يحلو لبعض المحللين السياسيين العرب، هذه الأيام، وصف العلاقات السورية – السعودية بالحرب المعلنة بين بلدين لا توجد بينهما أية حدود برية أو بحرية، ولكنهما يتشاركان في أحداث تاريخية قريبة وبعيدة، نستطيع القول، بلا مبالغة، إنها كبيرة الأثر في تاريخ المنطقة العربية، والمناطق المحيطة بعد خروج الدعوة الإسلامية من مكة لتصل إلى الشام وبغداد وأسوار الصين وفرنسا. وليس غريباً أن القرشيين هم من أسسوا حكم بني أمية في دمشق، ولا يزال السوريون يتغنون بأجدادهم الذين إذا غضبوا "ألحقوا الدنيا ببستان هشام"، في إشارة للخليفة الأموي هشام بن عبد الملك الذي أضاع من تلوه في الحكم ميراث آبائه وأجداده. ولا يزالون يفاخرون بأن دمشق هي شامة الإسلام والدنيا، وأن أجدادهم الأمويين حكموا مكة والحجاز وأجزاء واسعة من العالم من دمشق القديمة التي لا زالت أسوارها تحكي سير الأسلاف العظماء.

سلاح النفط والمال

وبعيداً عن التاريخ البعيد فقد عرفت العلاقات السعودية – السورية مواسم مدٍّ وجزر. كان أفضلها في عهد الراحلين حافظ الأسد والملك فيصل الذي وقف إلى جانب السوريين والمصريين في حرب أكتوبر/ تشرين الأول من العام 1973، حين استخدم النفط كسلاح فعال معركة العرب ضد إسرائيل وحلفائها. ورغم أن السوريين يتذكرون أن الجنود السعوديين الذين تم إرسالهم للقتال على جبهة الجولان لم يغادروا ثكناتهم للقتال، إلا أنهم، على نحو لافت، ظلوا ممتنين لهذه الخطوة الرمزية، ولم ينسوا وقفة ذلك الملك السعودي الذي قال لا لحليفته الأبرز الولايات المتحدة، وفتح خزائن مملكته لدعم سورية ومصر، وربما دفع حياته ثمناً لها حين تم اغتياله لاحقاً في ظروف غامضة. وحين اندلعت الحرب الأهلية اللبنانية باركت السعودية دخول القوات السورية إلى لبنان تحت مظلة قوات الردع العربية، حيث كانت علاقات البلدين على نحو عال من التنسيق والتوافق على كثير من القضايا رغم اختلاف نظامي الحكم بينهما، ما بين جمهوري وملكي، واصطفافهما المختلف في أثناء الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي. ويشير باحثون إلى أن السعودية لعبت دوراً مفصلياً في محاولة الإخوان المسلمين السوريين الانقلاب على حكم الرئيس السوري السابق حافظ الأسد في النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي. ويستندون في ذلك إلى أن حركة الإخوان في البلدان العربية كلها تجد في السعودية حاضناً لها، سواء في شكل رسمي حكومي، أو من خلال رجال الدين السعوديين ممن لهم أتباع في تلك الحركات التي تنتظم في مجلس حركة الإخوان العالمية، وهكذا ليس مستغرباً أن يتصدر ولي عهد سابق في مملكة عربية الواجهة في دعم إخوان سورية، بالمال والسلاح والملاذ الآمن أثناء حربهم مع النظام السوري، وبعد هزيمتهم، وفشل مشروعهم. ولوحظ أن ذلك التدخل السعودي تم بهدوء وسرية، ولم يظهر للعلن إلا بعد استقبالها لآلاف من الهاربين من الإخوان السوريين الذين اختاروا السعودية ملجأً لهم، ولا يزالون حتى يومنا هذا يقيمون فيها مع عائلاتهم. وتؤكد الحكومة السورية ومحللون مقربون منها أن الأحداث الأخيرة تكشف تورط الرياض، وأن ماجرى سابقاً يتكرر على نحو ما في سورية، حيث تحاول حركة الإخوان تصدر المشهد السوري، بدعم سعودي، من مظاهره دعم الفضائيات المناوئة للرئيس بشار الأسد التي تبث من الأراضي السعودية، ومن تسخير وسائل الإعلام السعودية، أو الممولة منها، على مدار الساعة، خدمة لمسعاها، وصولاً إلى الدعوة المفاجئة لتسليح المعارضة على عكس ما تعلنه دول العالم. واستمر الخلاف السعودي – السوري خلال الحرب العراقية – الإيرانية والتي استمرت أكثر من ثمانية أعوام، ووقف فيها البلدان على طرفي نقيض، ففيما دعمت الرياض الراحل صدام حسين في حربه التي صورت كحرب للذود عن عروبة الجزيرة العربية والعراق، وقفت دمشق إلى جانب طهران وثورتها الوليدة، على اعتبار أنها فكت الارتباط العضوي بين نظام الشاه وتل أبيب وواشنطن، وأعطت إشارات واضحة لدعم قضية العرب المركزية فلسطين. ومن المفارقات التي يتوقف عندها قارئ التاريخ أن الجنود السوريين والسعوديين وقفوا في خندق واحد لمحاربة العراقيين بعد غزو صدام للكويت العام 1990، وذلك ضمن تحالف دولي لتحرير الكويت. لكن ذلك لم يتم إلا بعد مسعى سوري واضح، في ظل وجود خلاف عراقي -سوري، وانقطاع العلاقات الدبلوماسية، لتسوية الأمر تحت المظلة العربية. ويومها تعهد الأسد الأب لصدام حسين بالوقوف معه إذا هو انسحب من الكويت طوعاً، لكن ذلك لم يحدث وكان ما كان.

