دفعت سنوات الحرب الاقتصاد السوري إلى مفترق طرق، القرار فيه حاسم، ولا يمكن تجاهله، كما لا يمكن تأخير البت فيه، لما له من آثار سلبية خطرة في واقع معيشة المواطنين، وشكل الاقتصاد المفترض به تحريك عجلة النمو الاقتصادي.

الخيارات أمام الحكومة اليوم محدودة، وواضحة، فإما أن تلجأ إلى زيادة الإنفاق العام، لدعم الإنتاج، والنمو، أو أن تمضي في سياساتها التقشفية الراهنة، ولكن بعد إعادة هيكلتها وفق أسس اقتصادية معروفة، أو تختار طريقاً ثالثاً.

يتطلب السيناريو الأول من الحكومة زيادة إنفاقها العام، عبر قناة الأجور والرواتب، تحديداً، ما يعني لجوء المصرف المركزي إلى طباعة نقد جديد، لتمويل زيادة الأجور والرواتب، والتي سوف تكون مستمرة، للحاق بالتضخم، الناتج عن زيادة الكتلة النقدية المطروحة للتداول، ما ينعكس سلباً على قيمة الليرة، إذ سوف تعاود انخفاضاتها، وبصور قد تكون حادة، ومستمرة، ما يتم تعويضه بضخ مزيد من النقد، عبر زيادات دورية في الأجور والرواتب.. وهكذا، وصولاً إلى انهيار لليرة، ومعها الاقتصاد. لذا فإن هذا خيار غير منطقي.

اعتماد السيناريو الثاني، المتعلق بالمضي قدماً في التقشف المطبق خلال الحرب، يتطلب من الحكومة إجراء إصلاحات هيكلية في سياساتها التقشفية الراهنة، كالحفاظ على سعر صرف ثابت، وتخفيض أسعار الفائدة بشكل ملموس، إضافة إلى سياسة ضريبية محفزّة للإنتاج، والتشغيل، والتوجه نحو التصدير للاستفادة من انخفاض قيمة العملة، ما يجعل الصادرات أرخص، فتزداد الكميات المطلوبة منها في الأسواق الخارجية. إلا أن هذا الخيار غير عملي، لأنه يتجاهل الضغوط المعيشية الكبرى التي يعانيها المواطن اليوم، ويؤجل إيجاد حلول لها بعد ست سنوات من الفقر المدقع.

ولا ننسى مشاكل الإنتاج المعقدة، والمرتبطة بالوضع الراهن للحرب وتداعياتها، وخاصة ما يتعلق بتوفير البنى التحتية اللازمة للإنتاج، ومصادر الطاقة من كهرباء ووقود، والسياسات التصديرية والضريبية والتسليفية.. كما قد تبرز سلبيات استخدام المدخرات والقروض الميسرة لزيادة الطلب على استهلاك المستوردات والمهربات، فنعود إلى مشكلة تسلل النقد إلى الخارج وتنشيط عالم التهريب والفساد.

إلى ذلك، نجد أنفسنا أمام خيار ثالث، يقوم على اعتماد سياسات إنتاجية صناعية تحفيزية متكاملة، وليست متناقضة، كما هو قائم. بمعنى تكامل السياسات التسليفية والضريبية والنقدية والتصنيعية والاستثمارية والتجارية.. لتؤدي نتيجة واحدة، مفادها دعم النمو الاقتصادي وتحسين المستوى المعيشي للمواطن، بدلاً من التضارب الحاصل لتبرز سياسة بأنها ناجحة مقارنةً بفشل الأخرى!

إضافة إلى اعتماد برنامج طارئ لتمكين الحامل الاجتماعي، بمعنى حماية الفئات الاجتماعية الأكثر فقراً، والمتضررين من الحرب، بعد تشظي الطبقة الوسطى، وتحمّل المواطنين، الفقراء بأغلبيتهم، تكلفة دمار جزء كبير من مخرجات التنمية على مدى العقود الثلاثة الماضية، وصولاً إلى اقتصاد يحترم المواطن بالدرجة الأولى، ليصبح قادراً، على دفع عجلة التنمية من جديد، بعد أن تكفل «اقتصاد اللـه» بتدبير أمورنا خلال الحرب.

سيريا ديلي نيوز


التعليقات