على مدار السنوات الست الماضية من عمر الأزمة، تدفقت إلى سورية مليارات الدولارات، قُدمت من دول وحكومات ومنظمات وجمعيات تحت لافتة دعم "الثورة السورية" ونصرة الشعب السوري.

هذه المبالغ جاءت إضافة إلى شحنات السلاح والآليات والمعدات والأغذية وغيرها، التي كانت تصل إلى الفصائل المسلحة المختلفة عبر حدود ثلاث دول هي: تركيا، الأردن، لبنان.

*من أين؟

تختلف التقديرات المتعلقة بحجم تلك التحويلات ومصيرها، ولاسيما في ظل تكتم الجهات "المانحة" على حجم ما أنفقته، واعتمادها على قنوات ووسائل معينة بغية إبعاد أي شبهة عنها، إنما جميع هذه التقديرات كانت تركز على تورط بعض الدول في الأزمة السورية وتأجيجها، فظهرت على وسائل الإعلام تقديرات تتعلق بحجم الأموال التي خصصتها قطر لإزاحة "النظام" في دمشق، وآخرها ما نشرته الصحافة الأجنبية من أن دولة قطر قدمت دعماً لفصائل مسلحة بقيمة 3 مليارات دولار، كما أن وسائل الإعلام أجنبية تطرقت كذلك إلى الدور السعودي، والأموال التي أرسلتها المملكة إلى الفصائل المسلحة، وغير ذلك.

تتعدد مصادر الأموال التي تصل "كاش" إلى يد المسلحين في سورية، إنما يمكن جمعها وتبويبها في ثلاث خانات أساسية هي:

-الأموال التي تخصصها حكومات وأنظمة بعض الدول كقطر والسعودية وتركيا والولايات المتحدة الأمريكية غيرها من الدول الإقليمية والدولية، ويمكن القول إن هذه المبالغ هي الأعلى بين نظيراتها التي ترد إلى المسلحين.

- الأموال التي يتم جمعها من مبادرات أهلية ومجتمعية معينة بحجة دعم الشعب السوري ومساعدته، ويتضح ذلك من خلال حملات التبرعات الشعبية التي نظمت في بعض الدول، فضلاً عن التبرعات التي قدمها عدد من رجال الأعمال السوريين المعارضين والمقيمين في الخارج كأفراد أو كجمعيات وهيئات وتجمعات مختلفة.

-الأموال التي ترد من الأحزاب والتنظيمات الموجودة في الخارج إلى مجموعاتها المسلحة العاملة على الأرض السورية، فمثلاً إلى جانب ما تتحصل عليه جبهة "النصرة" من دعم خليجي رسمي وغير رسمي، فإن هناك دعماً آخر تتحصل عليه من تنظيم "القاعدة"، كذلك الأمر بالنسبة للتنظيمات المسلحة التابعة لحركة الإخوان المسلمين المحظورة وغيرها.

-الأموال التي تتحصل عليها المجموعات والتنظيمات المسلحة جراء تهريبها للموارد والثروات الوطنية السورية وبيعها لتجار وسماسرة خارجيين مرتبطين بحكومات وأنظمة ومنظمات وأحزاب أجنبية، كالعائدات التي تتأتى من بيع النفط المسروق، وهنا مثلاً يقدر المركز السوري لبحوث السياسات حجم ما سرق من نفط بأكثر من 5 مليارات دولار، كذلك من بيع الآثار السورية المنهوبة، المحاصيل والمنتجات الزراعية والصناعية كالقمح والقطن وزيت الزيتون والأدوية، وغير ذلك.

* لا رقم تقريبياً

في ظل تعدد مصادر التحويلات المالية غير المشروعة الواردة إلى المسلحين في سورية، فإن الحديث عن تقديرات حجمها وقيمتها يبدو صعباً، وحسب ما يؤكده زكي محشي الباحث في المركز السوري لبحوث السياسات فإنه لا توجد تقديرات لدينا حول هذا لموضوع، ولكن يمكن تقسيم الأموال الواردة للمسلحين إلى قسمين:

- الأول على مستوى القيادات والدعم المادي بالدولار المقدم لشراء الأسلحة والمعدات، وهذا من الصعب تقديره، وأغلبه لا يدخل إلى سوق القطع الداخلي.

-الثاني يتركز بالرواتب المقدمة إلى المسلحين، والتي تتراوح بين 70 إلى 300 دولار شهرياً مع استثناءات تصل إلى 700 أو 1000 شهرياً، وعلى افتراض أن عدد المسلحين انخفض إلى حوالي 150 ألف شخص، ووسطي راتب كل شخص حوالي 200 دولار شهرياً و75 % من كتلة الرواتب تقدم بالدولار، فبتقدير أولي تبلغ حوالات الرواتب حوالي 22.5 مليون دولار شهرياً، أي ما يعادل سنوياً 270 مليون دولار.

