لم يشفع شعارها الجاذب «الجمارك في خدمة الاقتصاد» من توجيه سهام الانتقادات اللاذعة لأدائها سواء داخل الحرم الجمركي أو خارجه عبر إلصاق تهمة الفساد الجاهزة بعناصرها من قبل التجار وخاصة إن كان الكثير من طبخاته تشغل باتفاق بين الطرفين سراً وعلانية، لكن موجة الانتقادات قد خفت مؤخراً لما اعتبروه تفهم الإدارة الجمركية في تغير لافت غير مألوف أرجعه الكثيرون في أكثر من مناسبة وبـ«الفم الملآن» إلى مقدرة رأس هرمها على حل مشاكلهم وسط كيل عبارات المديح والثناء للشاب المدير ابن الجمارك العارف بدهاليزها وخفاياها، بشكل مكنه من مسك العصا من الوسط ضامناً رضا أهل التجارة والصناعة وثقتهم دون الإضرار بالاقتصاد المحلي كما يقولون، فهل هذا ما حصل فعلاً أم إن لغة الدبلوماسية باتت خياراً ضرورياً كرمى «تمريق» مصالحهم.
التقينا مدير عام الجمارك فواز الأسعد، للحديث عن الكثير من القضايا المعنية بحلها الإدارة الجمركية، والتي تشكل همّاً عاماً يؤثر في الاقتصاد المحلي عموماً وليس التجاري والصناعي فقط كالفساد والتهريب وغيرها.
الأداء ممتاز
بداية نحاول كسر قواعد الأسئلة الرتيبة علنا نحصل على أجوبة غير تقليدية من منطق نقد الذات، فنسأله عن تقييمه لأداء الجمارك خلال فترة تكليفه وخاصة أنه ابن لها ويعرف نقاط قوتها وضعفها، وإذا كان راضياً عن أدائه كمدير لها خلال هذه الفترة، ليفضل الإجابة بمنطق إداري بحت لا يخلو من التحلي بالمسؤولية فيقول: عادة لا يتم تقييم أداء المؤسسات من خلال القائمين على إدارتها حتى مع إيماني أن الإدارة مسؤولة عن ذلك، لكن لا بد من الاعتراف بأن الأوضاع الراهنة تؤثر إلى حد كبير على أداء الجمارك، إذا نعمل حالياً بأقل من ربع عدد الأمانات الجمركية، كما أن سياسة ترشيد الاستيراد أثرت أيضاً، لكن رغم ذلك حصيلة الإيرادات الجمركية مقارنة مع العام السابق قد ارتفعت لتتجاوز 174,9 مليار ليرة، أما في عام 2015 فوصلت إلى 130,3 مليار ليرة، ما يؤكد أن الأداء ممتاز”، رافضاً وجود أي صعوبات شخصية، لتقتصر برأيه على تداعيات الأزمة الراهنة على البنية التحتية للجمارك والآثار المادية الناجمة عنها لجهة نفقات ترميم المنشآت المتضررة.
لا فساد
ولكن ماذا عن الفساد الذي تتهم الجمارك بكثرته في مفاصلها المتعددة سواء عند تخليص البضائع أو عند الضابطة الجمركية، ماذا فعلتم لضبط هذه الظاهرة الخطرة، وهنا يحاول الأسعد الاستناد في حجته إلى صبغة الفساد المنتشرة في جميع المؤسسات، التي تتهم بهذا الأداء بالقول: لا يوجد فساد إلا عندما يكون هناك خطأ أو مخالفة ولا توجد أي مؤسسة حالياً لا يتهم عناصرها بالفساد، وباختصار، فقد استمعنا إلى شكاوى المتضررين، ودققنا في عمل العاملين كافة، كما تشددنا في معاقبة مرتكبي الخطأ بدءاً من العاملين في الجمارك وانتهاءً بالمخلصين الجمركيين ومستخدميهم.
