شائعات كثيرة في الآونة الأخيرة أصابت منتج اللبنة «السكب» من حيث ملاءمته للشروط الصحية، فالبعض تحدث عن خطورة ذلك المنتج على صحة الأطفال وتطور نموهم ولا سيما في حال اعتماده وجبة يومية ولفترات طويلة، في حين ذهب البعض إلى تخفيف وطأة المنتج المذكور وعدّ أنه لا يضر ولا ينفع، وهما رأيان كلاهما مر، يزيدهما «بلة» انتشار ذلك المنتج بكثرة في الأسواق رغم محاولات ضبطه من قبل وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، فضلاً عن توصية وزارة الصحة بعدم إصدار المواصفة لذلك المنتج لكونه غير مستوفٍ للشروط الصحية.
«تشرين» بعد رصدها واقع هذا المنتج في الأسواق لحظت أنه لا دخان بلا نار وأن الموضوع ليس مجرد شائعات، لكن ما حقيقة ما جرى في هذا الملف؟ وأين هو اليوم من صوت المحاسبة والضبط الذي تصدعت آذاننا بسماعه ليل نهار؟
غير مسموحة صحياً
الخيط الأول في هذا الملف هو بيان أي صنف من الألبان الذي دارت حوله الشائعات وعليه بين محسن الحلاق مدير عام هيئة المواصفات والمقاييس لـ«تشرين» أن «اللبنة السكب» ذات المواصفات النباتية غير مسموح بتصنيعها وفق المواصفات السورية، والمقصود باللبنة السكب الممنوعة تلك التي تحتوي على دسوم نباتية ويتم تصنيعها من حليب البودرة المنزوع الدسم، في حين أن اللبنة السكب ذات الدسوم الحيوانية مسموحة وخاضعة لشروط المواصفات الصحية والمقاييس المطلوبة، مؤكداً عدم شرعية اللبنة السكب النباتية من الناحية الصحية لأنها تحتوي على زيوت نباتية مهدرجة مؤذية للأطفال. ونوه الحلاق بأن المواصفات إلزامية وإجبارية ويجب التقيد بها من قبل المصنع أو المنتج الذي يطرح منتجاته في السوق، وأي منتج لا يخضع للمواصفة يعد مخالفاً لشروط الصحة والسلامة.
ليست وليدة اليوم
الخيط الثاني والأهم الذي أمسكت به «تشرين» هو إشارة مدير المديرية الغذائية في هيئة المواصفات والمقاييس الكيميائي نضال عدرا إلى قدم ملف منتج اللبنة السكب، مؤكداً أن وجود ذلك المنتج في الأسواق ليس وليد البارحة واليوم بل يعود إلى سنوات ما قبل الأزمة، وكانت البداية على شكل لبنة مغشوشة تحتوي على حليب مجفف وزبدة نباتية يتم خلطها بالنشاء والماء لتعطي نكهة مقبولة وبأسعار زهيدة حيث كان سعر الكيلو منها آنذاك لا يتجاوز الـ 60 ليرة في حين كان سعر اللبنة النظامية لا يتجاوز 200 ليرة، لكن الإقبال عليها كان ضئيلاً قبل الأزمة بحكم رخص الأسعار بشكل عام، مقابل القدرة الشرائية المقبولة للمستهلك، بينما معطيات الواقع اليوم قلبت الموازين رأساً على عقب في خضم جنون الأسعار وانخفاض القدرة الشرائية للمواطن الأمر الذي ساهم في انتشار المنتجات المغشوشة من الألبان والأجبان التي ملأت الأسواق، ما أدى إلى زيادة الإقبال عليها بحكم رخص أسعارها مقابل ارتفاع أسعار المنتجات النظامية ذات المواصفات والمقاييس الصحية، فسعر كيلو اللبنة السكب المغشوش اليوم لا يتجاوز 500 ليرة في حين سعر كيلو اللبن السكب الصحية يفوق 1100 ليرة.
