لا ندري أية بشرى ساقها معاون وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك للمواطنين مؤخراً، عن قرب وصول كمية من لحم الجاموس من الهند لحساب السورية للتجارة!

حيث وضح المعاون بأن الكمية المستوردة سوف تبلغ ألف طن من لحم الجاموس، لتكون خطوة تجريبية عبر صالات السورية للتجارة، لتقييم إقبال المواطنين عليها، كونها ستطرح بأسعار تنافسية، وبأنه على إثر هذا التقييم وتقبل الناس سوف يصار إلى استيراد كميات أكبر بشكل دوري، وذلك حسب ما صرح به عبر وسائل الإعلام.
شرعنة وقوننة!
بعد أن كان لحم الغنم البلدي سلعة استهلاكية أساسية على موائد السوريين تاريخيا،ً ومنذ ما قبل الحرب والأزمة، وفي عام 2007، أصبح لحم الجاموس مشرعن الوجود في الأسواق لحساب بعض المستوردين، بعد أن كان قد غزاها تهريباً لأعوام سابقة، على أيدي المهربين والتجار والفاسدين وسماسرة الاحتياجات الاستهلاكية اليومية للمواطنين واستغلالاً لها، والسبب الرئيس بذلك كان زيادة تصدير الثروة الغنمية من العواس البلدي وتهريبها خارجاً، على أيدي المجموعات نفسها المستغلة آنفاً، وأتباعهم وشركاهم، الأمر الذي أدى إلى ارتفاعات كبيرة بأسعار اللحوم الحمراء، ولحم الغنم البلدي على وجه الخصوص.
الشرعنة أعلاه ظهرت وكأنها حل «ابداعي» رسمي غايته تأمين الاحتياجات من اللحوم الحمراء على موائد السوريين المُفقرين بأسعار تنافسية، وفقاً لبعض الضوابط الصحية والبيطرية والشرعية، ولكنها تصب أرباحاً في جيوب المستوردين بالمحصلة.
بمقابل ذلك استمرت عمليات التصدير والتهريب للحوم العواس البلدي لخارج البلاد، وحتى الآن ما زالت مستمرة، وكأن الحلول «الإبداعية» لا تجد مكانها رسمياً إلا على حساب المواطن واحتياجاته، ولمصلحة كبار التجار والمهربين والفاسدين ليس إلا؟!.
ارتفاعات غير مسبوقة وفلتان!
ارتفاعات أسعار اللحوم الحمراء، ولحم الغنم البلدي تحديداً، تزايدت خلال سني الحرب والأزمة بشكل غير مسبوق، وترافق معها استمرار التدهور بالوضع المعيشي للمواطنين، على إثر تدني القيمة الشرائية لليرة، وثبات الأجور وتآكلها.
فقد وصل سعر الكغ من لحم العواس البلدي إلى 7000 ليرة في دمشق، وربما أقل من ذلك بقليل في مدن أخرى، ما أدى بالنتيجة للعزوف عن استهلاك هذه المادة تباعاً، أو اللجوء للبدائل المتوفرة منها، لحم العجول والأبقار والدجاج والجاموس، وذلك حسب الإمكانات المادية المتاحة للمواطنين.
ولعل تقطع الطرق الداخلية وأمنها وكثرة الحواجز عليها، كان لها تأثير إضافي على مستوى رفع أسعار هذه المادة بشكل كبير في بعض المناطق، وتفاوت سعرها بين منطقة وأخرى بشكل لافت، بالإضافة لسببي التصدير والتهريب.
المواطن ضحية أوجه عديدة للاستغلال !
مشكلة المستهلكين لم تقف عند حدود ارتفاع أسعار لحم العواس، وخروج هذه السلعة من حيز الاستهلاك تباعاً، بل تعدتها لمشكلة أعقد تتمثل بأساليب الغش والتدليس على اللحوم في الأسواق، لدى القصابين وفي المطاعم ومحلات بيع الفطائر والمعجنات.
