كشف المدير السابق للمكتب المركزي للإحصاء في سورية، الدكتور شفيق عربش، أن متوسط دخل الفرد اليومي في سورية يبلغ دولارًا وربع الدولار، فيما تَعدّ المعايير الدولية أن كل شخص يقل دخله عن هذا المبلغ، هو شخص يعيش تحت خط الفقر؛ ما يعني -بالتالي- أن نسبة الفقراء في سورية باتت تتجاوز80 بالمئة، في حين تصل نسبة من هم في مستوى الفقر المدقع، إلى نحو ثلث الشعب السوري.

أكثر من ذلك، أشار د. عربش، وهو أستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق حاليًا، في حديث لإلكترونية “صاحبة الجلالة”، إلى أن الكلام يدور عالميًا عن “معايير جديدة، تُعيد تحديد متوسط دخل الفرد اليومي بمبلغ دولارين إلا ربع، بدلًا من دولار وربع”، الأمر الذي يُثبت حقيقة أن نسبة الفقراء في الواقع السوري ترتفع حتى عن النسب المذكورة في تلك الإحصاءات.

شبه رسمية و”فهمكم كفاية”

“لكن هل هذه الإحصاءات رسمية؟”، هذا السؤال وجهته “الإلكترونية” إلى د. عربش، فأجاب -بدوره- قائلًا: “إن مسوحًا شبه رسمية، أُجريت في سورية خلال سنوات الأزمة فعلًا، لكن نتائجها لم تُنشر، وما تم تسريبه يُشير إلى ما سبق”، في تلميح واضح إلى أن الأرقام المذكورة هي من نتائج المسوح، وأنها رسمية على الأرجح، لكن مُنع نشرها، وهو كذلك ما ألمح إليه د. عربش بقوله مستدركًا ومنتقدًا ضمنًا منع النشر: “علمًا بأن لا قيمة لأي رقم إذا لم يكن متداولًا، خصوصًا عند الحديث عن العقوبات الاقتصادية”، أي: لا يُمكن الاستفادة منه أو توظيفه سياسيًا مثلًا ما لم يُنشر، ويثار إعلاميًا، وتابع مدير الإحصاء السابق: “النتائج نفسها أكدت أن نسبة كبيرة من الأُسر السورية تنام دون وجبة العشاء، وهناك أُسر أخرى كانت تستغني عنها أكثر من 15 مرة خلال الشهر”.

السوريون بين الفقير والمُعدم

كما أوضح عربش، الفرق بين “الفقر والفقر المدقع” بقوله: “يوجد خطان للفقر، هما الأعلى والأدنى، ويمكن تصنيف المواطن تحت خط الفقر الأدنى بأنه مصاب بالفقر المدقع، وهي عبارة عن كمية النقود التي يصرفها يوميًا لتأمين حاجاته”، مُعربًا عن اعتقاده بأن “ما يُشكّل السند الأساسي في مساعدة الأسرة السورية، لتأمين الحدود الدنيا من متطلباتها المعيشية، يأتي -بشكل رئيس- من الحوالات الخارجية، والإعانات التي (تُوزع)، مُشككًا في صحة تصريحات رئيس الحكومة السابق، وائل الحلقي، والتي يقول فيها: “إن الحكومة تدفع رواتب لمليونين ونصف عامل لديها”، معلقًا: “لو صدّقنا الرقم المذكور دون نقاش، وحسَبنا أن مليون ومئتي ألف من العاملين لدى الدولة يُشكّلون زوجًا وزوجة، سيكون لدينا 600 ألف أسرة، وببعض الحسابات يظهر أن 9 ملايين فرد يعتاشون من الرواتب التي تدفعها الدولة للعاملين، لكن هذه الرواتب؛ حتى لو كانت مضاعفة، فهي لن تصل بالأسرة إلى منتصف الشهر، كأبعد ما يمكن”.

يُذكر أن الدكتور عربش، استلم إدارة “المركزي للإحصاء” عام 2008، قبل أن يتم إنهاء تكليفه في الشهر العاشر من عام 2011، “بدايات الثورة”، على خلفية كشفه آنذاك تلاعب حكومة الأسد بمتوسط نسب النمو، ورفعها من 4.9 بالمئة إلى نحو 7 بالمئة، وقيامه بنشر النسبة الحقيقية على الموقع الرسمي للمكتب المركزي للإحصاء، إضافة إلى تصريحه لإحدى الصحف المحلية بعدم وجود خطة خمسية في سورية.

أرقام دولية

في المقابل، أكدت دراسة أعدتها الأمم المتحدة، أظهرت أن 83.4 بالمئة، من سكان سورية، يعيشون تحت خط الفقر حاليًا، مقارنة بـ 28 بالمئة في عام 2010، وقالت الدراسة التي شاركت في إعدادها لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الاسكوا)، مع جامعة (سانت أندروز) البريطانية: إن هناك 13.5 مليون شخص، بينهم ستة ملايين طفل، بحاجة إلى مساعدة إنسانية في سورية، وفق إحصاءات نهاية عام 2015، ومن بين هؤلاء أربعة ملايين يعيشون في دمشق وريفها ومحافظة حلب، في حين ذكرت منظمة رعاية الطفولة التابعة للأمم المتحدة يونيسف أن “82 بالمئة من سكان سورية يعيشون تحت خط الفقر”، مضيفة أن 2.7 مليون طفل مُنقطعون عن الدراسة، وأن أكثر من نصف اللاجئين السوريين في دول الجوار هم من الأطفال، في حين أن حوالي 143 ألف طفل سوري، ولدوا لاجئين، وأضافت المنظمة في التقرير الذي نشرته على موقعها الإلكتروني، أن أكثر من 4 ملايين طفل وامرأة حامل، باتت بحاجة للتغذية الصحية.

دمار شامل

هكذا، وبالأرقام المعلنة والمستترة، بات السوري بين حدي الفقر والفقر المدقع، وإذا كان تآكل الطبقة المتوسطة يعني غياب الرافعة الضرورية لنهوض المجتمع، فإن ما يعنيه ظهور “الفقر المدقع”، وتفشّيه على حساب الطبقتين المتوسطة الفقيرة معًا، هو الدمار الشامل بعينه، ولا تنفع وعود “إعادة إعمار” البنية التحتية، والمقدّرة حاليًا ما بين 170 و200 مليار دولار، لتفاديه أو علاجه، طالما أن بنية المجتمع ذاته، انشطرت ما بين قلة قليلة من “أمراء وأثرياء” الحرب، الذين لا ينتمون -بطبيعة الحال- إلى الطبقة البرجوازية بمفهومها الوطني، وبين أغلبية ساحقة تلهث وراء لقمة الكفاف، ولا تعنيها مسألة تعليم أبنائها، أو تملك رفاهية الطموح بالانتقال إلى طبقة اجتماعية أفضل؛ إنه بلا شك الوجه الأكثر خطورة للمأساة السورية، والذي يُهدد باستمرار فصولها لأجيال قادمة عديدة.

سيريا ديلي نيوز


التعليقات