مقاربات عديدة قدمت خلال الآونة الأخيرة لتصحيح حالة عدم التوازن والتوافق بين الاستهلاك والدخل تتمثل بزيادة الرواتب والأجور من جهة وهي حل سريع لكن نتائجه تضخمية، والمقاربة الثانية تتعلق بإعادة هيكلة السوق ولكنها متوسطة الأجل.

 الدكتور مدين علي أستاذ الاقتصاد بجامعة دمشق كان من أنصار المقاربة الثانية من خلال خلق منافسة حقيقية في السوق وإقصاء نفوذ القوى الاحتكارية وتجار الأزمات، لكن هذا يتطلب إجراءات قوية تنفذها الحكومة بشكل حاسم.‏

لكنه لم يستبعد مقاربة زيادة الأجور والرواتب نهائياً، بل جعلها خطوة ثانية على المدى المتوسط، بربطها بالمضي في تنفيذ المقاربة الثانية، لافتاً إلى أن الأفضل تحسين الدخل الحقيقي للمواطنين من خلال السعي إلى تخفيض الأسعار في السوق مؤكداً وجود إمكانية لتحقيق ذلك، عبر اعتماد سياسة نقدية تستهدف تحسين سعر الصرف، وقمع الاحتكار، مشيراً إلى أن طرح مخازين المحتكرين في السوق كفيل بتخفيض الأسعار بنسبة معينة.‏

مدين لم يتفق مع مقترح ربط الأجور بالتضخم، بمعنى زيادة الأجور بنسب التضخم ذاتها، على أن يتم إحداث إصلاح نقدي شامل بعد عدة سنوات من ترك سعر الصرف يتحرك بحرية ما دامت الرواتب تزداد، بحيث يتم الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين.‏

ورأى أن هذه السياسة تتطلب توافر مجموعة شروط، هي غير متوافرة في حالتنا السورية، مبيناً أن زيادة الطلب الاستهلاكي عبر الأجور، لا يولد دخولاً حقيقية، بعكس حالة تخفيض الأسعار.‏

لا شك أن المقاربة الأولى المتمثلة بزيادة الرواتب والأجور لها تأييد كبير من قبل العاملين في القطاع الحكومي فعملياً ستقوم الدولة بزيادة الرواتب والأجور، ورفع مستوى التعويضات المالية التي يتقاضاها العاملون، من خلال الإصدار النقدي أو الاقتراض الداخلي، أو من خلال مصادر تمويل استثنائية أخرى (وهي مصادر باتت في جميع الأحوال معدومة).‏

وهذا الإجراء بحسب مدين يُعدُّ الأسهل والأبسط من الناحية العملية، لأنه لا يتطلب إجراءات أو تدابير نوعية، لكنه ينطوي بالتأكيد على مخاطر كبيرة في الأجلين القصير والمتوسط، لأن التوجه نحو اعتماد هذه المقاربة، يعني في ظل ضعف مرونة عرض الجهاز الإنتاجي المحلي (المدمّر بنسبة كبيرة منه).‏

في المقاربة الثانية ينطلق مدين من ضرورة تنفيذ سياسات نوعية، تستهدف تغيير خصائص السوق، وإعادة تشكيلها من جديد، وفق قواعد أو مبادئ جديدة روافعها الأساسية كسر حالة الاحتكار واختزال عدد الحلقات الوسيطة وتأصيل التنافسية كخاصة بنيوية للسوق السورية، وتحفيز العملية الإنتاجية الوطنية، وإعادة توزيع الدخل من خلال أدوات السياسة الاقتصادية وغير الاقتصادية.‏

في هذا السياق قال وزير المالية الدكتور مأمون حمدان إنه لا زيادة مرتقبة على الرواتب والأجور خلال المرحلة المنظورة مشيراً إلى أن دراسة هذا الموضوع من خلال مراسلات بالصحف أمر غير مجدٍ وهو يحتاج لدراسة معمقة.‏

وأضاف حمدان: إن الحكومة لديها سلم أولويات يبدأ من الجيش إلى الغذاء فالدواء مشيراً إلى أن الحكومة على إطلاع على كل المقترحات وهي مستعدة لدراستها بشكل اقتصادي.‏

وقال إن زيادة الرواتب والأجور لا تتم بشكل عفوي بل تحتاج لدراسة اقتصادية كي لا نقع في فخ التضخم إضافة إلى أن هناك جهات عديدة تنتظر زيادة الرواتب والأجور كي ترفع أسعارها مباشرة أضعافاً مضاعفة.‏

ورأى حمدان أن الحل يكمن بتحسين الإنتاجية وعودة عجلة الإنتاج خاصة أن هناك صناعات دورتها سريعة وهذا سيضخ واردات بشكل عام وبالتالي تحسين الواقع المعيشي، والأكثر من ذلك ما بدأت به الحكومة لتخفيض الأسعار من خلال تخفيض الرسوم الجمركية إلى النصف على كل المواد الأولية الأمر الذي سينعكس على تخفيض المنتجات إضافة لموضوع الـ 15% التي فرضتها الحكومة على كل المستوردات بحيث تشتريها بسعر التكلفة وتباع بمؤسسات التدخل الإيجابي بأسعار تتناسب والقوة الشرائية للمواطن.‏

وأوضح حمدان أن توجه الحكومة نحو دعم المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر ومنح القروض التشغيلية للأسر سيولد فرص العمل ويساعد على الإنتاجية.‏

 

سيريا ديلي نيوز


التعليقات