صلاحياتي الواسعة لا تفتح باباً للفساد
نبادره بسؤال آخر من نفس السياق مع تخصيصه أكثر باتجاه صلاحيات المدير العام الواسعة بموجب قانون الجمارك الحالي وخاصة لجهة متابعة التسويات وفضها بشكل يفتح ممرات في جدار الفساد، وهو أمر يرفضه جملة وتفصيلاً بتأكيده القاطع أنه لا يوجد قانون يسمح بالفساد، وكما أن منح المدير العام صلاحيات واسعة لا يفتح باباً لذلك، علماً أن القوانين لا يتم تعديلها بقصد مكافحة الفساد وإنما لإيجاد حلول للمسائل المستعصية التي لم تسعف نصوص القانون النافذ بحلها، لافتاً إلى أنه في مشروع قانون الجمارك الجديد تم تعديل آلية تقييم البضائع المستوردة باعتبار أنها المطرح الأساس للعديد من الرسوم المستوفاة على الاستيراد، كما تم إيجاد حل لإعادة تحليل البضائع عند وجود اعتراض على نتائج التحليل، وكذلك رفع مقدار الغرامات المترتبة على المخالفات الجمركية بقصد التشدد في قمعها، والأهم من ذلك كله ما تم من تعديل على المحاكم الجمركية لتقصير مهل التقاضي أمامها، وهذه مجرد أمثلة عن التعديلات التي يتضمنها مشروع القانون الجديد، الذي أكد أنه لم يسمع وجود أي شكاوى من التجار على نصوصه، في رده على سؤالنا حول وجود اعتراضات عليه من قبل التجار والصناعيين بشكل منع إصداره بشكله الحالي، وهنا نسأله عن حالة عدم الرضا التي تسود قطاع الأعمال اتجاه شخصه بعد حله كما يقول الكثيرون مع أن بعض مطالبهم غير محقة، ليرد على تساؤلنا بسؤال آخر: من قال إن مطالب التجار والصناعيين غير محقة، نحن نجد أن كل مطالبهم محقة لأننا مؤسسة خدمية، وانطلاقاً من هذا المبدأ تواصلنا مع التجار والصناعيين بإيجابية واستمعنا إلى شكاويهم ومطالبهم وشاركناهم بطرق حلها وكانت النتيجة مرضية.
لا مجال للتلاعب
نبقى في ملف الفساد المتهمة به الجمارك لنسأل مدير الجمارك عن إجراءاته لمعالجة هذا الواقع وخاصة عند تخليص البضائع من قبل المخلص أو الكشاف والأمين، الذين تدور حولهم دائماً شبهات الفساد بشكل يضمن إعادة الأموال إلى خزينة الدولة وليس انتفاع أشخاص بعينهم فقط، ليؤكد على اتخاذ خطوات هامة بهذا المجال، فالتلاعب في التصريح بالبيانات الجمركية بقصد تخفيض نسبة الرسوم الجمركية والرسوم الأخرى بات صعباً جداً مع وجود الأسعار الاسترشادية ومراقبة البيانات الجمركية بشكل مركزي من خلال نظام الأتمتة، إضافة إلى القيام برقابة مباشرة على أقسام الكشف للتحقق من مطابقة البضاعة المستوردة لما هو مصرح عنها في البيانات الجمركية، ليشدد على أنه في حال التحقق من وجود أي مخالفة تطبق أشد العقوبات على جميع المسؤولين عن المخالفة سواء من العاملين أو المخلصين الجمركيين ومستخدميهم.
إجازات الاستيراد السبب
يعاني المستوردون من إجراءات التخليص الجمركي بشكل تسبب بتقليص الحركة التجارية عبر المنافذ الرسمية، فماذا فعلت إدارة الجمارك بالتعاون مع الجهات المعنية لمعالجة هذه الإشكالية المتسببة بزيادة التهريب، لينفي وجود شكاوى للمستوردين من إجراءات التخليص الجمركي، ويرجعها إلى سياسة الترشيد، التي تسبب بتقليص الحركة التجارية، ليبين أنه أوضح رأيه أكثر من مرة حول أثر هذه السياسة في تنامي التهريب، الذي يفترض لمكافحته فتح باب الاستيراد، خاصةً في ضوء الواقع الراهن للأمانات الجمركية الحدودية مع دول الجوار، علماً أن الجمارك مستمرة في حملتها لمكافحة التهريب سواء على مداخل المدن لمنع دخول البضائع المهربة أم داخل مستودعات التجار بعد متابعة البضائع خلال تهريبها وضبطها في أماكن تخزينها.
تنظيم مكافحة التهريب
لكن المهربات اليوم تغزو الأسواق المحلية بشكل أضر بالاقتصاد المحلي، وهناك من يوجه أصابع الاتهام للجمارك لعدم قيامها بدورها على النحو المطلوب وسط انصراف عناصر الضابطة الجمركية إلى تحقيق مصالح شخصية، لينفي ذلك بالقول: حملة مكافحة التهريب كانت ضرورية جداً خلال الأزمة مع غياب الرقابة الفعالة للضابطة الجمركية في النطاق الجمركي وخروج العديد من الأمانات الجمركية عن الخدمة وتسرب البضائع المهربة من مناطق وجود المسلحين، وقد سببت الحملة ضغطاً اجتماعياً واتهامات عديدة لعناصر الضابطة بعضها محق وأغلبها ليس كذلك، مؤكداً أنه تم تنظيم إجراءات الحملة كثيراً لتقتصر على مستودعات التجار دون محالهم، مع تقيدها بوجود إخبارات حقيقية عن المهربات، لذا يمكن القول: إن نتائج حملة مكافحة التهريب ممتازة حالياً، علماً أن هذه التعليمات لا تشكل قيداً على الجمارك بمكافحة التهريب، حيث يتم الدخول إلى أي مكان في حال وجود إخبارية بما في ذلك المحلات التجارية في المدن.