يتم صرف أغلبها بسوق القطع في المناطق خارج السيطرة إلى ليرة سورية التي ترتبط حكماً بسوق القطع الداخلي من خلال علاقات مع وسطاء.

يذهب مصدر خاص في المصرف المركزي إلى النتيجة نفسها، مبيناً أنه لا تتوفر إلى الآن المعلومات التي يمكن بناء عليها احتساب حجم التحويلات الدولارية غير الشرعية الواردة إلى المسلحين، سواء لجهة التعاون الإقليمي والدولي أو الوضع الداخلي، في حين أن أحد الباحثين الاقتصاديين يؤكد أن المعطيات تشير إلى أن التحويلات الخارجية غير الشرعية تكاد تقارب التحويلات الشرعية، أي أن هناك ما يقرب من 5-7 ملايين دولار يومياً تحويلات غير شرعية تتم إلى سورية، جزء منها عبارة عن تحويلات المغتربين والمهاجرين لذويهم في الداخل، والجزء الآخر عبارة عن تحويلات تذهب للمسلحين، وتصنف على أنها أموال لتمويل الإرهاب.

أياً كانت التقديرات، وأياً كان حجم الخلاف والتباين بينها، فإن ما يصل إلى المسلحين من قطع أجنبي كبير، وكبير جداً أيضاً، الأمر الذي يطرح تساؤلات عن مصير هذه الكميات؟ وتأثيراتها على سعر صرف الليرة السورية؟.

*إلى أين تذهب؟

 

يستخدم المسلحون جزءاً من هذه التحويلات لسداد رواتب المقاتلين والمتعاونين مع المجموعات المسلحة، وجزء آخر ينفق على شراء احتياجات هذه المجموعات من مواد غذائية ولوجستية، أما الجزء الثالث فيذهب غالباً إلى المتنفذين داخل هذه المجموعات وقادتها، بدليل مظاهر الثراء المتعددة التي ظهرت على هؤلاء، من شراء العقارات والقصور والسيارات الفارهة إلى تأسيس المشروعات الصغيرة والكبيرة في تركيا وغيرها.

أما مكان الإنفاق، فإن ذلك مرتبط بطبيعة الإنفاق وغايته، فهناك قسم لا بأس به ينفق في السوق المحلية لشراء السلع والمنتجات وللحصول على الخدمات المتوفرة في المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة، وهناك قسم يعاود خروجه من البلاد إما نحو المصارف الخارجية أو لشراء عقارات ومشروعات في دول مجاورة أو لسداد احتياجات عائلات المسلحين المقيمة خارجاً، وغالباً في دول مجاورة.

وعلى ذلك، فإن دولارات المسلحين لها تأثير على سوق القطع الداخلي بشكل مباشر أو غير مباشر، لا بل إن رأي البعض يؤكد أن هذه المبالغ لعبت دوراً إيجابياً لجهة تحسين جانب العرض في سوق القطع، وهذا ما أشار له بوضوح مركز دمشق للدراسات والأبحاث "مداد"، الذي أكد وجود "ارتفاع كبير في حجم الحوالات غير الشرعية "تهريب القطع الأجنبي للداخل" بهدف تمويل المجموعات المسلحة، وهذا القطع يجد طريقه بشكل أو بآخر إلى دورة القطع الأجنبي، وتشكل هذه الحوالات مورداً مهماً من القطع الأجنبي حالياً.

ويرتبط حجم هذه الحوالات غير الشرعية بعلاقة عكسية مع الحالة الأمنية التي تمر بها البلاد، فكلما تحسنت الحالة الأمنية انخفضت قيمة هذه الحوالات، إما بسبب ضبط طرق التهريب، أو توقف إرسال هذه الحوالات من المصدر.

ويستشهد المركز بما حدث بعد استعادة منطقة المليحة بريف دمشق، فيشير إلى أنه "بعد تحرير المليحة في العام 2014 انخفض سعر صرف الليرة مقابل الدولار الأمريكي بحوالي 10 ليرات، وذلك بسبب فقدان حوالي 1,5 مليون دولار كانت تضخ من المليحة في سوق القطع يومياً".

تتولى شريحة من الوسطاء والسماسرة مهمة تصريف دولارات المسلحين في المناطق الخاضعة لسيطرة الدولة مقابل الحصول على عمولات خاصة أو هامش ربح معين، وهو ما أسهم في تشكيل طبقة جديدة من الأثرياء والأغنياء، فضلاً عن أن تبادل السلع والمنتجات بين المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة وتلك الخاضعة لها يتم بالدولار أحياناً، والذي يعود تالياً ليصرف في سوق القطع الداخلي إما للمضاربة والمتاجرة أو للحصول على سيولة بالعملة الوطنية لتنفيذ صفقات جديدة.

سيريا ديلي نيوز


التعليقات