زامنت التصريحات التي تشير إلى رغبة وزارة الإعلام، ونقابة الصحفيين في ضبط المهنة، مع إجراء صادم يثبت عكس الرغبة المعلنة، تمثل في رفع رسوم اعتماد الصحفيين والعاملين في الوسائل الإعلامية المحلية والأجنبية، إضافةً إلى رفع رسوم ترخيص الوسائل ذاتها بمختلف أنواعها وبنسب مرتفعة جداً.

ولم تنفرد الوزارة وحدها برفع رسوم الإعتمادات، التي تنتهي بحصول الصحفي على البطاقة الصحفية المعترف بها «رسمياً»، بل سار اتحاد الصحفيين على الخطى ذاتها ورفع رسم الانتساب إلى 10 آلاف ليرة سورية بحسب عضو الاتحاد ورئيسه السابق إلياس مراد.

لا تبدو هذه الخطوات تشجيعيةً للانتساب إلى الإتحاد ولا للتوجه نحو الاعتماد من قبل وزارة الإعلام، والهدف من الاثنتين بالنسبة للصحفي هو: الحصول على بطاقة تسهل له عمله، إضافةً إلى امتيازات اجتماعية وخدمية وصحية معينة، لكن، حتى تلك الامتيازات غير متوفرة كما باقي الوزارات أو النقابات بهذا المجال تحديداً، فراتب التقاعد باتحاد الصحفيين على سبيل المثال، إلى اليوم هو 8 آلاف ليرة سورية فقط.

بالدولار!

الوزير محمد رامز ترجمان خرج بتصريحات صحفية وكأنه يتحدث عن قطاع اقتصادي وليس إعلامي، قائلاً: «لا عيب بالبحث عن مداخيل تعزز دور الدولة في تطوير خططها الإنتاجية والاستثمارية».

وبعيداً عن البحث في جملة «خطط إنتاجية واستثمارية» المبالغ بها، فإنّ هدف الحكومة حالياً، هو زيادة مواردها بغضّ النظر عن المجال الذي تفكر بجني الأرباح منه، أو استمرارية القطاع المتضرر من تلك القرارات، وهنا يستهزئ الوزير بشكل غير مباشر بالوسائل الإعلامية في البلاد بقوله: «المبلغ ليس بالكبير، باعتبار أنه سنوي ولذلك فإنه لا يشكل ضغطاً على الوسيلة الإعلامية التي ترغب في اعتماد مراسل لها في سورية».

يقولها الوزير صراحةً: «في النهاية المسألة هي نسبة وتناسب فاعتماد موقع إلكتروني كان سابقاً 25 ألف ليرة على سعر الدولار 50 ليرة على حين الآن اختلف الحال ليصبح هذا المبلغ نحو 500 ألف ليرة على سعر الصرف الحالي».

يفترض الوزير مسبقاً أن مبالغ الاعتمادات الجديدة لا تشكل عبئاً على الوسائل الإعلامية، بينما شكل عدد الصحفيين في البلاد عبئاً على الوزارة دون استثمار مادي!

من أفلت السوق؟

ترجمان قال: إن هدف الوزارة من رفع الرسوم سواء ترخيص الوسائل، أو اعتماد الصحفيين، هو البحث عن نوعية وسائل الإعلام المرخصة التي ستأخذ الترخيص سواء كان إعلاماً مرئياً أو مسموعاً أم مكتوباً، باعتبار أنه سابقاً كان مبلغ الترخيص بسيطاً، ومن ثم كان أي مواطن يتوفر معه المبلغ الذي يخوله أن يفتتح وسيلة إعلامية. 

في تصريح الوزير، هناك اعتراف واضح بفلتان سابق في السوق الإعلامي، إن صح التعبير، ومن وجهة نظره فإن نوعية الوسائل ستُضبط بحجم الأموال التي تدفعها، علماً أن النوع لا يرتبط نهائياً بالأموال المدفوعة، لأن كثيراً من وسائل الإعلام المحلية مملوكة من قبل رجال أعمال هدفهم الأخير هو: الربح إن كان هذا الهدف مدرجاً أصلاً ضمن الأهداف.

تهديد بالعمل دون ترخيص!

