يبدو أن تكرار عدم الإفصاح المالي في التقرير السنوي لهيئة الأسواق والأوراق المالية لم يكن محطّ متابعة وتدقيق، إذ من الملاحظ أن أسماء الشركات المساهمة العامة غير الملتزمة بالإفصاح تكرّرت هي ذاتها في كل التقارير الربعية ونصف السنوية وحتى السنوية، ما يشي بغياب المتابعة والرقابة التي تجبر مَن أخلّ بالتزاماته على المبادرة إلى التوضيح والإفصاح، وهنا نسأل هل هذه الشركات خارج إطار المحاسبة، رغم أنها لا تزال قائمة وتحقق أرباحاً وفق ما أكده التقرير، وبالتالي فإن غياب بياناتها المالية لا ينطوي على غياب دور الهيئة المفترض به أن يكون البوصلة الأساسية لعمل الشركات إشرافياً ورقابياً فقط، وإنما يتعلق بحقوق المساهمين فيها وحق خزينة الدولة عليها..!.
 رئيس الهيئة الدكتور عابد فضلية حاول  التقليل من إشكالية عدم الإفصاح باعتبار أنها ليست مشكلة بالمعنى العام، فالشركات التي لا تلتزم الإفصاح هي شركات تعاني أوضاعاً غير طبيعية حسب فضلية الذي حاول شرح واقع هذه الشركات، إذ بيّن أن هناك جزءاً من هذه الشركات لديه مجلس إدارة غير سوري حالت الأزمة بشكل أو بآخر دون عقد اجتماع هيئاته العامة، واتخاذ قرارات إدارية وتعيين مدقق مالي معتمد من الهيئة، وبالتالي توقّف نشاطاتها جزئياً، ليتم الحكم عليها من الهيئة بأن وضعها “غير سليم” ويتم السماح لها بعدم الإفصاح على أن تُعلم الهيئة بأسبابها، وحسب فضلية تبلغ نسبة هذه الشركات 10% من مجمل الشركات، مؤكداً أن مرحلة ما بعد الأزمة ستشهد حلولاً تلقائية لها،   إضافة إلى سبب آخر شاركت مدير الهيئة في توضيحه إحدى الموظفات في الهيئة ويتعلق بقانون الشركات رقم 29 لعام 2011 الذي أعطى للشركات القائمة فترة زمنية لتوفيق أوضاعها مع أحكامه الجديدة، وقد تم تجديد القانون لفترتين متتالين لمدة 6 سنوات، إلا أنه منذ عام 2016 لم يتم تجديد المرسوم، وبالتالي هناك بعض الشركات التي لم تستطع خلال الفترة الماضية الحصول على استثناء ولا تزال أوضاعها معلقة، على الرغم من تأكيد الموظفة رفع مشروع تمديد للمهلة من الشركات.

ونوه  فضلية إلى أن الهيئة لا تتخذ إجراءات قانونية بحق هذه الشركات ريثما تحل إشكالية القانون، مضيفاً: إنها أيضاً لا تمتلك حق تحديد مدة زمنية لمحاسبتها وربما تبقى عشر سنوات خارج دائرة الإفصاح، بينما وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك هي التي تمتلك مدة محددة بسنتين فقط لتسوية أوضاعها، وهنا الإشكالية تكون في مرمى وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك..!.

وفي حال الشركة “الطبيعية” الممتنعة عن الإفصاح –إن وجدت- مع تأكيد فضلية عدم وجودها، يحق للهيئة اتخاذ كل الإجراءات القانونية ابتداءً من التنبيه وصولاً إلى فرض غرامات مالية، إذ تقوم الهيئة بدراسة أوضاعها ومعرفة الأسباب، ولفت فضلية إلى أن أكثر الإشكاليات مع الشركات ليست بالإفصاح وإنما بعدم مطابقة بياناتها المالية مع بيانات الهيئة أو إشكاليات فنية تتعلق بصياغة التقرير، وعندها يتم إعادة البيانات للتدقيق والصياغة، مضيفاً بلهجة لا تخلو من الحاسمة: “إن عقوباتنا قاسية ورادعة” في محاولة منه لإلغاء أي تلميح بتقصير الهيئة في تطبيق قوانينها، وذهب في حديثه إلى أن الهيئة تتابع أوضاع تلك الشركات وتقوم بالتدخل كوسيط بينها وبين الجهة الحكومية للمساعدة في التوصل إلى صيغ توافقية من شأنها تذليل المعوقات وتشجيع الشركات على متابعة ملفاتها العالقة في الجهة المعنية.

