كنا قد حذرنا أكثر من مرة من الإهمال الكبير الذي يعانيه القطاع الزراعي في البلاد نتيجة سوء التخطيط والمتابعة والتنفيذ. اليوم بدأنا بحصاد نتائج هذا الإهمال الذي ما زالت الجهات المعنية تلقي به على شماعة الأزمة.
تراجع مرعب في زراعة القطن وتخبط غير مبرر في التعاطي مع هذا القطاع الأساسي في بلادنا، من أكثر من مليون طن قبل الأزمة إلى 5 آلاف طن في هذا العام. الأسباب كثيرة والتبريرات أكثر من ذلك..!!
لكن الأهم في كل هذا المشهد طريقة تعاطي جهات القطاع الزراعي مع هذه الأزمة. خططت وزارة الزراعة في الموسم الحالي لزراعة 108 آلاف هكتار بمحصول القطن في جميع المحافظات السورية التي يقدر لها إنتاج نحو 400 ألف طن من القطن المحبوب.
لكن يبدو أن هذه المساحة وهذا الإنتاج لم يتحققا لأسباب كثيرة قد نتفهم البعض منها الذي يتعلق بالأمان في بعض المناطق وعدم توفر مستلزمات الإنتاج ولكن هناك عامل تشجيع بيد الحكومة لم تستعمله إلا بعد فوات الأوان حيث صدرت زيادة أسعار شراء الأقطان في نهاية شهر آب في وقت كانت الأقطان عقدت الجوز. ومن المفترض لتشجيع الزراعة وحتى يكون لزيادة الأسعار أثر في زيادة المساحات المزروعة يجب أن تصدر زيادات الأسعار في شهر شباط من كل عام لأنه خلال هذه الفترة يتم إعداد الأرض لزراعة القطن ورفعت الحكومة أسعار شراء الأقطان من 140 ليرة سورية للكغ في الموسم الماضي إلى 235 ليرة في هذا الموسم وتعتبر هذه الزيادة كبيرة جداً حيث زاد السعر بحدود 95 ليرة للكغ دفعة واحدة وهذه الزيادة لم تعط في أي مرحلة من المراحل. وتأتي هذه الزيادة لتغطية التكاليف المرتفعة ولتعويض الفلاحين عن عدم تأمين مستلزمات الإنتاج بالشكل والسعر المناسب.
ولاستطلاع واقع زراعة القطن في هذا الموسم التقت «الوطن» المدير العام للمؤسسة العامة لحلج وتسويق الأقطان المهندس زاهر العتال الذي قال: بلغت الكميات المسوقة من محصول القطن حتى يوم الخميس الماضي 650 طناً في وقت يفترض أن تكون كمية الإنتاج في هذا الموسم 400 ألف طن. لكن أعلمنا وزير الزراعة قبل بداية موسم التسويق أن كمية الإنتاج لن تتجاوز 50 ألف طن. ونتيجة هذه الأوضاع تعاقدت المؤسسة مع موردين بموجب مناقصة أجريت لتوريد الأقطان الداخلية من الحسكة والرقة حيث يقوم المورد بشراء الأقطان من المحافظة وشحنها إلى المنطقة الوسطى وأعطيت للمورد أسعار بموجب هذه المناقصة 333 ليرة للكغ من الرقة و375 ليرة من الحسكة لكن لم يتم توريد أي كمية من الحسكة حتى الآن وعلمنا أن المورد قام بشراء كميات من الأقطان وتم تجميعها في الحسكة لكن لم يتم نقل أي منها إلى المنطقة الوسطى كما هو متفق بموجب العقد أما في الرقة فبلغت الكمية التي قام المتعهد بتوريدها من الرقة إلى المنطقة الوسطى 253 طناً وهي عبارة عن حمولة 10 سيارات فقط. ومن حماة 275 طناً ومن حلب 85 طناً.
والآن قدم المتعهد في الرقة كتاب اعتذار عن إمكانية استمرار تنفيذ العقد مرفقاً بكتاب من محافظ الرقة وكتاباً من اتحاد الفلاحين في الرقة بعدم إمكانية توريد أي كميات من الأقطان من الرقة إلى المنطقة الوسطى. وبين العتال أن هناك انتشاراً كبيراً للمحالج الخاصة في محافظتي الرقة ودير الزور وتقوم بحلج الأقطان وتهريب القطن المحلوج إلى خارج القطر.
وتصل حسب المعلومات الواردة إلى المؤسسة أسعار الأقطان في تلك المناطق إلى 270 ليرة في الرقة و260 ليرة في الحسكة. ويتساءل المدير العام: هل من المعقول أن يتراجع إنتاج الأقطان في الغاب وهي منطقة آمنة من 130 ألف طن قبل الأزمة إلى 275 طناً في هذا الموسم.
وعن وضع المحالج بين أنه وللمرة الأولى خلال الأزمة يتم استلام الأقطان في حلب حيث تم تشغيل محلج تشرين وهو من أهم المحالج في سورية وتصل طاقته إلى 700 طن يومياً من القطن المحبوب وتجري الآن عمليات الاستلام في حلب من خلال هذا المحلج فقط.
وكذلك تم اعتماد محلج الفداء في حماة لاستلام الأقطان في المنطقة الوسطى وعن المخازين المتوفرة من الأقطان المحلوجة وهل هي كافية لحاجة معامل الغزل؟ بين العتال أن المخزون الحالي يكفي لمعامل الغزل لهذا العام فقط ولكن في العام القادم سيكون هناك نقص شديد.
أما معامل الزيوت فلا توجد بذور أقطان لتشغيل هذه المعامل وسيتم العمل على تأمين حاجتها من مصادر مختلفة. وأضاف إن الحاجة الفعلية خلال هذه الفترة هي 150 ألف طن من القطن المحبوب لتشغيل معامل القطاع العام في وقت لا أتوقع أن تزيد كمية الإنتاج الذي يمكن أن نستلمه عن 5 آلاف طن في أحسن الأحوال. وكشف العتال عن خطة وضعتها المؤسسة بإشراف الحكومة ووزارة الصناعة لوضع صيغة تشاركيه لزراعة أكبر مساحة ممكنة بمحصول القطن من خلال تأمين التمويل وتوفير مستلزمات الإنتاج بشكل مباشر من المؤسسة إلى الفلاحين ومن شأن هذه الخطة أن تساهم في زراعة جميع المساحات في المناطق الآمنة بمحصول الأقطان.
وزيادة في الدعم ستقوم المؤسسة العامة لحلج وتسويق الأقطان بتوزيع بذور القطن مجانا على الإخوة الفلاحين في جميع المناطق. ويرى المدير العام أنه مهما قدمت الحكومة من دعم لزراعة القطن فلن تكون مبالغ الدعم أكبر من المبالغ التي نقدمها الآن لشراء الأقطان من الحسكة والرقة حتى تصل إلى المناطق الآمنة في المنطقة الوسطى. لأنه من غير المقبول أن نبقى نتذرع بالأزمة ويجب أن نقوم بإجراءات لتجاوز مفرزات الأزمة حيثما استطعنا إلى ذلك سبيلا.

سيريا ديلي نيوز


التعليقات