دخلت الخضار مؤخراً في دوامة التخبط الحكومي لجهة التعامل مع التجار واستصدار القرارات الاقتصادية الملائمة، لتلحق باللحوم وغيرها من سلع غذائية وتحلق في أسعارها بعيداً عن موائد السوريين.

 

وتعتبر حال الأسواق المحلية خير انعكاس لعدم قدرة الحكومة على ضبط آلية العمل لصالح المواطن، حيث قفزت أسعار الخضار لمستويات جديدة، وخاصةً مادة البطاطا التي سجلت أعلى سعر في تاريخ البلاد، ووصلت إلى 500 ليرة/ كيلو، ورغم انخفاض السعر قليلاً، إلا أنه ما يزال دون المأمول بالنسبة للمواطنين.

تهديد ووعيد!

الحديث عن عقوبات وإجراءات بحق التجار والمستوردين من قبل وزارة التجارة الداخلية لم يؤت ثماره، على الأقل حتى اللحظة، فالبطاطا لا زالت تباع بسعر لا يقل عن 350-400 ليرة، رغم طرحها من قبل مؤسسة «السورية للتجارة» عبر سيارات جوالة بسعر 260 ليرة، إلا أن ذلك لم يغير من واقع الحال شيئاً.

بالتوازي، يبدو أن تقدير حاجة البلاد من هذه السلعة لم يكن دقيقاً، عند السماح مؤخراً باستيراد 10 آلاف طن من البطاطا المصرية، رغم أن الحاجة في مثل هذا الوقت من العام تقدر بما لا يقل عن 25 ألف طن، وهي الكمية التي تم السماح باستيرادها العام الماضي في مثل هذا الوقت تحديداً !!

أما الحديث عن مساهمة العروة الربيعية بتخفيض الأسعار، فهو ضرب من الخيال، في وقت تقبع فيه مناطق زراعة المحصول في أماكن خارجة عن سيطرة الدولة، إضافةً لمصادرة أية كميات تصل من تلك المناطق.

وضريبة ترفيق!

إن الاعتماد على ما قد يؤدي إليه طرح المنتج القادم من طرطوس من تحسن في السعر، لن يكون على مستوى الآمال، نظراً لقلة الكميات بالدرجة الأولى، إضافةً لوجود ضريبة مستحدثة على المنتجات القادمة من محافظة إلى أخرى، تسمى بـ«ضريبة الترفيق» لتأمين حمايتها على الطريق، وبحسب ما يتم تداوله عن الضريبة فهي لا تقل عن 100 ألف ليرة عن كل شحنة، الأمر الذي يفرض تكلفةً أعلى على مستقدمها، وبالنهاية على المستهلك.

الأسعار تصعد ولا تعرف النزول!

من جانبهم اشتكى مواطنون استمرار سوء الأوضاع، ومواصلة الأسعار ارتفاعها لمختلف السلع والمنتجات، بسبب وبدون سبب، حيث اعتاد التجار رفع أسعارهم بشكل مستمر ودون أي رادع، رغم استقرار سعر الدولار أو انخفاضه في فترة سابقة، إلا أن أياً من ذلك لم ينعكس على واقع السوق، في وقت يستخدم ارتفاع سعره كحجة لرفع الأسعار على الدوام.

وقال أبو محمد من سكان دمشق: «في كل فترة تظهر مشكلة جديدة علينا أن نتأقلم معها ونجد بدائل لمواد وسلع تخرج من قائمة احتياجاتنا اليومية، لعدم قدرتنا على توفيرها».

وتابع «في الشتاء نعاني من تأمين وسائل التدفئة والإنارة، وعشنا أياماً عصيبة مع انقطاع المياه لأكثر من شهر، والآن نشقى لتأمين طعام يكفي أطفالنا وعائلتنا، بسبب الغلاء الذي لا يرحم».

حال أبي محمد يعتبر أفضل من غيره، كونه لا يضطر لدفع آجار منزله، في وقت يتوجب على المئات دفع مبالغ مرهقة شهرياً، لقاء استئجار غرفة أو منزل صغير في عشوائيات المدينة.

