الكاتب والأديب حسن حميد، ذلك الذي لا يستريح قلمه عن الكتابة، ولا يتوانى عن تقديم النقد الصريح"دائماً" لكل من تسوّل له نفسه الطعن في خصوصية العرب والأمة العربية، والذي لا تغيب عنه قضيته الكبرى.. القضية الفلسطينية. فهي حاضرة دائماً في كتاباته، فتأتي مفرداته الثرية لتصف حال الفلسطينيين بتلك الدقة المتناهية، التي تجعل القارئ يرى الحالة ملازمة له في كل مكان وزمان. وليس هذا وحسب بل إن من يقرأ ما يكتبه حسن حميد عن الوصف الدقيق للأوضاع التي يحياها الفلسطينيون.. يشعر هذا القارئ وكأنه موجود داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة. ويمكننا بهذا الصدد أن نختار من مقال بعنوان: "بيت ريما.. ترتّب المشهد" مايلي: يقول حسن حميد: ما أعجب ما يحدث!! ما أغرب المرّ وما أمرّه.. ولدان، ونساء، وشيوخ يقتلون ليلاً.. نساء يلدن على الحواجز تارة ويمتن عليها تارة أخرى.. دامع زيتون فلسطين.. ناحلة دروبها.. صباحات فلسطين بلا قهوة، بلا نعناع لا حبق، ولا دحنون، ولا يسعد صباحك يا ظريف الطول. وفي مدخلنا للحديث معه لن نسأل من هي المرأة التي يعنيها حسن حميد هنا، فقد تكون المرأة الفلسطينية ذاتها، وربما يقصد المرأة التي "ربما" كتب لها هذه الكلمات، أو تلك المرأة العربية التي تنظر بعيون متعبة إلى البعيد، البعيد تنتظر حلماً طالما أرّق ليلها كي يقترب هذا الحلم وينشر الاطمئنان والسكينة لتلك المرأة التي يقول عنها حسن حميد إنها"الصورة الطبيعية لهذا الكون". ولم يتوان حسن حميد عن وصف زمننا الذي قال عنه إنه"زمن الأقنعة" إذ ثمة أقنعة للصباح، وأخرى للظهيرة، وثالثة للمساء.. أقنعة للرجال وأخرى للنساء. ولكنه مع ذلك ورغم قسوة الحياة يرى أنه لا بد من شبابيك للضوء والهواء والفرح واللطف والحنان الخفي.. لا بد من ذلك. وإذا وقفنا عند كلمة "الفرح" سنجد لها لدى حميد معنى كبيراً خصوصاً إذا علمنا أن أديبنا الفلسطيني قال يوماً عن نفسه إنه كالطائر الذبيح يبدو فرحاً كي لا يلتهمه الحزن. وبالنسبة لنا كان لا بد من أن نقف عند غيض من فيض من بعض كلمات للكاتب والأديب العربي الفلسطيني الكبير حسن حميد الذي قال بعد توقيع روايته " مدينة الله " في دمشق : أنه لم يكتب بعد ما يود كتابته، وإن روحه لا تزال خارج تلك النصوص، أما حلمه فهو أن يكتب نصاً بكراً يكون علامة فارقة عما قرأه القارئ أو سمعه سابقاً، وبأنه ليس فخوراً بكل ما كتب، إنما يفخر بما سيكتب في المستقبل. ــ هل استطاع حسن حميد المنحاز للفقراء والمعذبين والناس الطيبين إيصال رسالته , وكيف ؟ ــ أظن أنني حاولت بإيصال رسالتي المتمثلة بالدفاع عن جمالية الحقوق الفلسطينية , وأعني بالجمالية حقانية هذه الحقوق ومشروعيتها وصدقها التاريخي والجغرافي والبشري والمعرفي , وبالدفاع أيضا عن جمالية الأدب , وفي مقدمتها نبل الفكرة ونبل البناء الفني , أي العلو والنيافة . انشغلت بإيصال هذه الرسالة من خلال نشاطي كمثقف يعرف ما جرى لوطنه الفلسطيني من اغتصاب أو احتلال , وما جرى للشعب الفلسطيني من نكبات متلاحقة وويلات ومجازر , باتت اليوم أكثر من وصمة عار في جبين ا×لإنسانية ومصفوفة القيم , عبر نشاطي وحضوري ومؤلفاتي . ــ روايتك الأخيرة " مدينة الله " لمن هي موجهة ؟ . وهل استطاعت أن تقول ما تريد ؟ ــ هذه الرواية تعب سنين طوال , وأحلام طوال , ووجهتها للأقربين والأباعد , الأصدقاء والأعداء , هي رواية حب في سياقها الأول , ورواية مكاشفة لما حدث لهذه المدينة التاريخية , وما أصابها من ويلات , وما جرى على بنيتها من تغييرات وتحولات غاياتها للأسف تزوير الأمكنة وتحويرها وتهويدها , من أجل إضفاء الشرعية على دموية الاحتلال وبطشه . أما ما إذا استطاعت الرواية أن تقول ما أريد ؟! فأقول : لا يمكن لرواية واحدة أن تتحدث عن كل ما يريد كاتب , أو ما يحلم به تجاه القدس , لقد كتبت على امتداد أكثر من خمسمائة صفحة .. سطرا واحدا فقط يدور حول القدس . ــ لماذا عجزت الثقافة الفلسطينية عن أخذ دورها الريادي وأن تكون خطا دفاعيا صلبا عن قضايانا الوطنية والقومية .؟ ــ لا أعتقد أن الثقافة الفلسطينية عانت من عجز شابه لتكون خندقا للدفاع عن قضايانا الوطنية والقومية، إن الروايات الفلسطينية، والقصص، والأفلام، والأغاني، والمسرحيات، واللوحات، والأثواب، والتراث الشعبي، والموسيقى، والدراسات، والمجلات،إلخ... جميعها لم تقتصر في الحديث عن القضية الفلسطينية، ومكانتها في الثقافة القومية والإنسانية، وأعلام مثل: /إحسان عباس، جبرا ابراهيم جبرا، غسان كنفاني، كمال ناصر، رشا أبو شاور، محمود درويش، سير القاسم، محمد لافي، محمد القيسي، اسماعيل شموط، زيناتي قدسية، عبد الرحمن أبو القاسم،محمد الوهيبي، علي الكفري، خالد أبوخالد، أنيس صايغ، هشام شرابي، إدوارد سعيد،...إلخ، جميعهم لم يقصروا في بيان ماحدث للون الفلسطيني جغرافيا، وتاريخيا، وبشرا، وقيادة! وجوه العجز البادية اليوم في الثقافة الفلسطينية كثيرة، ومتعددة، وتكاد تكون مشخصة في أن الدور الجوهري للكاتب والفنان والمفكر الفلسطيني، يكاد يصب وسط /همروجة/ الإعلام العربي الذي أدار ظهره للقضية الفلسطينية تحت ضغط الإملاءات الغربية/ الأمريكية الإسرائيلية! دور النشر المهتمة بأدب المقاومة غير موجودة، غير بادية، فاقدة للحماسة، المؤتمرات والملتقيات حول أدب المقاومة غائبة، الجوائز الأدبية والفنية غائبة تماما، وترجمة أدب المقاومة ونقله إلى لغات أخرى أو بقاع أخرى وشعوب أخرى وهذه أيضا غائبة، هذه هي وجوه التقصير وهي الثغرات التي تشير إلى العجز والتقصير. ـ أين أنت من اتحاد العام للأدباء والكتاب الفلسطينيين؟ وما هو موقعك ؟ وهل أنت راض عن دور الاتحاد ؟ ــ أنا عضو في الاتحاد العام للأدباء والكتاب الفلسطينيين منذ بداياتي الأدبية , وأعرف ما يجري فيه مثلما أعرف النواقص والثغرات ومواضع الضعف , مع أنني أعرف الكثير من الإيجابيات المهمة التي أفتخر بها وأعتز . أنا الآن عضو في الأمانة العامة للاتحاد العام للأدباء والكتاب الفلسطينيين , أحاول قدر جهدي مع زملائي خدمة الزملاء أعضاء الاتحاد , علما أن الظروف التي تحيط بالاتحاد صعبة جدا , ومعوقة لأي عمل ... فلا مال ولا مجلات ولا صحف , ولا مؤتمرات ولا ملتقيات ولا حضور , سوا الحضور ضمن الاتحاد العام للكتاب العرب . أنا شخصيا غير راض عن أداء الاتحاد العام للأدباء والكتاب الفلسطينيين إطلاقا , ولا سيما بعد توحيد الاتحاد في داخل فلسطين وخارجها وبحضور الأمين العام الشاعر مراد السوداني , إذ لا بد من نشاط ثقافي لهذا الاتحاد , ولا بد من عمل نقابي جاد لخدمة الزملاء المنتسبين للاتحاد .. ولكن كيف يكون هذا العمل من دون مشيمة مالية ..؟ من دون إنفاق ؟! . هذا التقصير والعجز في الاتحاد العام للأدباء والكتاب الفلسطينيين ... لا يليقان ببلاد عظيمة مغتصبة اسمها فلسطين .

سيريا ديلي نيوزـ حاوره (ابراهيم مؤمنة ـ راما قضباشي)


التعليقات