إنها السابعة صباحا بتوقيت دمشق،يولد الصبح من عينيه ،ينطلق ممتشقا عدّته ،يمشي في الشوارع والحارات،يتنقل ليرسم النظافة في كل مكان ،عامل النظافة يؤمن بأن واجبه مقدس يحتّم عليه أن يتفانى لأجل بلاده ولو بأبسط التضحيات. في المشهد الآخر يتربع على تقاطع طرق تحت ظلال الياسمين ،وقد افترش الأرض باسطوانات الغاز ويتأمل وجوه المارة ،يقرأ حركة السيارات ..ينتظر ..متى سيأتي رزقه ،يقابله في ذلك المحل الصغير بائع الخضار وقد توسط بقعةً أشبه بحقل مليء بجميع أنواع الخضراوات يواظب على عمله منذ ثلاثين عاما فهو يعلم أدق التفاصيل في خصوصيات مرتادي محله الصغير يعلم ويدرك أن كيف تدب الحياة في نفوس الناس لتلقى إحدى الوجوه الجميلة وهي تسير بغنج تحضن كتبها وتمضي إلى دراستها ،تؤسس حاضرها وترسم مستقبلها وفي انتظارها عند باب الجامعة شاب بعمر البراعم يحلم بأنه سيبني الكون من ساعديه تراه منهمكا على أعمدة الإنارة لا يخشى الموت فجأة يشع نور لطيف يضيء المكان ،جنود مجهولون هم عمال الكهرباء لم يتوانوا لحظة في التضحية والفداء ينيرون البيوت والشوارع والمحال ينيرون كل بقعة من أرضنا بجهودهم يوقدون بمحبتهم طريق عجوز بقيت لوحدها وليس أمامها سوى ذكريات مؤلمة يمر وهجا سريعا أمام عينيها بالأمس كانوا حولها ينادونها بأعظم الأسماء "أمي" كانت منهمكة في الطبخ والغسل وترتيب الأسرّة ،اليوم هي وحيدة إلا من أصوات عابرة محفوظة في حجرات ذاكرتها تأبى النسيان تذهب كل يوم إلى التراب تمسكه ،تضمه ،وتجبله بدموعها وقبضاتها وقد تخطت تجاعيد يديها التسعين،أولادها أقمار في سماء الوطن ،هنالك أطفال يحلمون يبتسمون لم تقتل الحرب ضحكاتهم برغم مافقدوه وهنالك حيث يشمخ قاسيون شاهرا سيفه الدمشقي يبدأ النبض على وقع خطى رجال الله في الميدان فيبدأ الزحف المقدس برسم الأمل على وجوه سلمته حلمها ، فيتنفس الأحرار أنفاس الخلاص و يعيد الكون دورته بتوقيت دمشق حيث القرار انتصار تلو انتصار.

سيريا ديلي نيوز - سامر البشلاوي


التعليقات