اللحوم على حالها:

ارتفاع أسعار الخضار الأخير، لم يتزامن مع أي انخفاض في أسعار المنتجات والسلع الغذائية الأخرى، بما يمكن أن يسد ما قد يخرج من القائمة الغذائية للمواطن، حيث حافظت أسعار الفروج على ارتفاعها عند حدود 1800 ليرة/ كيلو الشرحات، وصحن البيض عند حدود 1200 ليرة.

أما أسعار لحم العجل فشهدت ارتفاعاً، وصل معه كيلو اللحم الهبرة إلى 4300 ليرة، وكذلك حال لحم الخروف، الذي وصل إلى 6 آلاف ليرة للكيلو الواحد.

وكانت اللحوم الحمراء البلدية ومعها لحم الدجاج، قد خرجت قبل سنوات من منازل كثير من السوريين إلى غير رجعة، واستبدلها بعضهم بمكعبات مرق الدجاج لإضافة النهكة إلى طعامهم، أو الاستعانة بلحوم مجمدة، غير مضمونة تماماً، أو ما قد يتيسر من لحم مفروم في بعض الأحيان والمناسبات.

«المقالي» أكلة الأغنياء!

تحول ارتفاع أسعار الخضار اللافت إلى محور أحاديث الناس، التي باتت تتهكم من عدم قدرتها على اختيار طعامها اليومي، بناءً على رغبتها، وما يحبه أبناؤها، وانتقلت طبخة «المقالي» إلى عالم الأغنياء والطبقة الراقية لما باتت تكلفه بسبب الغلاء.

وبناءً على أسعار الخضار الأخير، يمكن القول: إن طبخة «مقالي» لعائلة مكونة من 5 أشخاص تصل تكلفتها إلى حوالي 3400 ليرة، أي تقارب سعر الفروج البروستد الذي يباع بسعر 3300-3700 ليرة بحسب منطقة المطعم، وبشكل أعلى من ذلك المحدد في نشرات التجارة الداخلية بدمشق (2550 ليرة).

وتم احتساب تكلفة الطبخة كما يلي: سعر كيلو البطاطا 450 ليرة + كيلو الباذنجان 300 ليرة + كيلو الزهرة 250 ليرة + كيلو الكوسا 350 ليرة + 850 ليرة عبوة زيت نباتي للقلي، إضافةً لتكلفة صحن سلطة بمكونات بسيطة هي كيلو بندورة 250 ليرة + كيلو خيار 250 ليرة + كيلو بصل 250 ليرة+ خسة 160 ليرة + نعنع 40 ليرة + ليمون حامض 250 ليرة =3400 ليرة.

وأدى ارتفاع الأسعار بما لا يتناسب والقدرة الشرائية للمواطنين إلى عزوفهم أو تخفيف استهلاكهم لما كان يعرف بخبز الفقراء أي البطاطا، وبحسب تصريحات رسمية: انخفض استهلاك مادة البطاطا بدمشق بنسبة 50% مؤخراً بسبب ارتفاع سعرها، وتحوّل المستهلكون نحو بدائل أخرى حيث كانت تقدر الاحتياجات المحلية لدمشق وريفها يومياً من مادة البطاطا بقرابة 700 طن في حين حالياً لا تتجاوز 350 طناً يومياً.

وتتجه الأنظار حالياً إلى مادة البندورة، التي يُخشى تأجج أزمة في تأمينها، حيث يجري تهريبها من مناطق إنتاجها في الساحل إلى لبنان، بحسب مصادر الحكومة، وذلك مع وجود مغريات بتحقيق الأرباح، بسبب فوارق الأسعار بين لبنان والداخل السوري.

الحكومة تعمل على ملء خزانتها:

يشار إلى أن ظهور أزمة الخضار الأخيرة، تزامن مع تصريحات حكومية عديدة، تشير إلى نيتها دراسة أسعار المشتقات النفطية وتعديلها، بعد رفع صريح وعلني للدعم عن مازوت الصناعيين والتجار، ما يشير إلى مرحلة مقبلة صعبة اقتصادياً على من تبقى من مواطني ذوي الدخل المحدود..

سيريا ديلي نيوز


التعليقات