تناقلت وسائل الإعلام المحلية الأرقام المخفية طوال سنوات الأزمة لتقارير أعمال مصرف سورية المركزي، التقرير الذي يرصد أرقام عام 2015 فقط، يوضح كتلة ضخ الدولار للسوق، وحصة تمويل المستوردات منها، فكيف توزع المبلغ المطلوب، وكيف كان من الممكن توزيعه؟!

بين التقرير حجم الضخ خلال 2015 وتوزعه على المستوردات، وعلى الحاجات الأخرى وفق التالي:

أنفق المصرف المركزي من احتياطي العملات الأجنبية مقدار 1.226 مليار دولار، وبمعدل وسطي 100 مليون دولار شهرياً.

80% لتمويل مستوردات التجار وبمبلغ 986 مليون دولار

20% لتمويل الاحتياجات الأخرى عبر شركات الصرافة وبمبلغ 240 مليون دولار.

على الرغم من تغطية أكثر من 28% من حاجات الاستيراد من القطع الأجنبي إلا أن عمليات المضاربة لم تتوقف، ولم تنجح هذه الطريقة في حماية قيمة الليرة السورية، التي ارتفع سعر صرفها مقابل الدولار بمقدار 85%، وخسرت الليرة مقدار 46% من قيمتها خلال عام 2015، حيث انتقل سعر صرفها في السوق من 210 ليرة مقابل الدولار في بداية 2015، إلى قرابة 390 ليرة مقابل الدولار في نهاية العام..

أي أن ضخ قطع أجنبي لا يستطيع أن يوقف اتجاه المضاربة -حتى لو بلغ ربع الحاجات الأساسية، وبمعدل يفوق 100 مليون دولار شهرياً- بل يحفز المضاربة طالما أن السياسات لا تدعم الليرة فعلياً، بل تستجيب لطلب السوق على الدولار!

ما الذي يمكن فعله بـ 986 مليون دولار؟!

كان من الممكن استخدام مبالغ تمويل مستوردات التجار البالغة في 2015 مقدار 986 مليون دولار، لتقوم الدولة باستيراد المواد الغذائية والضرورية مباشرة.

حيث أن مقارنة هذا المبلغ مع كلف استيراد المواد الغذائية الرئيسية المستوردة التي كان من المفترض عزلها عن تغيرات سعر الصرف، وعن المضاربة والمتاجرة والربح الاحتكاري، يبين أن هذه المبالغ كانت قادرة على تغطية مجمل مستوردات الغذاء لسورية، حيث بلغت مستوردات الغذاء لسورية في عام 2014 مقدار 978 مليون دولار، وانخفضت في عام 2015 بعد أن انخفضت المستوردات إجمالاً بنسبة 30% تقريباً من 6 مليار دولار إلى 4,2 مليار دولار.

كما كان من الممكن أن يتم استيراد المواد الغذائية والمشروبات الأساسية، والأعلاف الرئيسية بمبلغ 920 مليون دولار تقريباً حيث كلف استيراد المواد الأساسية كالتالي: السكر251 مليون- القمح 135 مليون- الطحين 119 مليون- الأرز 48 مليون- الذرة 72 مليون- فول الصويا 11 مليون- زيوت نباتية 30 مليون- كسبة الصويا 122 مليون- الشعير 7,5 مليون- الشاي 68 مليون- القهوة 55,4 مليون، والتحكم بنسبة الربح فيها، بما يخفض من مستوى الأسعار.

السياسة الاقتصادية الليبرالية التي لا تريد لجهاز الدولة دوراً اقتصادياً فعالاً حتى في ظروف الأزمات، اختارت أن يتم استخدام 986 مليون دولار من احتياطي القطع الأجنبي في عام 2015، لتمويل مستوردات التجار، ورفضت أن تختار الخيار الآخر المتاح، باستخدام هذه المبالغ لتقوم الدولة باستيراد مجمل الحاجات من مواد غذائية رئيسية، والأعلاف والمشروبات الرئيسية. 

إن استيراد الدولة المباشر وبيعها لهذه المواد، كان سيبقي أسعار الغذاء منخفضة إلى حد بعيد، وبالتالي يخفض من التضخم ومن ارتفاع مستوى الأسعار العام، الذي تشكل أسعار الغذاء نسبة تفوق الثلث من مقياسه، ويحمي قيمة الليرة.

وكانت عوائد البيع ستتحول إلى موارد عامة للدولة، بمعدلات ربح معقولة عوضاً عن معدلات الربح الاحتكارية التي يفرضها تجار الغذاء من كبار قوى السوق المحتكرة لتجارة السلع الغذائية، والممولة بالقطع الأجنبي.

لو اختارت السياسة الاقتصادية أن تستخدم القطع الأجنبي في تفعيل دور جهاز الدولة وقيامه باستيراد وبيع الغذاء، لكانت أمنت زيادة الإيرادات العامة، وأمنت الغذاء بأسعار معقولة للسوريون، ولكان السوريين قادرين اليوم بأجورهم على تأمين حاجات الغذاء الضروري، ولكن السياسة الليبرالية اختارت أن تقدم الدولارات لكبار المستوردين، ليبيعوا بأسعار احتكارية، ويستخدموا جزءاً من الدولار للمضاربة على الليرة السورية، أي أن السياسة الليبرالية اختارت دعم أصحاب الربح من الجوع.

سيريا ديلي نيوز


التعليقات