يوقف النمو عند الأطفال
بالعودة إلى تفاصيل ما جرى في هذا الملف كشف عدرا وبصفته معاون مدير هيئة المواصفات والمقاييس أن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك طلبت من الهيئة إبداء الرأي في صلاحية ذلك المنتج ومدى إمكانية منحه معايير المواصفة على اعتبار أنه منتج منتشر في السوق، وعليه شكلت الهيئة لجنة شملت ممثلين من وزارتي الصحة وحماية المستهلك إضافة إلى ممثلين من غرفة الصناعة واتحاد الجمعيات الحرفية وهيئة المواصفات والمقاييس، وتم فحص المنتج المذكور ليتبين أن محتوياته مخالفة لشروط المواصفة من حيث السلامة والصحة والشروط الفنية، لأنه يحتوي على دسوم نباتية مهدرجة تساهم في توقف النمو عند الأطفال أو ما يسمى قصر القامة في حال تناولها بشكل يومي وبكميات كبيرة ولفترات زمنية طويلة، – وهنا لا يغيب عن الذهن اعتراف المدير بوجود ذلك المنتج لسنوات قبل الأزمة-، مضيفاً أن الهيئة راسلت وزارة الصحة بعدم مطابقة ذلك المنتج للمواصفات المطلوبة وجاء الرد من الأخيرة بعدم إعطائه المواصفة المذكورة وهنا ينتهي دور هيئة المواصفات والمقاييس -حسب عدرا – باعتبارها جهة تشريعية ليأتي دور وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك في ضبط المخالفات المتعلقة بالمنتج، مع التنويه بأن هيئة المواصفات أبلغت حماية المستهلك بذلك بكتاب رسمي.
التموين يحصن نفسه بالضبوط
مرمى وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك محصن كعادته بعبارات تطبيق القانون وأعداد ضبوط المخالفات، حيث أكد مدير التجارة الداخلية وحماية المستهلك في دمشق المهندس عدي الشبلي أن منتج اللبنة المذكور موجود في الأسواق وتم ضبط ما يزيد على 11 طناً منه في الآونة الأخيرة، كما تم تطبيق الإجراءات القانونية على المخالفين بعد إثبات المخالفة وإحالتهم إلى القضاء، مبيناً أن الكميات الكبيرة المضبوطة تركزت في أرياف العاصمة وبشكل خاص في جرمانا.
في ملعب المواطن
قد تكون دوافع المواطن في الإقبال على المنتج المغشوش رغم كارثية نتائجها مبررة نوعاً ما في أيامنا هذه، فالأخير مغلوب على أمره في ظل ارتفاع الأسعار وقلة الحيلة، حيث بات همه الأول تأمين لقمة العيش لسد الجوع سواء أكانت تلك اللقمة مغشوشة أم نظامية، لكن من غير الممكن تبريره هو إيصال المواطن إلى هذه الحالة من العجز أمام الأسعار واللامبالاة فيما يأكل، وجعله أسير تلك المنتجات وضحية ضعف الرقابة عليها أو بالأحرى رهين ما يسمعه من تصريحات رقابية تطرب لها الآذان وتجوع على طنينها البطون، فهل عدد الضبوط مهما بلغ حجمه كاف لمنع انتشار تلك المنتجات، ولماذا لا يقطع دابر تلك الورشات العاملة في الظل والمصنعة لتلك المنتجات؟ أين الأخيرة من إجراءات الرقابة، أم باتت الكرة في ملعب المواطن في كل شيء، ليترك عليه أمر مقاطعة تلك المنتجات رغم عذوبة أسعارها كحل جذري؟ أين الحلول الجذرية الأكثر صلابة التي يجب اتباعها من قبل الجهات المعنية لفك حصار تلك المنتجات عن رقبة المواطن الحلقة الأضعف.

سيريا ديلي نيوز


التعليقات