ما يزال التهميش هو السمة الغالبة لتعامل سوق العمل السوري مع ذوي الاحتياجات الخاصة، ورغم أنه جرت محاولات سابقة لمنحهم حق الحصول على عمل، سواء في القطاع العام أو الخاص.

 

إلا أن معاناة هؤلاء ما تزال قائمة في بلاد تنمو فيها نسبة البطالة باضطراد، مشكلة شبحاً يلقي بظلاله القاتمة على الجميع. 

باحثون عن عمل

مثل معظم من هم في سن الشباب، يبحث المعوقون عن فرص عمل تعينهم على نفقات المعيشة، في ظل اقتصاد يحابي رؤوس الأموال،  ومنذ نحو عقد مضى نشرت إحدى الصحف المحلية أرقاماً مصدرها وزارة الشؤون الاجتماعية، وهي توضح أنه قبل الأزمة، وفي الفترة الممتدة ما بين عامي 2001 حتى عام 2011، فإن عدد المعوقين المسجلين في مكاتب التشغيل هو 24473 معوقاً، ومن هؤلاء كلهم حصل فقط  2220 معوقاً على فرصة عمل،‏ أي أقل من 100% فماذا حل بالبقية؟.

وتشير الإحصاءات إلى أن نسبة المعوّقين في سورية قبل الأزمة قد بلغت نحو 10 في المئة من عدد السكان، وفق تقارير منظمة الصحة العالمية، وإذا كانت هذه المعطيات تشير إلى واقعهم وأعدادهم قبيل الأزمة، فإن علينا أن نضع في الحسبان ارتفاع هذه النسبة، أو ربما تضاعفها في بعض المناطق السورية بفعل ارتفاع وتيرة العمليات العسكرية وما خلفته من «شهداء أحياء»، كما يحب المسؤولون أن يسموهم حين يعتلون المنابر، وهنا نذكّر أن هؤلاء المعوقين ليسوا في حاجة إلى الخطابات أو التكريم، وإنما هم أحوج إلى فرص عمل تتيح لهم الاندماج في سوق العمل والاعتماد على أنفسهم فحسب.

في النص القانوني..

يتناول الفصل الرابع من قانون العمل رقم 17 الأحكام الخاصة بتشغيل المعوقين وتأهيلهم، حيث تعرف المادة 128 المعوّق بأنه كل فرد نقصت قدرته على أداء عمل مناسب والاستمرار فيه نقصاناً فعلياً نتيجة لعاهة بدنية أو عقلية. 

وتحدد المادة 129 الجهات التي تسري عليها أحكام الفصل المتعلق بذوي الإعاقة، وهم أصحاب العمل الذين يستخدمون خمسين عاملاً فأكثر، سواء كان العمال يشتغلون لدى صاحب عمل في مكان واحد، أو في أمكنة مختلفة ضمن الأراضي السورية.

وتنص المادة 130 على أنه يحتفظ كل عامل أصبح معوقاً، لسبب من الأسباب، بعمله الذي يشغله، ويسند إليه عمل يلائم نوع إعاقته بعد تأهيله، إلا إذا تعذر ذلك لحدة إعاقته أو لطبيعة العمل الموكل إليه، ويحدد ذلك بموجب تقرير طبي معتمد من طبيب العمل. وفي المقابل يجوز لصاحب العمل، عندما يصبح مردود العامل المعوّق قد تدنى بشكل ملحوظ بموجب شهادة طبية، إجراء تخفيضات في الأجر من خلال شروط تحدد بقرار من الوزير.

في حين تؤكد المادة 131 على أن التدابير والمزايا الممنوحة للعمال المعوقين لا تعد بمثابة إخلال بمبدأ تكافؤ الفرص والمساواة بين العمال.

وتحدد المادة 136 نسبة العمال ذوي الإعاقة في القطاع الخاص بنسبة 2%، إذ تنص على أنه يجب على أصحاب العمل الذين تسري عليهم أحكام هذا الفصل استخدام من ترشحهم لهم المكاتب العامة للتشغيل، من واقع سجل قيد المعوقين الذين تم تأهيلهم مهنياً، وذلك بنسبة (2%) من مجموع عدد عمالهم.

وفي حال عدم تقيد صاحب العمل بتشغيل هذه النسبة، يجب عليه دفع بدل نقدي يعادل الحد الأدنى لأجور هؤلاء العمال، يودع في حساب خاص للمعوقين لدى الهيئة العامة للتشغيل وتنمية المشروعات، من أجل تمويل المشاريع المتوسطة والصغيرة والمتناهية الصغر الخاصة بهم. 

ويتوجب على صاحب العمل أن يجهز أماكن العمل بالمعدات اللازمة لتسهيل قيام العمال المعوقين بعملهم، وأن يحرص على توفير شروط الوقاية الصحية والسلامة المهنية كلها لهؤلاء العمال. 

