الإجراءات الورقية الممهورة بنهاية أرشفية كانت ومازالت العنوان الأبرز لكل المخالفات البنائية التي ولدت إنشائياً من رحم المناطق الأثرية ولو لم يكن الأمر كذلك لما ترعرعت هذه المخالفات لتغزو معظم المناطق الأثرية داخل مدينة السويداء حتى باتت بمنزلة الأبنية البرجية المشوهة للمواقع الأثرية، علماً أن أضابيرها المخالفة قد تم إيداعها في أروقة المحاكم المختصة من قبل إدارة قضايا الدولة منذ عدة سنوات والسؤال الملقى بقوة هنا ما فائدة كل هذه الإجراءات ما دامت هذه المخالفات قد أصبحت أمراً واقعاً ولماذا لم تقم الجهات المسؤولة في وقتها بتوقيف الأعمال البنائية ولاسيما أن معظم مرتكبي هذه المخالفات غير حاصلين على موافقة دائرة آثار السويداء التي أصبحت -أي دائرة آثار السويداء- وأمام هذه المخالفات «الصاروخية» مجرد ناسخ للكتب البريدية والمراسلات الورقية للجهات المعنية من جراء تفريغها من صلاحيتها التنفيذية وإبقائها ضمن الصلاحيات الوصائية ومن هذه المخالفات التي سنتحدث عنها مخالفتان ضمن مدينة السويداء شمال شارع نجمة ومخالفة ضمن مدينة شهبا إضافة إلى العديد من المخالفات التي لا مجال لذكرها جميعها.

عقارات أثرية في خبر كان

المتصفح لأرشيف دائرة آثار السويداء سيكتشف أنه مملوء بالعديد من الأضابير الخاصة بالتعديات على المواقع الأثرية التي معظمها مازالت مفتوحاً نتيجة «الإجراءات المطاطة»، وتالياً عدم تجميد هذه المخالفات المكتسحة للمواقع الأثرية التي لم تتوقف من جراء تراخي الجهات المسؤولة تنفيذ الأنظمة والقوانين بحق المخالفين وبدايتنا كانت من العقار المملوك للمواطن «ك.ح» في مدينة السويداء الذي تم تشييده بشكل كامل من دون الحصول على موافقة دائرة الآثار وهذا ما يؤكده محضر تقدير الأضرار المؤرخ في تاريخ 2/3/2013، الذي نملك نسخة منه والمتضمن أيضاً أن العقار يقع ضمن مدينة السويداء القديمة مع العلم بأنه يسمح فقط ببناء قبو- أرضي- أول- ثانٍ في هذه المنطقة شريطة إكساء الواجهة بالحجر البازلتي لكن وحسب رئيس دائرة المباني في دائرة آثار السويداء وليد أبو رايد فإن المخالف لم يراجع دائرة الآثار لتسوية وضع الطوابق السفلى المسموح بها وفق قرار تسجيل مدينة السويداء ومع ذلك تابع المواطن أعماله من من دون توقف مع العلم وهذا الأهم هو قيام المخالف بأعمال الحفر والهدم من دون وجود مشرفي دائرة الآثار الأمر الذي أبقى الدائرة خارج دائرة المراقبة العملية لأعمال البناء طبعاً دائرة آثار السويداء وكالمعتاد قامت بإجراءاتها الروتينية وهي أولاً تسطير كتاب خطي لمحافظة السويداء رقم 802/ص تعلمها به عن هذه المخالفة إضافة لتوجيه مجلس مدينة السويداء لتوقيف جميع الأعمال، كتابها الأول أعقبته بكتاب آخر ولكن إلى إدارة قضايا الدولة هذه المرة برقم 246/ص لتحريك دعوى قضائية بحق المخالف لارتكابه جرم مخالفة قانون الآثار وتغريمه بقيمة الأضرار المادية والمعنوية التي لحقت بالموقع، لكنه على الرغم من مضي حوالي 4 أعوام على هذه المخالفة وحسب وليد أبو رايد رئيس دائرة المباني في دائرة آثار السويداء فالدعوى ما زالت منظورة أمام القضاء والسؤال المطروح هنا ما الفائدة من كل هذه الإجراءات مادامت هذه المخالفة أصبحت برجاً طابقياً، والموقع الأثري أصبح في خبر كان، سؤال نلقي به إلى وزارة الإدارة المحلية لكون الوحدات هي من يحق لها توقيف الأعمال البنائية ووزارة العدل من جراء تأخر البت بهذه الدعاوى التي من المفترض أن تكون الأحكام فيها سريعة وفورية.