فقد تنوعت هذه الأساليب وتفنن أصحابها بإبداع الجديد منها دائماً، وكان لحم الجاموس مصدراً رئيساً في أساليب الغش المتبعة تلك، وذلك نظراً لتوفره وتدني سعره بالمقارنة مع أسعار اللحوم الأخرى، بالإضافة للأساليب الأخرى بالغش المتمثلة بالخلائط من الملونات والبهارات، حتى أن هذه الأساليب لم تقتصر على لحوم العواس لسعرها المرتفع، بل تعدتها إلى لحوم العجول والبقر والدجاج، وخاصة باللحوم المفرومة المعدة مسبقاً للبيع لدى القصابين (السجق- النقانق- الهمبرغر- الكباب- ...)، أو الموردة من قبلهم لمحلات تصنيع المعجنات والمطاعم، كلحوم مفرومة بتعدد مسمياتها، والتي يصعب على المواطنين اكتشافها، بل تصعب هذه المهمة حتى على المخابر الرسمية كذلك الأمر، وذلك بتصريحات رسمية من المعنيين بحماية المستهلك، سابقاً ولاحقاً ومؤخراً، مع الأخذ بعين الاعتبار أنه وفقاً للقانون والتعليمات، يعتبر اللحم المفروم مسبقاً مخالفة، كما يمنع وجود نوعين مختلفين من اللحوم في المحل نفسه.
والنتيجة أن المواطنين باتوا عرضة للاستغلال متعدد الأوجه، سعر ومواصفة وجودة، وربما بعض هذه الأوجه ذات تبعات صحية سيئة، خاصة مع الإعلان على ضبط لحوم فاسدة غير صالحة للاستهلاك البشري بين الحين والأخر، في أماكن وأسواق مختلفة.
تصريحات إعلامية
معاون وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك قال: إن سبب الارتفاعات السعرية لمادة لحوم الأغنام في الأسواق هو انخفاض العرض أمام الطلب، مبيناً أن انخفاض العرض من لحوم العواس يرتبط بحالات نشاط التهريب لهذه الأغنام.
معاون وزير الزراعة بين أن: الوزارة لم تتمكن من تنفيذ إحصاء شامل للثروة الحيوانية أو قطيع الأغنام بسبب الظروف العامة في البلد، لكن تقارير الأمم المتحدة تشير إلى تراجع قطيع الأغنام في سورية بين 30 إلى 40 بالمئة.
الآمر العام للضابطة الجمركية وضح أن: معظم عمليات التهريب تتم عبر الحدود العراقية، حيث يستغل بعض التجار «المهربين» الظروف الأمنية ويعملون على الاتجار بقطيع العواس السوري، بسبب وجود فارق مغرٍ في السعر، والذي يصل أحياناً لأكثر من الضعف.
فأي بؤس، بعد كل ذلك، في أن تصبح احتياجات المواطن محطاً للاختبار والتجريب الرسمي، وكيف يقاس اقبال المواطنين على أي سلعة بظل محدودية الخيارات أمامهم، أو بظل فرضها؟!.

يأس وتيئيس ولا مبالاة!
والحال كذلك، عبر دخول السورية للتجارة على خط استيراد وبيع لحم الجاموس في الأسواق، في ظل الكمية المعلن عن وصولها قريباً، والتوجه الرامي إلى استيراد كميات إضافية بشكل دوري لاحقاً، فيها رسالة مضمنة بفحواها يمكن اختصارها بالنقاط التالية:
الاستمرار بعمليات تصدير العواس البلدي بذريعة تأمين القطع الأجنبي.
يأس من إمكانية وضع حد لعمليات التهريب المستمرة لقطعان العواس البلدي واستنزافها.
تيئيس المواطن من استعادة لحم العواس إلى مائدته، حالياً ومستقبلاً.
فقدان إمكانية السيطرة على الأسواق ورقابتها.
مصلحة كبار التجار والمستوردين والمهربين هي السائدة على حساب مصلحة المواطنين.

سيريا ديلي نيوز


التعليقات