كما يمنع تشغيل العمال المعوقين في الأعمال التي قد تعرضهم للخطر أو تزيد من حدة إعاقتهم.

كما أن للمعوّق المصاب أثناء وبسبب العمليات الحربية أو الخدمة العسكرية أو الخدمة الإلزامية أولوية التعيين في القطاع الخاص، وذلك مع مراعاة النسبة المنصوص عليها في المادة 136.

أما بالنسبة للقطاع العام فتنص المادة السابعة من قانون العاملين الأساسي، على أن الجهات العامة يتوجب أن تقوم بتشغيل المعوقين المؤهلين وفق الأوضاع والشروط التي تحدد بقرار من مجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزير الشؤون الاجتماعية والعمل، على ألا يتجاوز عددهم نسبة 4% من الملاك العددي للجهة العامة.

على أرض الواقع 

إذاً، طبقاً لقانون العمل رقم 17 يلتزم رب العمل في القطاع الخاص بتشغيل نسبة 2% من عماله من العمال المعوقين، وهي نسبة ضئيلة خصوصاً في ظل الحرب التي تسببت في إعاقات جسدية لكثير ممن هم في  أمس الحاجة إلى العمل.

فأصحاب الاحتياجات الخاصة غالباً ما يعجزون عن العثور على عمل في بلد تفشت فيه البطالة، حتى بين الأسوياء جسدياً، ما دفع هذه الشريحة التي ضاعفت الأزمة عددها وفاقمت معاناتها إلى العمل غالباً على بسطات لبيع بعض المنتجات زهيدة الثمن، كالقداحات والجوارب والسكاكر، في حين يضطر آخرون إلى بيع بطاقات «اليانصيب» أو الجلوس أمام ميزان لقاء ليرات قليلة، أو تعبئة الوحدات في أحسن الأحوال، مهن تتطلب منهم  قضاء ساعات يومهم على الأرصفة، تحت رحمة مختلف العوامل الجوية، مقابل ربحٍ بسيط لا يغني ولا يسمن لكنه يدرأ شيئاً من الجوع ويبعد عنهم شبح التسول، بعضهم ما يزال في مقتبل العمر وآخرون على حافة الشيخوخة، ويتقاسمون المعاناة والإعاقة والفقر جميعهم على أرصفة المدينة. 

الأوفر حظاً- إن جاز التعبير- هم أولئك الذين وجدوا وظيفة تقيهم مرارة التشرد على الطرقات، سواء في القطاع العام أو الخاص، وإن كانت نسبتهم قليلة للغاية.

بين البسطة والمقسم

يعاني عصام من إعاقة حركية في رجليه، لكن إعاقته لم تقف حائلا أمام بحثه «بالحيلة والفتيلة» عن عمل يناسبه، ولا سيما أنه حاصل على الشهادة الثانوية، وكأي شاب في مقتبل العمر واجه عصام صعوبات في إيجاد عمل دفعته إلى الحصول على رخصة لبيع الترمس على بسطة بالتعاون مع زميل له، ومنذ نحو سنة ونصف وجد الشاب فرصة عمل في إحدى الجهات الحكومية، وذلك بالاستعانة «بوساطة» ويبدو أنها ما تزال الحل الأمثل للحصول على عمل في الجهات العامة، حتى بالنسبة للمعوقين الذين تنص القوانين على أحقيتهم، واليوم، يعمل عصام كموظف مقسم في غرفة ضيقة، ويعاني صعوبات عدة في عمله، أبرزها عدم وجود مصعد واضطراره إلى صعود وهبوط الأدراج يومياً، إلى جانب الافتقار إلى من ينوب عنه في استلام المقسم في حال غيابه لطارئ ما.

إضافة على ذلك يبقى الهم الأكبر بالنسبة إليه- وهو هم أي مواطن سوري أينما حل- هو عدم كفاية الراتب، فعمله السابق على بسطة الترمس، رغم بساطة فكرتها وتقاسم العمل عليها مع شريكه، كانت أكثر جدوى اقتصادية من وظيفة الدولة التي لا يكفي أجرها سوى الأسبوع الأول من الشهر.

رغم الظروف!

بالطبع، ليس عمال سورية بحاجة إلى أن يساقوا إلى العمل مكرهين– كما قال أحد المسؤولين حين ادعى أن لا بطالة، وإنما عزوف من قبل العمال عن أداء واجباتهم!.

 

فهؤلاء العمال مقبلون على العمل حتى في أحلك الظروف، بمن فيهم تلك الشريحة المتنامية والمهمشة من المعوقين المستعدين إلى مزاولة أية مهنة، مهما كانت متواضعة، ليؤمنوا لأنفسهم وأسرهم عيشاً لائقاً رغم كل ما يعترضهم من صعوبات، ويبقى السؤال: ألم يحن الوقت لتخجل الحكومة من الأجور التي تمنحها لعمالها، والتي لا تكفيهم حتى لتجديد قوة عملهم؟!

سيريا ديلي نيوز


التعليقات