اكتساح آخر

طبعاً هشاشة الإجراءات المتبعة ومسيرتها الماراثونية أعطت المخالفين حقاً لا شرعياً ومداً لا قانونياً للمضي في هذا الطريق المكتسح للعديد من المواقع الأثرية ولهذا لم يكن المواطن «ك.ح» الوحيد في ساحة المخالفات فها هو المواطن «ح.ق» قد قام كذلك وحسب كتاب دائرة آثار السويداء المؤرخ في عام 2012 بهدم عقاره القديم ضمن مدينة السويداء القديمة والمؤلف من طابقين وإعادة بنائه بارتفاع ثلاثة طوابق وذلك من دون الحصول على موافقة دائرة آثار السويداء علماً وحسب الدائرة أن الموما إليه حاصل فقط على موافقة ترميم كانت بمنزلة البوابة اللاشرعية للدخول من خلالها إلى هدم كامل العقار والبدء بأعماله البنائية والإنشائية وقد قدرت اللجنة المشكلة بالأمر الإداري رقم 41 الأضرار المادية والمعنوية التي لحقت بالعقار بحوالي مليون و700 ألف ليرة.

وبناء عليه قامت دائرة آثار السويداء بمخاطبة إدارة قضايا الدولة في السويداء في تاريخ 19/4/2012 للعمل على تحريك دعوى بحق المخالف وتالياً تغريمه بالأضرار المادية والمعنوية وإزالة المخالفة كما تمت مخاطبة مجلس مدينة السويداء بالموافقة على استكمال إجراءات الترخيص شريطة إكساء الواجهات الخارجية بالحجر البازلتي إضافة لتقديم مخططات وضع راهن للمنزل ووضع مقترح لأعمال الترميم والتدعيم بغية دراستها من قبل شعبة الهندسة وشعبة التنقيب.

لكن للأسف كل تلك الكتب بقيت نظرية من جراء عدم تفريغها إلى الواقع العملي، علماً ومرة أخرى وحسب رئيس دائرة المباني وليد أبو رايد أنه على الرغم من أن الدعوى قد تم فصلها أمام القضاء لكن المخالفة مازالت على حالها إضافة إلى ذلك فخلاصة الحكم لم تصل حتى الآن إلى دائرة آثار السويداء.

ومن خلال ما تقدم نستنتج أن مخالفات الآثار مازالت مستمرة في ظل غياب الإجراءات  الممانعة لذلك، لذا يجب اتخاذ تدابير حازمة وصارمة بحق المخالفين وما أكثرهم على ساحة المحافظة.

وللعقار 337 نصيباً من التعدي

مسلسل التعديات الذي خطا خطواته الأولى منذ أكثر من أربع سنوات من الواضح أن حلقاته باتت «مكسيكية» بدلالة استمرارها من دون انقطاع وعلى مبدأ «ما حدا أحسن من حدا» قام مالك هذا العقار «ع.م» بتجريف بعض من الأجزاء الجدارية الأثرية لهذا العقار، وذلك بغية إحداث بناء طابقي حديث مع العلم أن مالك العقار حاصل على ترخيص تدعيم وترميم وليس موافقة بناء ولكن هذا الترخيص كان في منزلة النافذة اللاقانونية للدخول إلى حرم الموقع الأثري وتالياً الحكم عليه بالإعدام التاريخي تحت مظلة هذا الترخيص.

ما قام به المذكور آنفاً دفع دائرة آثار السويداء ولتخليص ذمتها الوصائية أمام من يعنيه الأمر بتشكيل لجنة منذ عام 2011 مهمتها الكشف على هذا العقار فأول مقترحاتها كان توقيف الأعمال البيتونية مع العلم أن هذا المقترح قد دفن حينها بأرشيف مجلس مدينة السويداء بدلالة استمرار البناء حتى الآن.

علماً أن صاحب العقار قام بإزالة القبو بأكمله من دون حصوله على موافقة مسبقة من قبل دائرة آثار السويداء علاوة على ذلك مخالفته لشروط الترخيص الممنوح له وبعد أن وقعت الفأس بالرأس وباتت مخالفة ظاهرة المعالم الطابقية والبرجية قامت دائرة آثار السويداء بمخاطبة محافظة السويداء بالعديد من الكتب التي لا مجال لذكرها حاملة في مضمونها عبارة واحدة ألا وهي إيقاف أعمال البناء ومراسلة قيادة شرطة المحافظة لتنظيم الضبط القانوني اللازم بحق المخالف.

ومع ذلك استمر صاحب العقار بالبناء المخالف علماً بأنه سبق لدائرة آثار السويداء أن قامت بتحريك دعوى بحقه عن طريق إدارة قضايا الدولة التي لم تستطع كسابقتها إيقاف الأعمال البنائية.