قرارات الوزارة الأخيرة أثارت موجةً من الاستياء في أوساط الوسائل الإعلامية، وخاصة تلك التي تعتمد على كادر قليل (من 3 إلى 4 فقط) بتمويل هزيل وإعلانات شحيحة نتيجة الوضع الإقتصادي العام، الذي تعاني منه الوزارة أصلاً، حيث طالب أحد المواقع الإلكترونية الوزير بالتراجع عن القرار، بمقال له بعد أن تم رفع ترخيص الموقع الاكتروني من 25 ألف إلى 500 ألف ليرة، وكتب الموقع المختص بأخبار الاقتصاد: «قرار رفع تراخيص المواقع الإعلامية الالكترونية ستدفع بقية المواقع إلى عدم تجديد الترخيص السنوي، كون فاتورته أعلى من القدرات المالية لأية مواقع، لذا سنجد أن معظم المواقع تفضل البقاء دون اعتماد، وبالتالي فإن وزارة الإعلام ستخسر المواقع التي كانت تجدد اعتمادها سنوياً بهكذا قرار».

هو تهديد صريح بعدم تجديد التراخيص والاعتمادات، وبالتالي العمل دون وصاية الوزارة، وخسارة أموال كبيرة، وضعتها نصب عينيها بعد قرار الرفع.

وسابقاً، كان «المجلس الوطني للإعلام» الذي حلّ وأحيلت مهامه إلى مديرية الإعلام الخارجي في وزارة الإعلام، مخولاً بمنح البطاقات الصحفية للوكالات والوسائل المحلية والخارجية، إلا أن «الإعلام الخارجي» قامت مؤخراً برفع رسوم هذه البطاقات من 250 ليرة سورية إلى 10 آلاف ليرة بحسب مدير الإعلام الخارجي بوزارة الإعلام منذر أحمد، أي أن الوزارة اتجهت لرفع سعر البطاقات قبل وضع معايير لإنجاح وتسهيل العمل الإعلامي وتحريره من القيود البيروقراطية، وقبل اتخاذ أية خطوات بنّاءَة بعد حل المجلس.

37 ألف دولار

وقال أحمد: «تم رفع الأسعار من 250 ليرة إلى  10 آلاف للبطاقات الصحفية، وللوكالات الأجنبية إلى  300 دولار لمدير المكتب، و200 دولار للمصورين وباقي المساعدين»،  ويبرر أحمد هذا التوجه بأنه يرفد خزينة الدولة بالأموال قائلاً: «عندما كان المجلس الوطني يقوم بهذه المهمة عام 2016، كان عدد الوكالات الخارجية المصرح به 122 والمحلية 197 والعائد منها فقط 700 ألف ليرة، بينما من المتوقع تحصيله حالياً 37 ألف دولار من الوكالات الأجنبية و14 مليون ليرة من المحلية».

وبهذا تكون نسبة رفع أسعار البطاقات وصلت حتى 4.000% للبطاقات المحلية، ما وجد به أحمد أنه رسم بسيط، وليس مرتفعاً، ومسؤولية دفعه تقع على صاحب الوسلية المرخصة، وليس الصحفي نفسه، على حد تعبيره.

ورفعت الوزارة أيضاً تراخيص المواقع الإلكترونية من 25 إلى أكثر من 500 ألف للمواقع الخبرية ومليون ليرة للموقع الإعلاني على حين تراوح تراخيص القنوات التلفزيونية من 10 إلى 20 مليون ليرة بحسب نوعية القناة (إخباري إعلاني سلايدات) على حين بلغ ترخيص الوسيلة الإذاعية نحو 6 ملايين ليرة.

ويبقى العمل الإعلامي في سورية يعاني كثيراً من العقبات والعراقيل غير التي ذكرت أعلاه، ومنها دور المكاتب الصحفية، التي تعمل على عرقلة الوصول إلى المعلومات في بعض الوزارات، بدلاً من التنسيق والتعاون، بينما يعاني الصحفيون في الوصول إلى المعلومات مع وجود «حراس البوابة»، وتعاميم وزارة الإعلام التي تمنع بعض الأحيان الجهات الحكومية من التحدث بملفات وقضايا معينة دون توضيح، على الرغم من التعاميم التي تصدر أحياناً بمضمون التعاون بهذا الشأن.

سيريا ديلي نيوز


التعليقات