كما كل ملف فضائحي، تبدو أسرار باخرة السلاح التي ضبطت في المياه الإقليمية اللبنانية في 27 نيسان الماضي، أكثر مما كشف وأخطر. جهة معنية بالقضية تلخض فضيحة الباخرة – الترسانة بالنقاط التالية: أولاً، من المنطقي والضروري لأي محقق في الملف، أن يضع في الحسبان فرضية التورط السعودي أو القطري. لا على خلفية الاتهام المسيَّس، بل لأن وزيري خارجية البلدين المذكورين كانا قد أعلنا جهاراً وتكراراً، منذ مؤتمرات الدوحة واسطنبول، أنهما مع تسليح المعارضة السورية. فسعود الفيصل هو القائل إن «حصر التركيز في كيفية إيصال المساعدات الإنسانية (إلى سوريا) لا يكفي»، معلناً أن «فكرة تسليح المعارضة السورية ممتازة». كذلك حمد بن جاسم هو من أكد من أوسلو في شباط الماضي تأييده لتسليح المعارضة السورية: «علينا أن نفعل كل ما في وسعنا لمساعدتهم، بما في ذلك تسليمهم أسلحة ليدافعوا عن أنفسهم». ثانياً، في الوقائع، تشير الجهة المعنية بقضية الباخرة إلى أن اكتشافها لم يكن مصادفة، فهو جاء نتيجة جهود شاركت فيها جهات دولية كبرى، وهي جهود قد انطلقت فعلياً بعد انفجار مخزن للسلاح في مدينة طرابلس، في 10 شباط الماضي، وهو تاريخ، بالمناسبة، متزامن مع التصريحات المشار إليها سابقاً. وقد تبين للجهات المعنية في حينه أن المخزن المذكور كان قد «استضاف» شحنة من الأسلحة والذخائر وصلت إليه بحراً أيضاً، وقدرت حمولتها بضعف ونصف الضعف من المستوعبات الثلاثة المضبوطة على متن الباخرة الأخيرة. ثالثاً، ونتيجة الجهود المذكورة، ترجح الجهة المعنية أن تكون «المعلومة» التي كشفت الباخرة قد وصلت الى لبنان إما مباشرة، وإما عن طريق طرف ثالث. وهو ما يفسر ملاحقة بعض الجهات الدولية للسلطات اللبنانية، للقيام بواجبها كاملاً حيال فضيحة الباخرة، من رصيفها حتى رصيفها، على طريقة من يقول للبنانيين: ما دمنا نعرف كل أسرار التهريبة، وطالما أننا زودناكم بها كاملة، فكيف تقولون لنا لاحقاً أن لا معلومات لديكم لتوقيف كل المتورطين؟؟ رابعاً، تضيف الجهة المعنية، لا بد هنا من التوقف عند أداء القوة الغربية البحرية «المرتبطة» بقوات اليونيفيل حيال المسألة. فالقوة المذكورة هي نفسها من كان قبل مدة قد أجرى للسلطات الأمنية اللبنانية عرضاً ميدانياً، مع عملية محاكاة في البحر، تظهر الأجهزة الحديثة والمتطورة التي تملكها تلك القوة الراسية على تخوم مياه لبنان، وكيف أنها تقدر عن بعد على إجراء عملية مسح تصويري لبطن أي باخرة عابرة، فضلاً عن قدرتها الطبيعية على رصد مسارها ومتابعته عند أي ملامسة للمياه بين الناقورة والنهر الكبير. فكيف قدر للباخرة الليبية أن تدخل مياهنا الإقليمية من دون معرفة تلك القوة، وخصوصاً، كيف لم تكتشف حمولتها ولم تخطر أي جهة لبنانية بذلك؟ خامساً، وهنا تبدأ عناصر المفاجأة في رواية الجهة المعنية، تقول إن معلوماتها تفيد بأن ما أدلى به مالك الباخرة مساء 29 نيسان في حديث متلفز، من أن «الباخرة ذهبت الى لبنان بإذن رسمي وأن من يقول إنه اعترض الباخرة كاذب ومن يقول إن اليونيفيل اعترضتها كاذب»، فيه شيء من الصحة، ذلك أن الباخرة كانت متجهة فعلاً الى مرفأ طرابلس بشكل طبيعي ومطمئن وشبه رسمي، وعندما وصلت «المعلومة» حيالها الى الجهات الأمنية، تحركت وحدة على رأسها مسؤول أمني الى ميناء طرابلس لإلقاء القبض عليها وعلى طاقمها هناك.. وعند وصوله الى الرصيف المحدد، فوجئ بوجود عناصر أمنية من جهاز لبناني آخر معروف بميوله السياسية المعارضة، بقيادة أحد الضباط. وبمحادثة أولية وسريعة معه، أدرك المسؤول الأمني أن وجود الجهاز المنافس هناك لم يكن قطعاً من أجل مصادرة الباخرة رسمياً. عندها أبلغ قيادته بالأمر، فصدرت الأوامر باعتراض الباخرة بحراً وتوجيهها الى مرفأ سلعاتا، حيث تمت مصادرتها. سادساً، تتابع الجهة المعنية نفسها، أن المكان الذي كان مجهزاً لاستقبال حمولة الباخرة المضبوطة بات شبه معروف، حتى أن أحد الأشخاص الذين يشتبه في علاقتهم بتلك التحضيرات، واسمه «ح. ح.»، عمد بعد توقيف الباخرة الى التواري عن الأنظار طيلة أيام، وقيل إنه انتقل الى المناطق الجبلية المحيطة بطرابلس، لكنه لأسباب معروفة، عاد قبل يومين الى مركز سكنه وعمله، من دون أي خشية لديه. سابعاً، تختم الجهة المعنية بالملف، أنه إذا كان هدف المعالجة الرسمية توجيه رسالة لمهربي الأسلحة الى لبنان، من دول وأحزاب وأفراد، بأننا تساهلنا في الاقتصاص هذه المرة، لكن لن نقبل بتكرار ذلك، فقد يكون الأمر مقبولاً، أما إذا كان المقصود القول لهم: يمكنكم أن تفعلوا ما شئتم ونضمن لكم تفلتكم من العقاب، فعندها يكون الأمر كارثة، سيدفع ثمنها لاحقاً، لبنان وسوريا.   syriadailynews

التعليقات