لعلّه من النادر في العالم وجود مدينة ساحلية على شاطئ البحر، لا يتمكّن مواطنوها من السباحة على بعض مناطق شاطئها، إنها مدينة اللاذقية، بكلّ أسف. 

لا ندري إن كان هذا الوضع الكاريكاتوري يحفّز المعنيّين على تسليط الضوء على هذه الظاهرة، والتباهي بها أمام شعوب العالم، بأن بعض مسؤولينا متفرّدون  باتخاذ مثل هذه القرارات..

في التفاصيل!

اتصل عدد من أصحاب الشاليهات، الواقعة شمال غرب مدينة اللاذقية بمكتب «قاسيون» للاطلاع على واقعهم المزري، لا سيما وأن فصل الصيف يقترب – فصل السياحة كما هو مفترض – فتوجّهنا إلى المكان وتجوّلنا في شوارع المدينة «السياحية» وصولاً إلى الشاطئ المراد تسييجه، لمنع الروّاد من الوصول إلى البحر، وذلك خدمةً لمستثمرِ مشروع غرب منتجع الشاطئ الأزرق (موضوع هذا التحقيق). 

وبالعودة إلى تاريخ التعدّي على الشاطئ، فإنه يعود لسنوات عديدة خلت؛ فبعد أن تم توسيع المرفأ، الذي أطاح بكلّ جماليات المدينة من كورنيش ومنتزهات ومطاعم وذكريات.. بدأ البحث عن أماكن أخرى ما زالت تستقبل عشاق البحر مجاناً، أو بأسعار معقولة، ليتمّ الإجهاز عليها؛ وكأن ثمة ثأر ما بين الحكومة وبين شعبها. 

شركات واستثمارات!!

تم إغلاق مسبح جول جمال، الذي استثمرته شركة روسية، حيث وضعت مجسَّماً لمنتجعها على الباب، وغابت. 

وقامت شركة أخرى بجانب (المريديان) بتسييج الأرض الواسعة هناك، بشبك من حديد وأسلاك شائكة، لا تُذكّر إلا بالمعتقلات، ونامت الشركة. 

وقامت بدورها شركة الديار القطرية، شرق منتجع الشاطئ الأزرق، بالاستيلاء على مواقع شركة الكرنك السورية والأراضي القريبة منها، وتعثّرت الشركة وتوقّفت. 

وتفضّلت الشركة المتحدة للاستثمارات السياحية، على الشاطئ مباشرةً، ببناء قلعةٍ إسمنتية تفتقر لذوق الهندسة الشاطئية، فحجبت الشاليهات التي خلفها كلها، وتعملقت بالطوابق، وتُركت على الطرفين مساحة ضيقة للسباحة الشعبية - كما سمّوها- لكنها لا تتّسع إلا لعدد قليل من البشر.

إزاء هذا الواقع المُرّ، لم يتبقَّ للراغب من سكان اللاذقية وضيوفها من خيار للسباحة إلا سحب قرض للدخول إلى المسابح الخاصة، يكفيه لأيامٍ قليلة، أو إعمال ملكة التخيّل الساحرة، وإقناع نفسه بأنه يسبح في المياه الزرقاء الصافية في مجمّع «روتانا» السياحي، أو السباق للظفر بعدة أمتار قرب مصبّ مجرور الصرف «غير الصحّي» بمحاذاة مشروع غرب منتجع الشاطئ الأزرق. 

استخفافٌ بالناس وحقوقهم؟

إن هذا الاستخفاف بمشاعر الناس، غير موجود ربما في شواطئ العالم كلها. إذ يقول أصحاب الشاليهات في المدينة السياحية، الذين لا يتوقّعون موسماً سياحياً مزدهراً بسبب الأزمة، وبعد أن حُجب البحر عن شاليهاتهم بكاملها وتحوّلت إلى حيّ سكني مغلق:

«إذا نجح المستثمرون غرب المنتجع بمنع أي إنسان من الوصول إلى الشاطئ، باستثناء نزلاء المنتجع، حينها ما هو مبرر وجودنا وممتلكاتنا؟ وماذا سنعمل؟»

والأدهى والأمرّ، أن مجلس مدينة اللاذقية (المؤتمن على أملاك الدولة وعلى خدمة المواطنين) هو من ساهم ويساهم بتمادي المستثمرين في حرمان المواطنين من الحدّ الأدنى من السعادة، ضارباً عرض الحائط بكل القوانين والأنظمة التي تتيح الوصول إلى الشاطئ؛ فقد جاء في القانون رقم (16) لعام 2001 حول الأملاك البحرية، وشروط استثمارها وإشغالها في المادة (2) حيث نصّ: «تشمل الأملاك العامة البحرية: أ- شاطئ البحر إلى المسافة التي يصل إليها المدّ أو الموج أيّهما أبعد. ب – شطآن الرمل والحصى المحاذية لشاطئ البحر».

وجاء في مادته (3 – 1): «تخضع الأملاك البحرية للقوانين المتعلقة بالأملاك العامة، وهي معدّة للمنفعة العامة واستعمال الجمهور، ولا يجوز التصرف بها أو تملّكها بالتقادم أو الحجز عليها».

كما نصّ عقد الاستثمار الخاص بموقع غرب منتجع الشاطئ الأزرق باللاذقية، المبرم ما بين المستثمر (م. الديري) وشركاه، وبين مجلس مدينة اللاذقية، في المادة الرابعة من العقد بالقول: «مع الاحتفاظ بحق الوصول إلى شاطئ البحر مجاناً لكافة المواطنين».

رغبات المستثمر أولاً!

تفاجأ الجميع بصدور القرار رقم (256) تاريخ 14/5/2016، الصادر عن مجلس المدينة، بتبنّي رغبة المستثمر بفصل الشاطئ أمام موقع المشروع بشبك معدني لمساحة /100/ متر، مع إقامة شبك معدني في البحر لمسافة /60/ متر فوق قواعد بيتونية.. حارماً بذلك آلاف المرتادين، من مصطافين وأصحاب الدخل المحدود وعامة الشعب، من حق الوصول إلى شاطئ البحر. علماً أن المسافة المقتطعة، هي فقط المتبقّية من الشاطئ الرملي الصالح للسباحة. 

والأنكى من ذلك كله، هو: أن المجلس المذكور يفتري، بوقاحة قلّ نظيرها، بأن هذا «التعديل» في القرار الصادر، قد تم بعد الاجتماع مع أهالي المنطقة، والحصول على موافقتهم! كما جاء في مقدّمة القرار. وهذا ما يذكّرنا بتبرير الحكومة عندما قامت برفع أسعار الخبز بناءً على «طلب المواطنين»!

اعتراض قابل للتصعيد

تقدّم مئات المتضررين من هذا القرار الجائر الصادر عن مجلس المدينة، بمعروض إلى جهات رسمية عدة، يحتجّون من خلاله على الظلم الذي حاق بهم، ويطالبون بإعادة النظر بالقرار أعلاه، وبإلزام مجلس المدينة التقيّد بالتشريعات التي تكفل حقوق المواطنين، ويأملون ألاّ يدفعهم غضبهم الدفين إلى تصعيد احتجاجهم إلى وضع لن يسرّ خاطر لا المستثمر ولا مجلس المدينة كحق مشروع لهم.

سيريا ديلي نيوز


التعليقات