دائما ما تخرجني دمشق القديمة من عزلتي،
يهفو قلبي اليها،وحين يصبح بين جوانحها تشرق روحي بالياسمين المشبع بالنور.
حين ادخل من قوس باب شرقي ادخل كمن يحتفي بالحياة،كمولود جديد تمنحه امه النظرة الاولى.
هنا كل الوجوه مألوفة لن تجد وجها غريبا،كل الوجوه تتصل بحبل سرة ما لتخفق الحياة.
كل الوجوه وجهك وجهها .
حتى الهواء يصبح اخف هنا وتمشي كمن تحمله الريح او لربما الروح.
هنا تتعانق الأضداد عناقا ازليا!
تلك الكائنات الجميلة التي تمشي على قدمين قد هزمت الحرب،ومنعت الحياة نفسها من السقوط في براثن الموت،
هنا الحب يلف الجميع بعطره كأب يعانق أبناءه ويطلقهم للحياة.
هنا اضيق الدروب يتسع لعرس!
ثلاثة مشينا من القوس الشاهد والمحروس بعيون تعشق الفجر نحو الحديقة الصغيرة التي تخلد مذبحة قديمة ولكنها تحتضن العشاق والسكارى والمريدين والمشردين والعابرين، هنا تتذكر الموت ولا تعبأ به!
شاب يدندن على عوده حوله تلتف مجموعة من الصبايا والشباب يغنون لفيروز.
اي مكان يحب فيروز كالشام القديمة؟!
لربما يألفها هذا المكان أكثر من بيتها،ولربما هو بيتها الكبير ولربما هي واحدة من أسراره!
جلسنا إلى جوارهم وما لبثنا ان اندمجنا بالغناء كما كثير من العابرين !
تدهشني الموسيقى كل مرة كيف تجمعنا كيف توحدنا .
عابر (عاشق )لافرق ،ما طلب العود وغنى لعبد الوهاب (هان الود )(كل دا كان ليه )
عابر آخر غنى لشادية(ان راح منك ياعين )
عاشقة (عابرة )غنت (انساك )(انت عمري )
كانت العيون تأتلق وكأن العابرون(العشاق والسكارى )كانوا على موعد مع البوح،
يجلسون يشاركون وكان في الحديقة سر آخر من أسرار قلب دمشق.
كانت الحميمية شيئا مدهشا نوع ما من سكينة دمشق التي القتها على القلوب والارواح،
كيف لجلسة عابرين ان تنتهي بوداع أصدقاء!
مشينا باتجاه باب توما وتوقفنا عند بائع الكروسان ،
لربما لايوجد سوري مر من هنا لم يأكل قطعة (قلت لمهند )
نوع ما من الاتفاق على تشارك لقمة.
(عندما أعود إلى طرطوس سأطلق مبادرة خبز وملح قال مهند )
كم نحتاج استعادة معاني الخبز والملح كم نحتاج ان نتعلم من الشام القديمة.....
مررنا بالقيمرية او جسر الحب والتلاقي كما أسميه المكان الذي أحس اني مشيته منذ بدء الحياة
لن تجد جسرا للحب اجمل ،الجسر بين القلوب الذي فشلت فجائع الزمان بهدمه
ولن تجد مكانا في العالم يحتاج للجسور كما بلدي الذي سأم الجدران والحفر.
وصلنا النوفرة ،غالبا ما ارتشف القهوة على الطريق واحتفي بالناس
الناس المسكونون باختزان اللحظة هنا وفي كل ثانية ستجد من يلتقط صورة على الدرج الحجري.
المكان هنا قيميرية من نوع ما
جسر الأرواح والسماء.
طلبنا قهوتنا ومع فنجان القهوة كنت ذاهلا عني،غبت بالذكريات التي جمعتني بالامكنة التي مررت بها كانت الصور تمر في عيوني وعقلي وقلبي
كانت ام كلثوم تعانق المكان بكلمات جورج جرداق والحان محمد عبد الوهاب ،هذه ليلتي وحلم حياتي !
هذه المدينة متواطئة معي على الحب
تفهم صمتي وصهيل روحي منذ العشق الاول ننشد معا .

 

سيريا ديلي نيوز - يوسف غانم

التعليقات