات الاقتصاد الرسمي باتجاه اقتصاد الظل كي يصبح منافساً.
ولفت خضور إلى الآثار غير السلبية لاقتصاد الظل حيث يساهم في امتصاص جزء من قوة العمل، من خلال مساهمة النشاطات غير المنظمة المشروعة في اقتصاد الظل في خلق الكثير من فرص العمل وبالتالي المساهمة في تخفيف حدة البطالة، كما أنه يخلق دخولاً لبعض شرائح المجتمع ويزيد الدخول لبعض الشرائح ويمكن أن يحد من الفقر المدقع لدى البعض، إضافة إلى أنه يزيد من حجم الإنفاق الكلي وهذا يحفز النمو الاقتصادي بشكل عام.
ويوفر اقتصاد الظل الكثير من السلع والخدمات التي تلبي احتياجات المجتمعات المحلية لتلك السلع والخدمات والتي قد لا يوفرها الاقتصاد الرسمي أو قد تكون أسعارها مرتفعه (على سبيل المثال: بعض الخدمات التدريبية والتعليمية والسلع الغذائية، جمع وفرز وتدوير وإعادة استخدام النفايات)، ولكن هذه الآثار الإيجابية لا تقارن على الإطلاق بالآثار السلبية وبحجم الخراب والدمار الذي يولده اقتصاد الظل، حيث تكون معدلات الفساد مرتفعة يكون حجم اقتصاد الظل أعلى، فيعد قسم كبير من اقتصاد الظل المولود الطبيعي للفساد.
ولمعالجة بعض جوانب اقتصاد الظل يمكن الانطلاق وحصر أنشطة اقتصاد الظل وتبويبها وتصنيفها من أجل دمج النشاطات المشروعة في الاقتصاد الرسمي المنظم. وإنشاء جهاز خاص لمكافحة العمل غير المعلن أو اقتصاد الظل– إنشاء وحدة للاستخبارات المالية (تجربة الدانمارك والاتحاد الأوروبي).
أما حول النشاطات  غير المشروعة والإجرامية فيتم التعامل معها على أنها أنشطة إجرامية وتتطلب تطبيق القوانين بحزم وقوة، ومن الضروري زيادة الاستثمارات المولدة لفرص العمل وللدخل في مختلف المناطق والأقاليم ضمن برامج استهدافات مناطقية، والمزيد من برامج التدريب والتأهيل للداخلين إلى سوق العمل في مختلف المجالات في إطار برامج تدريب تنتهي بعقود توظيف.
مع ضرورة إعادة الاعتبار لحصة الرواتب والأجور من الدخل القومي بحيث لا تقل عن 50 بالمئة من الناتج الإجمالي المحلي، وذلك من خلال قنوات التوزيع الأولي للدخل وقنوات إعادة التوزيع (الضرائب والإنفاق الحكومي). ضمن مشروع وطني متوسط الأجل.

 

سيريا ديلي نيوز


التعليقات