سيريا ديلي نيوز- د.فائز الصايغ

ترى.. هل تطوينا المحطات التي نعبرها أم نطويها، وكيف لامرئ يعشق الأمكنة ولا تستهويه الأزمنة أن يتجاوز في العبور الأمكنة التي يعطيها من قلبه والوجدان ما يعجز الزمن عن تدوين اللحظات، ولا عن رصد النبضات.
تبلغت يوماً قرار نقلي من مؤسسة إعلامية إلى أخرى، وصلني القرار إلى مكتبي دونما علم، فلم أروّض نفسي ولا هيأت عاطفتي لمغادرة مكان أحببت باعتباري عاشق الأمكنة.
لحظتها كنت أكتب مقالاً سياسياً، لم أتمم فكرته، توقفت، شُلَّ قلمي، وجف رحيق الحلق مع أنني سأغادر إلى مرتبة أعلى، ومكان أكثر تأهيلاً.. وربما أكثر تعويضاً.
أنهيت الفكرة السياسية بكلمتين.. وللحديث صلة، وهما المخرج الذي نعتمده عندما لا نقوى على الغوص في تفاصيل اللحظة أياً كانت، سياسية- اجتماعية، وجدانية، أبجديات سيّان.
أتممت مقالي الوحيد الذي حمل عنوانين؛ واحد سياسي، وواحد وجداني، جدلية العلاقة مع الأمكنة كان عنوان الفقرة الوجدانية من المقال أذكر أنني تناولت المسألة من جوانب فرضت نفسها في تلك اللحظة، وولجت عوالم نفسي في تلك اللحظة لأصف العلاقة التي تربط بين ابن البشر وبين الأمكنة التي فيها يعيش لأخلص بشكل أو بآخر إلى العلاقة الجدلية القائمة بين الإنسان والوطن عموماً ومنه الأمكنة التي عاش وعمل فيها وكم تركت هذه الأمكنة بصمات وجدانية مؤثرة في جدران النفس.
حكايتي مع الأمكنة بدأت منذ الحداثة، يوم غادرت تلك الضيعة النائية المتكئة على وادٍ جاف لا ماء فيه في أقصى الريف السوري الجنوبي متجهاً إلى دمشق، رحلة واحدة نقلت طفلاً من بيئة كانت مضافة عمي وجدي هي المدرسة قبل المدرسة وبعدها، إلى الشوارع المكتظة بالناس والأجناس بما يرعب النفس ويحبس الأنفاس، وليس سهلاً لا بل من الصعوبة بمكان دخول الأمكنة التي لا تعرف عنها شيئاً، ومن الصعوبة أيضاً سلخها من الذاكرة.. ومن الأصعب نسيانها.. للأمكنة في ذاكرتي رسومات ومنحوتات وموبيليا مزركشة تشبه تعقيدات الأيام في تعقيداتها، وربما في جمالها أيضاً، الجمال في الأماكن يكمن في أسلوب النظر في تفاصيلها، في قسوة الجدران في مكان، وحنوّها في مكان، في بوحها السلس وفي صلابة الروح فيها، في أسلوب التعامل معها كبشر، وأسلوبها هي في التعامل مع الإنسان، لا يمكن عزل الجماد عن الحياة.. فيهما من التداخل ما لا يمكن فهمه، ولا استيعابه، ولا العظة التي يمكن استخلاصها من البشر ولا من الحجر.
مسألة فلسفية قد تكون شائكة عليّ لأنني قد لا أدرك أبعادها كما يدركها المختصون في علم النفس وتناول جانب منها في هذه المقالة الصغيرة تشبه حالة طفل رماه أهله في اليم بغية تعلّم السباحة.. يعوم قبيل الاختناق.

سيريا ديلي نيوز


التعليقات