رغم أن سورية بلد الامتياز الحقيقي للاستثمار، إلا أنه لم يكن لذلك انعكاس ملموس على مجالات التنمية الحقيقية بشقيها الاقتصادي والاجتماعي، فأغلب الاستثمارات التي دخلت إلى سورية خلال سنوات ما قبل الأزمة، وظفت في المجال الريعي، أكثر من نظيره الإنتاجي الحقيقي، فكان المكسب الحقيقي لرجال الأعمال الذين طالما تغنوا بتنمية الجانب الاجتماعي وتقليص مستويات الفقر، إلا أن ذلك لم يكن له ذلك الأثر..!.

ونعتقد في هذا السياق أن سلطاتنا التنفيذية تتحمل المسؤولية في هذا الجانب، عبر جذبها لمستثمرين لا يبالوا برد ولو جزء مما منحته من تسهيلات استثمارية خلال سنوات ما بات يعرف بالانفتاح والاستقرار الاقتصادي، تماماً كمزارع يستنزف خيرات أرض خصبة بزراعات على مدار مواسم متتالية دون أن يغذيها بما يلزم من أسمدة ومواد عضوية فتتحول إلى أرض قاحلة، ويبحث المزارع بدوره عن أخرى أكثر خصوبة...!.

ولعله من المناسب هنا أن نستذكر ما قام به رئيس وزراء ماليزيا السابق مهاتير محمد خلال أزمة المضاربة التي قام بها رجل الأعمال الأمريكي جورج سيروس في محاولة منه ضرب الاقتصاد الماليزي، حيث لجأ رئيس الوزراء آنذاك إلى منع المستثمرين من مغادرة بلاده لمدة عام كي يستعيد الاقتصاد عافيته، وبعد انقضاء فترة المنع فتح المجال لمن يرغب من المستثمرين بمغادرة البلاد، فما كان منهم إلا أن تراجعوا عن قرارهم السابق وآثروا البقاء ومتابعة الاستثمار في ماليزيا..!.

أما في المشهد السوري فلم يتوان العديد من رجال أعمالنا لحظة شعورهم بالخطر على ثرواتهم واستثماراتهم عن اتخاذ قرارات سريعة دحضت كثير من مزاعمهم بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية، وما تسريح العمالة –ومعظمها- غير مؤمنة اجتماعياً، والهروب للاستثمار في الخارج، إلا دليلاً دامغاً على نكران الجميل، وإيمانهم المطلق بمبدأ (رأس المال جبان) والذي على ما يبدو بات منهجاً رئيساً في عملهم، ودفعهم للبحث عن أسواق جديدة يمكن أن يحققوا فيها طموحاتهم المالية غير المحدودة تتمتع بمزيد من الاستقرار وميزات تنافسية في عدد من الصناعات لضخ استثمارات جديدة فيها، يستمر من خلالها دوران عجلة إنتاجهم، وكانت النتيجة ليس الحفاظ على ثرواتهم من أتون حرب دفع ثمنها الشعب الفقير فحسب، بل نموها عبر استثمارات ومضاربات في أسواق دول يعرف داخلوها من أين تؤكل الكتف..!.

ولدى محاججة "صاحبة الجلالة" لعدد من تجار دمشق حول تركيزهم المطلق على الاستيراد، وإغراق السوق بالمستوردات غير الأساسية من جهة، وارتفاع أسعار المنتجات الأساسية اليومية للمستهلك من جهة، وغياب التصدير كمكون رئيسي في المشهد الاقتصادي من جهة ثالثة، بادرنا بالقول: (كفاكم جلدا بالتجار والصناعيين اللذين يعملون ليلا نهارا دعما للاقتصاد الوطني...فهؤلاء يستحقون بطاقة شكر يومية لما يقومون به من جهود مضنية في ظل المنافسة القوية التي تواجه الصناعة السورية...).

ونرد على هذا الكلام بقولنا هل تسريح ما يقارب الـ 100 ألف عامل من منشآت القطاع الخاص –وفق بعض التقديرات غير الرسمية- يستحق الثناء؟ أم أن التهرب الضريبي الذي تخطى الـ200 مليار خلال إحدى سنوات ما قبل الأزمة - حسب بعض التسريبات الحكومية- يملي على الحكومة والمجتمع أن يرفع بطاقة شكر وامتنان، بل وإعطاء رجال أعمالنا مزيداً من الامتيازات كي يضخموا من ثرواتهم للاستثمار بها خارج البلاد؟

سيريا ديلي نيوز


التعليقات