موجة البرد الشديد، التي أتت بنهاية شهر كانون الثاني، كانت نتائجها سيئة على بعض الفلاحين والمزارعين في المنطقة الساحلية، وخاصة من لم يتخذ الاحتياطات الكافية لمواجهة غضب الطبيعة.

على الرغم من إلغاء ساعات التقنين الليلي، على منطقة واسعة من الأراضي الزراعية الممتدة على طول الشريط الساحلي، إلا أنّ موجة الصقيع فعلت فعلها، بالمناطق التي لم يطلها إلغاء التقنين، ولدى المزارعين الذين لم يعتمدوا طريقة رشّ الرذاذ على البيوت البلاستيكية لرفع درجة الحرارة داخلها، ولم تتوفر لديهم وسائل تدفئة أخرى لمزروعاتهم.

أضرار بلا تعويضات

مديرية زراعة طرطوس، قدّرت قيمة الأضرار بالمحاصيل الزراعية بالمحافظة بحدود 6 مليار ليرة، وذلك خلال أيام البرد والصقيع فقط، سيتكبدها الزارعون من جيوبهم وعلى حساب معيشتهم وأسرهم، حيث لا تعويض بنتيجة مثل هذه الكوارث ولا من يحزنون، علماً أن هذه الخسائر تعتبر بين الخفيفة والمتوسطة، والخسائر الكبيرة تعتبر قليلةً نسبياً.

الأضرار شملت محاصيل الخيار والبندورة والفليفلة والباذنجان والفاصولياء والبطاطا والفول وغيرها من المحاصيل الأخرى، والمشكلة الإضافية بالنسبة للفلاحين والمزارعين هي: الأسعار التي سيحصلون عليها عند تسويق منتجاتهم التي أصابها الصقيع، حيث ستتدنى تلك الأسعار، وقد تصل لحدود الخسائر المحتمة.

خشية مبررة!

خشية الفلاحين الحالية، هي: من احتمال قدوم عواصف برد وصقيع أخرى تكون أكثر شدةً، بظل هذا النمط من التعامل مع أزماتهم واحتياجاتهم ومستلزمات انتاجهم.

فمن غير المقبول اعتبار استثنائهم من بضعة ساعات تقنين كهربائي في الليالي الباردة، وكأنها مِنّة تَمُنّ بها مؤسسة الكهرباء، وغيرها من الجهات العامة الأخرى عليهم، ويتم الترويج والتسويق لهذا الإجراء وكأنه «قد أخرج الزير من البير»، رغم أهميته، حيث يعتبر تأمين التيار الكهربائي الدائم واجب هذه الجهات ومن مسؤوليتها، ومن الواجب أيضاً تأمين مادة المازوت باعتبارها جزءاً من مستلزمات الإنتاج، وغيرها من المستلزمات الأخرى، مثل: الأسمدة والبذار والأدوية الزراعية وغيرها الكثير من مساعدات الإنتاج والتسويق.

الأهم تعويض الخسارات 

ولعل أكبر المشاكل التي تواجه الفلاحين والمزارعين، هي: موضوع التعويضات عن الخسائر، سواء بسبب الأحوال الجوية والطبيعة، أو بسبب الآفات الزراعية، أو بسبب ارتفاع تكاليف الانتاج، أو بسبب التسويق وتحكم التجار بما يسمونه «فائض الإنتاج»، وغيرها من أسباب تكبدهم الخسائر المحققة، التي يعانون منها بشكل سنوي.

حيث يتم التعويض-إن وجد- لأعداد قليلة من الفلاحين والمزارعين وبمبالغ ضئيلة، تكاد لا تغطي جزءاً من الخسارات، بينما يتكبد المزارعون وحدهم هذه الخسائر السنوية، على حساب معيشتهم وأهلهم، وربما على حساب استمرارهم بالعمل الإنتاجي الزراعي، حيث تتزايد هجرة العمل الزراعي عاماً بعد آخر، وتتحول الأراضي الزراعية إلى أراضٍ بور أولاً بأول.

اتحادات نوعية وصناديق دعم

صندوق دعم الفلاحين والمزارعين، الذي من المفترض أن يقدم المساعدة والتعويض لهذه الشريحة المنتجة، من أجل استمرار عملية الإنتاج وعدم توقفها والتعويض عن الخسارات بحال وقوعها، والمساعدة بتحمل جزء من تكاليف العملية الإنتاجية، لم ير النور حتى تاريخه، على الرغم من كثرة المطالب بهذا الشأن وتكرارها سنوياً، والذريعة الدائمة، هي قلة الموارد وانعدامها، وذلك حسب الهياكل التنظيمية الحالية المعنية بالإنتاج الزراعي، (وزارة الزراعة ومديرياتها ووحداتها الإرشادية، واتحاد الفلاحين والجمعيات التعاونية الفلاحية)، فيما يغيب وجود اتحادات نوعية للمنتجين الزراعيين أنفسهم، مع وجود صناديق كبيرة ووازنة لهذه الاتحادات تعنى بشأنهم وبمصالحهم، على المستويات كافة سابقة الذكر.

بالمقابل هناك اتحادات، وهياكل تنظيمية أخرى، لها طابع المنافسة مع المنتجين الزراعيين، اتحاد المصدرين، على سبيل المثال لا الحصر، حيث يعمل هذا الاتحاد لمصلحة هذه الشريحة من المصدرين وفق هيكلية تسعى لتحقيق مصالح منتسبيه، ولو على حساب الشرائح المنتجة، وهو يعمل بالتسويق والتصدير، وله صندوقه وإيراداته ونفقاته، بما فيها حملات الترويج الإعلامي داخلاً وخارجاً.

فما المانع من إيجاد مثل هذه الهياكل التنظيمية النوعية على مستوى الإنتاج الزراعي والحيواني، منتجي الزيتون، منتجي الحمضيات، منتجي الحبوب، الفروج والبيض، اللحوم الحمراء، وهكذا، بحيث تعمل هذه الهياكل «الاتحادات» بالتنسيق مع الهياكل الموجودة، الرسمية وغير الرسمية، مع تأمين مصادر تمويلها الذاتي وصناديقها المالية المساعدة على تخطي صعوباتها، وتكون بالمقابل، مدافعةً عن مصالحها واستمرار عملية إنتاجها، كما تمثل مصالح منتسبيها بوجه بقية الهياكل الموجودة، بما فيها الهياكل الرسمية.

مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذا المطلب، عُمُره عشرات السنين، ولكن لم يتم تبنيه واتخاذ القرار بشأنه حتى تاريخه، ربما لأن شريحة الفلاحين والمنتجين الزراعيين، لم يتمكنوا من صياغته بالشكل المطلوب، ويتوحدوا خلفه لأسباب عديدة، وربما وهو الأهم: أن السياسات الليبرالية الرسمية، غير معنية بالإنتاج والمنتجين، بقدر اهتمامها بأصحاب الرساميل وكبار التجار والسماسرة والمستوردين من غير المنتجين.

سيريا ديلي نيوز


التعليقات