ليس بالجديد أن تتكرر معاناة منتجي المحاصيل الزراعية النباتية والحيوانية نتيجة غياب خطط حكومية لتصريف منتجاتهم ، وفي كل عام ومنذ عقود، ما أن تخفت صيحات منتجي الحمضيات حتى تعلو صرخات منتجي البندورة، وما ان تتلاشى آمالهم بالحلول الحكومية حتى ترتفع أصوات استغاثات منتجي البيض ولحم الفروج…. وكأن لسان حال الجهات المعنية يقول : دبروا حالكن !
هذه العبارات كانت مقدمة موضوع طرح بالاعلام عندما بحث موضوع تدهور أسعار مبيع بيض المائدة، ولا يزال إحداث توازن بين العرض والطلب (التحكم في العرض حتى يتوافق مع الطلب من حيث الزمن والكمية والنوع ) غائباً عن خططنا الإنتاجية والتخزينية والتصنيعية والتصديرية. ما يؤدي إلى إغراق الأسواق بمنتجات معينة تارة و اختفائها تارة ثانية، ويترافق ذلك مع حدوث تموج كبير في أسعار المنتجات الزراعية، لتلحق ضرراً بالغاً يطول المنتج أو المستهلك.
من جهته قال المهندس عبد الرحمن قرنفلة المستشار الفني في اتحاد غرف الزراعة السورية: لعل تحليل المشكلات التسويقية الزراعية يعتبر من أكثر المهمات المعقدة التي تعترض الاقتصاديين الزراعيين، والتي تتطلب معرفة كبيرة في مجال الاقتصــاد الزراعي والريــاضيــات والإحصــاء وغيرها. ومن أهم المشكلات التسويقية الزراعية عدم السيطرة على حجم الإنتاج في ظل غياب الرؤية التخزينية والمنافذ التصديرية وتوقعات حجم الطلب ودراسات السوق التي تساهم في إرشاد الفلاح والمنتج الزراعي إلى أهمية تبني إنتاج محصول ما دون محصول آخر.
المزارع أبو عمر بدران من محافظة السويداء يقول : نتكبد خسائر كبيرة جدا حيث إن كلفة دونم البندورة للوصول إلى مرحلة القطاف (حوالي 15 طناً من البندورة في افضل الحالات) تتراوح بين 400 و500 الف ليرة أي ان تكلفة الكغ وسطيا بين 26.5 و الـ 33 ليرة ويتم دفع حوالي 7-8 ليرات أجور قطاف الكيلو غرام ويلحق الكيلو أيضاً 20 ليرة من ثمن العبوة و حوالي 12-14 ليرة أجور نقل إضافة إلى كمسيون في سوق الهال بحدود 5-7 ليرات للكغ, وبالنهاية نبيع الكيلو بسوق الهال بين 40-50 ليرة في أحسن الأحوال.
وحول  أسباب وجود فائض في عرض البندورة عن حجم الطلب يقول أبو عمر : إن عدم توفر منافذ تصدير وعدم القدرة على نقل المحصول إلى أسواق المناطق الشرقية أديا إلى تكدس الإنتاج بالأسواق القريبة مثل دمشق وحمص .
ويؤكد أبو عمر: إن هناك معاناة كبيرة من موضوع تباين أسعار المبيدات الحشرية والفطرية بين مركز زراعي وآخر وغياب الرقابة الحكومية على الأدوية الزراعية وهذا أيضا من العوامل التي تلحق خسائر بنا .أما المزارع محمد انجيلة فيقول : هذه المسألة ليست جديدة فنحن سنويا نعاني من تقلب الأسعار وتعرضنا لخسائر نتيجة عدم معرفتنا كفلاحين بحجم الإنتاج المتوقع ولا بحجم الاستهلاك وقدرة الأسواق على استيعاب إنتاجنا ، ولم تتبن أي جهة حكومية مسألة تنظيم هذه المسألة حتى اليوم ، ويضيف: معلوماتنا تشير إلى أن سعر كيلو البندورة بالمنطقة الشرقية يصل إلى 1000 و 1200 ليرة سورية ولكن بسبب الأزمة التي تعيشها البلاد لا نتمكن من نقل إنتاجنا إلى تلك الأسواق . ونحن نتطلع إلى فتح منافذ تصديرية لأن التصدير يساهم في معالجة معاناتنا المستمرة . كما نرجو من الحكومة ومؤسسات التدخل الإيجابي الإسراع في استجرار فائض إنتاجنا وتوزيعه على المحافظات، حيث إنها تمتلك القدرات اللازمة والإمكانات للقيام بمثل هذا العمل وهو السبب الأساسي في إيجاد هذه المؤسسات .

وحول  العاملين في السلاسل التسويقية ودورهم في تسويق المنتجات يقول قرنفلة حسب تشرين : بعد أن يقوم الفلاح أو المزارع بجني وقطاف أو جمع محصوله تتولى جهات متعددة إنجاز نشاطات تسويقية تؤدي إلى زيادة المنافع السلعية التسويقية، فالمشروعات الزراعية التي تنتج الخضار والفواكه تقوم بتسليمها لمراكز الفرز والتوضيب والتعبئة، لتقوم بإعادة فرزها بما يتناسب وأذواق المستهلكين وتعبئتها، مضيفة إليها المنفعة الشكلية بتحويل المواد الخام إلى حالة أكثر نفعاً.
أما مؤسسات النقل فإنها تضيف المنفعة المكانية بنقل تلك المنتجات في النهاية إلى مناطق المستهلكين. وفي بعض الأحيان تخزن أو تحفظ السلع الزراعية والمواد الغذائية بطرائق مختلفة، وذلك حين يفيض المعروض منها في السوق على الطلب الاستهلاكي، وتضاف عندئذ إلى المادة الغذائية المنفعة الزمنية.
ويعمل بين المنتج والمستهلك أو المستعمل للسلعة، مجموعة من الأفراد او المؤسسات التي تختص في عمليتي البيع والشراء أو في إحداهما ( وسطاء التسويق ) لإتمام نقل ملكية السلعة، أو تملّكها ثم إعادة بيعها. فقد يعملون إفرادياً أو شركاء و قد ينتظمون في شركات ومنظمات تعاونية، ويصنف هؤلاء الوسطاء إلى ثلاث فئات:(تجار ووكلاء ومضاربون) وهنا يبرز دور التجار الجملة الذين يفتحون منافذ تصديرية كلما أمكنهم ذلك، إضافة إلى قيامهم بتوزيع الإنتاج إلى الأسواق بالمحافظات الباقية وكذلك دور تجار التجزئة في الترويج للسلعة والتسريع بتصريفها. أما المضاربون فغالباً ما يضيفون معاناة إلى معاناة الفلاحين عبر استغلالهم وشراء إنتاجهم بأبخس الاسعار .ويختم قرنفلة بقوله: إن تنظيم الإنتاج ودراسات السوق واستخدام وسائل الإعلام في إرشاد الفلاحين قبل موسم الزراعة إلى التنبؤات بحجم الأسواق من الأمور الهامة لمعالجة معاناة المنتجين الزراعيين، إضافة إلى مسؤولية المؤسسات الحكومية المعنية بالتسويق والجهات المسؤولة عن التصدير في إيجاد حلول للمعاناة التقليدية الخانقة للمنتجين الزراعيين.

 

سيريا ديلي نيوز


التعليقات