كف يد المخالف
نسأله عن مخالفات أخرى للضابطة الجمركية، التي تقوم بتوقيف البضائع على الطرقات غير ملتزمة، بأوامر المدير العام، والإجراءات المتخذة بحق عناصرها؟، ليشدد على أنه حتى هذه اللحظة لم تمنع بعض الضابطة الجمركية من توقيف البضائع على الغرامات، حيث يقوم عمل بعض الضابطات على ذلك، وبالنسبة للعناصر التي تخالف قرارات الإدارة، فإننا نصدر فوراً قرار كف يد يعقبه قرار العقوبة، ونستقبل كافة الشكاوى بخصوص أي إساءة ترتكب من قبل عناصر الجمارك بما فيهم عناصر الضابطة الجمركية.
استثناء فرضته الأزمة
يتخوف الكثيرون من انتشار المهربات بعد كف يد الضابطة الجمركية داخل المدن، وهو أمر يبدده الأسعد قانونياً بالقول: عمل الضابطة الجمركية مقيد بقانون الجمارك ضمن النطاق الجمركي المحاذي للحدود السياسية ودخولها إلى المدن استثناء أملته الضرورات الراهنة، وهو غير جائز من دون أمر تحرٍ يستند إلى إخبار مسبق وأن ماتم حالياً هو تقييد إضافي لهذا النشاط الاستثنائي، خاصةً وأن مكافحة التهريب داخل المدن لا تستلزم وجود الضابطة الجمركية باعتبار أن عصابات التهريب لا توجد في المدن وإنما تعمل ضمن النطاق الجمركي وإن مكافحة التهريب داخل المدن مسندة إلى مديرية مكافحة التهريب، التي تعتمد أسساً فنية بملاحقة التهريب عن طريق تدقيق الفواتير والوثائق المحفوظة في مكاتب المخلصين وشركات الشحن ومقارنتها مع الوثائق المبرزة إلى الجمارك في البيانات الجمركية، ما يتطلب خبرة فنية غير متوفرة لدى عناصر الضابطة ولا يستلزم أصلاً القوة العسكرية أو استخدام السلاح، كما أن خطة متابعة التهريب تستهدف متابعة نشاط التهريب من منابعه ومتابعة البضائع حتى وصولها لمستودعات التجار ليتم ضبطها بكميات كبيرة، وهذا ليس من شأنه تخفيض مقدار الغرامات بل على العكس من ذلك تماماً.
الإيرادات الجمركية تضاعفت
كف يد الضابطة الجمركية لم تؤثر على تحصيل الغرامات الجمركية كما يروج ، حسب المدير العام للجمارك، الذي أكد ازديادهم من خلال عمل مديرية مكافحة التهريب نتيجة تعديل خطة الإدارة بهذا المجال، مدللاً على وجهة نظره بلغة الأرقام، عبر إجرائه مقارنة بين الغرامات المحققة للخزينة العامة خلال الشهرين الأول والثاني من هذا العام قبل تقييد عمل الضابطة الجمركية داخل المدن والتي لامست المليار ليرة مع الشهرين الثالث والرابع الذي تم خلالها العمل في ظل التعليمات المقيدة لتتجاوز 1,7 مليار ليرة، وهنا نسأله عن قيمة إيرادات الجمارك خلال الشهور الأربعة الماضية، ليؤكد أنها أكثر من 80 مليار ليرة، علماً أن إيرادات الجمارك بمعظمها تتكون من الرسوم الجمركية والرسوم الأخرى المستوفاة من خلال البيانات الجمركية، يضاف إليها الغرامات المحققة من خلال مكافحة التهريب والقضايا الجمركية المحققة في البيانات الجمركية أيضاً، بمعنى أدق فإن مفهوم الإيرادات الجمركية أشمل بكثير من الغرامات المحققة من خلال عمل الضابطة الجمركية في مكافحة التهريب، أملاً في الوصول إلى يوم يتم فيه القضاء على التهريب تماماً حتى لو خفضت مبالغ الغرامات الجمركية إلى صفر.

سيريا ديلي نيوز


التعليقات