سيريا ديلي نيوز- د.نهلة عيسى
اليوم، كنت سأكتب عن الحب، كنت سأروي لكم: كيف غافلني القلب وتبادل الابتسامات مع الغد، لكن سرعان ما غادرني، بل ربما غدرني الغد، وأنا في أوج الوهم أن الرأس وجدت الكتف، وأن العمر عاد ليلتحف بورق الحلم، لأصحو على صباح مندى بالدم، دم القلب، ودم أبناء القلب؟.
كنت سأكتب عن الحب، ولكن داهمني الموت، وأدخلني في حالة غريبة، هجينة، مزيج من البلادة والأرق والوجع، ومن الترفع المرقع بالادعاء، وبقايا صبر تصدأ بفعل التكاثر الأرنبي للأيام المهينة، وبفعل العجز عن الفعل، لأن الزمن للقتلة، ولتجار الموت، ومقاولي الأحلام، وبائعي الوهم، وأنا لا سلاح في يدي سوى قلم، رصاصه (في بلادنا) لا يصيب أحداً، لأن القراءة في بلادي بلا أحد، والنبي محمد آخر من فيها قرأ!.
كنت سأكتب عن الحب، كنت أريد أن أبكي .. أن أصرخ، ولكني ضحكت، كنت سأكتب عن الشارع الصغير الذي كان ستراً وغطاءً على حبي الأول، لكن الشارع احترق، والحب الأول، كان من أوائل الشهداء، وبقايا صور الذاكرة عن ذاك الزمان ضاعت في زحمة الهرولة بين عزاء وعزاء، وجريح ومعاق، وجندي تطبطب على كتفه، وتتمنى لو ترتمي في حضنه معتذراً، عمن جعلوا السلاح حبيبته لخمس سنوات عجاف!.
كنت سأكتب عن الحب، لكني انشغلت بالصور التلفزيونية السريعة، ألاحقها كالظل اللجوج، محاولة اكتشاف ساحة الجريمة، وعدد الشهداء والجرحى، وعرائش الياسمين التي احترقت، والأشجار التي تعرت، والفراشات التي تحنطت بفعل النار، وفعل الغدر، وفعل أحزاننا التي ملأت البحر، ولا عزاء للبحر!.
كنت سأكتب عن الحب، لكني تذكرت، أننا في الساعة الخمسين بعد المليون من جرح الوطن، ورصيف الصبر يضيق بنا، ننتظر على ضوء شمعة، وببرود يشبه الخيبة، أن تنعى إلينا أنفسنا، لأن طهاة موتنا راعهم انتصار حماة حياتنا، فكان المقابل للنصر على جبهة، موت يراعات الفرح على كل جبهة، وكان المعادل لهدنة في جبهة، إشعال الجبهة الأخرى، لئلا يبقى في الوطن جذر أخضر، يمكن أن يورق من جديد!.
كنت سأكتب عن الحب، ولكن الوجع توءم روح، ومداد القلم، رجال باتت جبهاتهم.. يقيني الوحيد، حيث لا مكان لمكانهم، منتشرين كالأنهار التي تعرف مصبها وتعشق ضفافها، وولاؤها الأول والأخير لينابيعها، وحيث تعلو الهامات فوق الكرب، وترتفع شارة النصر وسط بحيرة من شقائق النعمان، وحيث يدرك المرء، أن الهزيمة لا يمكن أن تلحق بشعب يهنئ بعضه البعض بالشهادة، وكأنه يتحضر لعرس، ولكن تبقى على لساني مناجاة، أشبه بالوشم، أيها الرب: قلبي بات رصيفاً، لم تبق قدم حزن في العالم كله، لم تطأه.. فهل من نهاية؟.

سيريا ديلي نيوز


التعليقات