مؤخراً، كثرت الجرائم المرتكبة في الأماكن التي تصنف على أنها آمنة، وتدرجت هذه الجرائم من النشل حتى القتل، ويبدو أن ارتفاع معدل الجريمة في البلاد «يقرع جدران الخزان» حول تفاقم المسببات بعد تراكمها خلال سنوات الحرب وتركها دون معالجة فاعلة من قبل الجهات التي من المفترض أن تتابعها على مختلف الصعد اجتماعية كانت أو اقتصادية.

في سرد سريع للجرائم التي ارتكبت في سورية منذ بداية العام الحالي وبحسب إعلانات وزارة الداخلية، نجد أنه خلال الشهر الماضي تم القبض على عصابة سرقة في مشروع دمر، وشخصين ارتكبا عدة حوادث سرقة من المنازل في دمشق، ومروج مخدرات في ريف دمشق، وقاتل لابنته في جرمانا، ومروج مواد مخدرة في محافظة حمص، وعصابة للسلب باستخدام السلاح ولص عادي في حلب، وعصابة ارتكبت عدة حوادث سرقة وخطف وسلب سيارات في محافظة طرطوس، ومصادرة خمسين ألف حبة كبتاغون مخدرة معدة للتهريب.
حوالي 600 «مجرم» في دويلعة!
وزارة الداخلية، أعلنت أيضاً الشهر الماضي عن إلقاء القبض على حولي 600 مطلوب في الدويلعة وحدها منذ بداية العام وحتى اليوم بمعدل أكثر من 100 مجرم كل شهر تقريباً، وهذا الرقم يعتبر كبيراً جداً بالنسبة لمرتكبي جرائم كانوا أحراراً مطلوبين للعدالة، ونشرت الوزارة على موقعها الرسمي منذ أيام «خلال المتابعة المستمرة من قبل ناحية شرطة جرمانا وقسم شرطة القصاع وتسيير الدوريات بشكل يومي وعلى مدار الساعة إلى منطقتي ( الدويلعة ــ كشكول ) لمراقبة المطلوبين والمشبوهين وأصحاب السوابق تمكنت هذه الدوريات من إلقاء القبض على الكثير من المطلوبين ومرتكبي الجرائم فيهما ،وقد بلغ عدد الأشخاص المقبوض عليهم منذ بداية عام 2017م : 558 بجرائم مختلفة».
خارج الإحصائيات
في كل شهر تعلن وزارة الداخلية عن ضبوط من هذا النوع، وتغيب ضبوط أخرى لا يتم الإعلان عنها رسمياً، بينما يتم تداولها من خلال وسائل التواصل الاجتماعي أو الوسائل الإعلامية الأخرى، وخاصة فيما يتعلق بجرائم القتل التي تقع بين الحين والآخر ومؤخراً كانت أغلبها في جرمانا بريف دمشق.
كل ماذكر أعلاه، يشير فعلاً إلى ارتفاع معدل الجريمة في البلاد وفقاً للمصادر الرسمية، بينما يبقى حديث الشارع عن سرقة السيارات والنشل والتهديد بالسلاح أو التهديد بالقتل دون إلقاء القبض على الفاعالين، الأكثر خطورة، حيث لا يدخل هؤلاء ضمن الإحصائيات التي يتحدث عنها القضاء أو الأمن الجنائي.
أغلبهم شبان
 رئيس فرع الأدلة الجنائية بالأمن الجنائي محمد سنقر أكد في حديث صحفي سابق، أن جرائم القتل ازدادت خلال الأزمة لكنها أخذت تنخفض حتى العام الماضي على حد تعبيره، مشيراً إلى أن «معظم الجرائم كانت لأسباب مادية مع ملاحظة زيادة باستخدام الأسلحة النارية في ارتكاب الجرائم عن السنوات السابقة للأزمة»، مضيفاً أن «شريحة الشباب بين 18 سنة حتى 40 سنة كانت أكثر ارتكاباً لجرم القتل».
وبدوره، قال قاضي التحقيق السادس في دمشق علاء تيناوي إن «جرائم القتل في سورية 12 ألف جريمة عام 2013 ثم انخفضت في عام 2016 لأقل من 500 جريمة على مستوى القطر».
ربما يكون حديث القضاء والأمن الجنائي صحيحاً، لكن رغم انخفاض عدد الجرائم الموثقة رسيماً، تطفو على السطح مشكلة أخرى، وهي تركز هذه الجرائم في مناطق معينة، يكثر بها العاطلون عن العمل وترتفع فيها مستويات الفقر وتكون نسبة المهجرين فيها كبيرة، كما هو الحال في مدينة جرمانا بريف دمشق.
دوافع موضوعية وذاتية
بحسب أحد الباحثين الاجتماعيين: أن مجموعة العوامل الضاغطة، اجتماعياً واقتصادياً، من فقر وبطالة وتهميش وغيرها، تعتبر عوامل موضوعية مساعدة لدى البعض على ممارسة السلوكيات الشاذة، كنوع من التمرد على الواقع الموضوعي شكلاً، وكتعبير عن تجاوز حدود الضغط لديهم حدود امكانية الضبط والتحكم بما ينسجم مع الضوابط الاجتماعية والأخلاقية والقانونية العامة، فردياً وذاتياً.
ومع تزايد معدلات الفقر والبطالة والتهميش والعوز لحدود الجوع، بفعل نتائج الحرب والأزمة وتداعياتها خلال السنوات الماضية، كظرف موضوعي سلبي ضاغط وبقوة، تكسرت لدى البعض تلك الحدود الاجتماعية والقانونية التي تحكم سلوكهم، كعامل فردي وذاتي، ليتمظهر التمرد لديهم عبر ممارسات وسلوكيات شاذة، أخذ بعضها الشكل الجرمي كمحصلة ونتيجة.
خلاصة
لا يمكن تبرير الجريمة، لكن، إلقاء القبض على المجرمين فقط لا يمكن وحده أن يحل المشكلة، دون النظر إلى الدوافع الموضوعية والذاتية لهذه الأفعال، وإلى الحال المعيشي الذي يعيشه أغلب السوريين اليوم وخاصة من فقدوا كل ممتلكاتهم خلال الحرب، وبالتالي، من المفترض على الحكومة أن تقوم بتوفير فرص عمل للشباب ووضع حد للطرد التعسفي من العمل في الجهات الخاصة، وتأمين مردود مالي يناسب الأسعار التي ترفعها الحكومة ذاتها بين الحين والآخر دون العمل على رفع الرواتب بنسبة طردية، غير آبهة بالمشاكل الاجتماعية التي ترتبت على ذلك من تفقير للشعب وتهميش جزء كبير منه وجعله غير فاعل وهذا ما قد يدفع البعض للتفكير بأسلوب شاذ عن المجتمع.

سيريا ديلي نيوز


التعليقات