وأشار  فضلية حسب البعث أن عمل الهيئة إشرافي وتنظيمي لعمل المؤسسات المالية المدرجة في سوق دمشق للأوراق المالية، واصفاً عملها بالظل والمظلل، إذ تساعد وتسهّل على أن يكون عملها شفافاً وقانونياً ومحوكماً، وأية شركة ترغب بالإدراج في سوق الأوراق المالية يجب أن تنال موافقة الهيئة من خلال ضوابط وأنظمة تتمثل بسلامة وضع المؤسسة القانوني والمالي، إضافة إلى مضي ثلاث سنوات على تأسيسها، وأن يكون لديها مدقق قانوني معتمد من الهيئة، مبيّناً أن الشركات المساهمة العامة مدرجة بالكامل، ومَن لم يتمّ إدراجها تعاني بعض الإشكاليات وقد تكون من نوع غير السهمية أو الخاصة، مشيراً إلى أنه يمكن للهيئة أن تقترح على الحكومة وضع شروط أو تسهيلات مميزة لتأسيس شركات مساهمة عامة، في حال تم التشجيع على إقامة مشروعات لنوع معين من الشركات، لمطابقتها لأنظمة الحوكمة وسهولة إدراج أسهمها في السوق المالية، لضمان حقوق المساهمين الصغار فيها، إضافة إلى دور الهيئة اليومي لجهة مطالبتها للشركات بالإفصاح وإعداد تقارير الموازنة وموافاتها خلال مدد زمنية معينة، وحضور موظفي الهيئة لاجتماعات الشركات العامة لتأدية الدور الرقابي، مشيراً إلى أن الهيئة تضطلع بدور عملي ومباشر في حالات الاستحواذ والاندماج بين الشركات، أو التعثر لإيجاد أقنية لتسهيل العمل المؤسسي لتلك الشركات.

ويسعى مدير الهيئة ضمن التوجّه المستقبلي إلى لعب دور توعوي إعلامي، بهدف نشر ثقافة المساهمة عوضاً عن ثقافة العمل الفردي العائلي، والترويج لتأسيس شركات مساهمة عامة لأنها الأفضل من بين الشركات لأنها تُحوّل الأسلوب الفردي لإدارة الشركات إلى مساهم بكل أنواعه (المغلق المغفل المحدود المسؤولية)، حيث يتضاعف فيها عدد المساهمين، وبذلك يفتح هذا النوع من الشركات مجالاً لتوظيف أموال ومدّخرات كانت مكتنزة خارج دائرة الاستثمار، وتحويلها إلى فاعلة بشراء الأسهم، ولاسيما أنها تمتلك ميزات إضافية بتطبيق أنظمة الحوكمة وتكون قرارات مجلس إدارتها موضوعية وحيادية.

وأكد  فضلية أن تأسيس شركات مساهمة عامة سينعكس على الحياة الاقتصادية بشكل عام، وذلك لأن مصادر تمويلها من الأفراد، ما يؤدّي إلى ازدياد الرغبة بالإدراج ومنه كانت الإجابة عن مدى إمكانية فتح أسواق مالية في المحافظات، إذ أوضح أنه كانت هناك نية لفتح بورصة في محافظة حلب في عام 2010، ولكن الأزمة حالت دون ذلك، مشيراً إلى أنه لم يمر زمن كافٍ على سوق دمشق لتظهر الحاجة لافتتاح أسواق أخرى، مبيّناً أن الحاجة ترتبط بعدد الشركات المساهمة الموجودة ونشاط الإدراج، مبدياً تفاؤله في الفترة القادمة استناداً إلى بدء التعافي الاقتصادي، إضافةً إلى الحضور القوي للهيئة في اتحاد هيئات الأوراق والأسواق العربية، الذي تمخّض عنه تعاون فني وتدريبي شبه دائم، إذ تمت دعوة الاتحاد للهيئة لعدة دورات تأهيلية وتدريبية في لبنان وعُمان، متوقعاً أن يخلق المستقبل المتوسط والبعيد بيئة إيجابية من شأنها أن تحرّض المستثمرين على الاستثمار في سورية.

 

سيريا ديلي نيوز


التعليقات