بدوره مجلس مدينة السويداء وعلى لسان رئيسه المهندس وائل جربوع قال: لقد تم توجيه إنذارات للمخالفين للتوقف عن الأعمال وإحالة المخالفات إلى لجنة قمع المخالفات لاتخاذ الإجراءات اللازمة بحق المخالفين.

لمدينة شهبا نصيب آخر من التعديات

لم تكن مدينة السويداء المسرح الوحيد لهذه التعديات فها هي مدينة شهبا قد سجل ضمن أسوارها القديمة عدد من المخالفات التي أهمها قيام المواطن «م.ح» بالبناء ضمن عقاره رقم 142 ضمن مدينة شهبا القديمة ببناء طابق مخالف على الرغم من أنه لم يحصل على موافقة دائرة آثار السويداء علماً بأن عمله هذا يخالف نصاً وروحاً قانون الآثار وقرار تسجيل مدينة شهبا مع العلم أن هذه المخالفة وحسب كتاب دائرة آثار السويداء الموجه إلى محافظ السويداء تحت رقم 418/ص لم يتم قمعها أو توقيفها من قبل مجلس مدينة شهبا ما فسح المجال أمام العديد من المواطنين للتوجه نحو المخالفات والبدء بأعمال بنائية وإنشائية ضمنها، كما تمت مخاطبة محافظ السويداء لتوجيه مجلس مدينة شهبا لإزالة المخالفة إضافة لمخاطبة قيادة شرطة المحافظة لتنظيم الضبط القانوني اللازم ولكن على الرغم من ذلك المخالفة لم تقمع ولم تتم إزالتها ويشار وحسب وليد أبو رايد رئيس دائرة المباني في دائرة آثار السويداء إلى أن صاحب العقار غير حاصل على موافقة تخوله بالبناء ضمن هذا العقار ومن ناحية أخرى يشير محضر تقدير الأضرار المنظم في تاريخ 9/7/2013 إلى أن المذكور أقدم على بناء طابق من البيتون المسلح على كامل مساحة عقاره المؤلف من طابق أرضي مبني قديماً من دون الحصول على موافقة دائرة آثار السويداء مع العلم بأن المذكور تقدم إلى دائرة آثار السويداء للحصول على موافقة للبناء لكنه واستناداً إلى قرار التسجيل منطقة أثرية لم يوافق على طلبه ورغم ذلك قام بالبناء على الرغم من توقيفه أكثر من مرة من قبل مراقب الآثار ومع ذلك استمر العمل.

بدوره المحامي عماد الطويل رئيس مجلس مدينة شهبا أوضح لـ «تشرين» أن المخالفة هي  غرفة فقط وقد تم اتخاذ جميع الإجراءات القانونية بحق المخالف من خلال توجيه إنذار إليه لتوقيف الأعمال مضيفاً أن قرار التسجيل المنطقة أثرية يحمل ظلماً كبيراً بحق المواطنين القاطنين في تلك المنطقة وحالياً تمت مخاطبة المديرية العامة للآثار والمتاحف لتعديل قرار التسجيل وحتى الآن لم يجر التعديل.

مشيراً إلى أن المخالف حاصل على ترخيص بناء قبل صدور قرار تسجيل مدينة شهبا أثرياً.

أما رئيس دائرة آثار السويداء الدكتور نشأت كيوان فقال: نحن كجهة وصائية نقوم بمخاطبة الجهة التنفيذية لإزالة المخالفة ألا وهي محافظة السويداء بدورها تقوم بالإيعاز للوحدات الإدارية لتوقف أعمال البناء إذاً الكرة باتت في ملعب الوحدات الإدارية إضافة إلى ذلك نحن كدائرة آثار نطالب بإحداث محاكم مختصة بالمخالفات ضمن المناطق الأثرية للبت السريع بالدعاوى وتالياً الحفاظ على النسيج المعماري القديم.

تراخٍ بتنفيذ القانون

آن الأوان للخروج من نطاق الروتين المعمول به منذ سنوات ألا وهو روتين الكتب البريدية والانتقال إلى التطبيق العملي والفعلي لنص قانون الآثار وعدم السماح بترعرع هذه المخالفات لأن التراخي في قمعها سيؤدي إلى اندثار معظم مواقعنا الأثرية.. إذاً التراخي بات إزاء أي مخالفة أثرية  نوعاً من التسويف غير المبرر من قبل الجهات المعنية بالأمر.

سيرياديلي نيوز


التعليقات