كثيرة الضجيج.. عديمة  الاحتراف.. تبتعد عن الشفافية .. وبلا مؤشرات.. ربما هذا هو التوصيف الأقرب لسوق العمالة المنزلية الأجنبية وأخيراً المحلية، والتي يتغنى البعض بتسميتها بسوق "الخادمات"، وهي تسمية ذات دلالة اجتماعية غير جيدة في العموم.. وإن كان الخلاف يتجاوز التسمية إلى طبيعة وأداء هذه السوق، التي يحكى عنها الكثير، ويعرف أقل القليل..!
الأزمة الجارية في البلاد أطاحت بسوق استقدام العمالة المنزلية، شأنها شأن غيرها من الأسواق، ولم يعد هذا الاستثمار مجدياً، بل بات لا يغطي تكاليفه في أغلب الأحيان كما يقول بعض أصحاب مكاتب الاستقدام، ولكن ما لم يقله هؤلاء هو ظهور فئة زبائن جديدة ممن أثروا من الأزمة، حيث تمكنهم دخولهم المرتفعة من دفع تكاليف أكثر من عاملة، نزولاً عند  ضرورات التفاخر الاجتماعي، واستكمال مستلزمات الـ"برستيج"..!

نظرياً، هناك حوالي 18 مكتب استقدام مرخصاً، أغلبها في دمشق، ولكن عملياً قليلة هي المكاتب التي ما زالت تمارس أعمالها ليس بمستوى أداء ما قبل الأزمة، بل بنصف أو ربع هذا الأداء، حيث انخفض الطلب على العاملات وتعقدت إجراءات وضوابط الاستقدام، ولاسيما أن أصحاب هذه المكاتب يتريثون في أعمالهم لحين تعديل المرسوم /65/ لعام 2013 الناظم لعملية الاستقدام، حيث تعكف وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل حالياً على إعداد صك تشريعي بهذا التعديل.

 أحد أصحاب هذه المكاتب يرى أن هذا التعديل سيزيد من صعوبة العمل لكونه يرفع رسوم التشغيل على المستفيد إلى 400 ألف ليرة سورية، تدفع بواقع 100 ألف سنوياً، ويحدد بدل ترخيص المكتب لأول مرة إلى مليون ليرة، وعند التجديد إلى 300 ألف، كما يرفع عقوبة العمل من دون ترخيص إلى مليوني ليرة مع الحبس، وخلاف ذلك من الأعباء التي تضاعف في النهاية تكاليف الاستقدام، ما يحد من توسع السوق..

استقدام العاملات تراجع، بيد أنه لم ينعدم، فوفقاً للمؤشرات الصادرة عن الوزارة، فإن العام الجاري سجل منح موافقات لاستقدام حوالي 500 عاملة، مع عدم توافر معلومات دقيقة عن العدد الفعلي للعاملات اللواتي استقدمن، وذلك من الجنسيات المسموح باستقدامها، وهي وفقاً لقرار وزير الداخلية /2551/ لعام 2014 الإندونيسية، البنغالية، السيريلانكية، النيبالية، الفيتنامية، الفلبينية.

لايعني تراجع عدد العمالة المنزلية في البلاد انحسار رغبة الأسر مرتفعة الدخل في تأمين رفاهية لأفرادها، بل زيادة تكاليف الاستقدام إلى الحد الذي أرهق كاهل بعض هذه الأسر، حسبما ترى رائدة، ربة منزل، كانت لديها عاملة سيريلانكية، فقد تدهور –برأيها- دخل الأسرة جراء الأزمة، ما حدا بها إعادة ترتيب احتياجاتها من جديد، مع ما يعني ذلك من استغناء عن الاحتياجات المكلفة، ولعل في مقدمتها هذه العاملة.

وقدرت أوساط السوق تكاليف استقدام العاملة الواحدة حالياً بحوالي 8000 دولار، وذلك ارتفاعاً من 3000 دولار قبل الأزمة، وثمة مصاريف أخرى تتخطى ألفي دولار، ليصل الرقم الكلي إلى حوالي 10000 دولار، وهذا يعني أن تغطية نفقات 500 عاملة وافقت على استقدامها وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل يحتاج إلى 5 ملايين دولار أي ما يزيد على 2.5 مليار ليرة، وتشمل هذه التكاليف جميع نفقات استخراج الأوراق الرسمية والفيزا وتذاكر السفر وغيرها..

ويعلق أحدهم –ساخراً- الحمد لله أننا لم نضرب الرقم هذه المرة بعشرة، كما جرت عادة السوريين في السنوات الأخيرة، وإلّا كنا سنصل إلى 15 مليون ليرة..!

حددت الوزارة الأجر الشهري للعاملة بـ16175 ليرة حسب الايام ، وهو الحد الأدنى للأجور، الذي يضمن حياة كريمة للعاملة، ولكن الأجر الدارج يبدأ فعلياً يبدأ من 25000 ليرة، وفق ما ذكرت مديرة القوى العاملة في الوزارة دالين فهد، التي أشارت إلى الحوافز التي تتقاضاها العاملة من المستفيد، فضلاً عن منحها مكافأة في نهاية سنوات خدمتها الأربع، وتحمل تكاليف سفرها إلى بلادها.

وتكاد تختلف الأجور اختلافاً بيناً تبعاً لمستوى دخل الأسرة وطبيعة الخدمات التي تقدمها العاملة، كما أن توافر الشروط المطلوبة فيها، يحسن الراتب والحوافز، ومن أبرزها مثلاً: اتقان اللغة العربية، حداثة السن "دون الـ 35 عاماً"، إجادتها للمهارات المنزلية، نظافتها وحسن مظهرها، ويصبح الشرط الأخير مهماً جداً عندما يتعلق الأمر بـ"برستيج" العائلة ومستواها الاجتماعي.

دفعت الأزمة بعض الأسر الفقيرة التي شردتها الحرب وأفقدتها بيتها ومصدر عيشها إلى البحث جدياً عن فرص في البيوت لتصبح بذلك منافساً جديداً وقوياً لزميلتها الآسيوية، مع اختلاف التفاصيل، ووجود القانون 10 لعام 2014 الناظم للعمالة المنزلية السورية، وتقول فهد: إن مثل هذا القانون من شأنه أن يحمي هذه العمالة، ويشجع المزيد منها للدخول إلى سوق العمل، خاصة أنه صدر بناء على رغبة الكثيرين من الباحثين عن عمل شريف، ولكنهم يرغبون بحماية حقوقهم في إطار القانون.

وتؤكد فهد بأنه وبالرغم من أن القانون سمح بالترخيص لمكاتب خاصة بالعمالة المحلية، إلّا أن الوزارة لم تتلقَ حتى تاريخه أي طلبات بهذا الخصوص، عازية هذا الأمر إلى أن الكثير من السوريات الفقيرات ما زلن يرفضن العمل في المنازل، ما يستدعي تغييراً في ثقافة المجتمع تجاه هذا النوع من العمل الذي لم تعتد عليه الأسرة السورية.

سيريا ديلي نيوز


التعليقات