تقارب في الملف اللبناني فاختلاف..

تلت حرب تحرير الكويت حالة من التقارب بين دمشق والرياض، وهو ما انعكس في طي ملف الحرب الأهلية اللبنانية وإبرام ما سمي بـ "اتفاق الطائف"، وأوصل رجل السعودية الأول في لبنان، الشهيد رفيق الحريري، إلى رئاسة الوزراء، وأعطى لسورية ضمانات لمصالحها في لبنان. وبعد وصول الملك عبد الله إلى سدة الحكم تفاءلت دمشق خيراً، فقد رأت فيه قائداً عروبياً منفتح البصيرة، لكن ذلك لم يستمر طويلاً فقد اعتبر اغتيال الرئيس رفيق الحريري، في العام 2005، ضربة كبيرة للنفوذ السعودي في لبنان. وزاد هذا الشقاق بين البلدين ليصل إلى مرحلة القطيعة، بل لقد تم اتهام وزير الاستخبارات السعودية بندر بن سلطان بالوقوف وراء حوادث تفجير كبرى في سورية، كان أبرزها ما حدث في سجن صيدنايا والذي تحفظ الجانبان عن ذكر تفاصيل ما جرى خلاله، وظل الأمر رهناً للقنوات الدبلوماسية التي حافظت على نشاطها رغم التوتر الكبير بين البلدين، والذي انعكس من خلال علاقة صامتة بين البلدين تعكس الحذر والخلاف الواسعين.

لمن قيادة العالم العربي؟..

ظلت قيادة العالم العربي، خلال تلك السنوات، محل تجاذب بين مصر وسورية والسعودية، وفيما كانت تلك الدول تلجأ للتوافق فيما بينها على بعض القضايا، إلا أنها ظلت على خلاف في الملفات الفلسطينية واللبنانية والعراقية. واللافت أن البلدان الثلاثة عانت من توجهات السياسة الأمريكية بعد اسقاط صدام حسين، ومحاولات بناء الشرق الأوسط الكبير، وسعت واشنطن إلى تقليص نفوذ العواصم الثلاث في الملفات الإقليمية لتحجيم دورها في النظام الاقليمي الجديد الممتد من المغرب إلى باكستان، وهو ما بدا واضحا في ضعف التأثير المصري في ملفات السودان، وليبيا، وتحول دورها في الملف الفلسطيني إلى التنسيق الأمني، وتحقيق الهدنة مع إسرائيل، بعدما كان دورها سياسيا بامتياز، ولعل ما يشير إلى ذلك هو نقل الملف الفلسطيني إلى اللواء عمر سليمان رئيس المخابرات المصرية، وبالنسبة للرياض ظهرت دولة قطر كمنافس لها وخالفت الاجماع الخليجي واستطاعت أن تسحب بعض الملفات، وتتخلص من وصاية الأخت الكبرى. وأفلحت الولايات المتحدة بمساعدة فرنسا ومباركة عربية في اخراج سورية من لبنان، وبدأت حرب سرية لابعاد دمشق عن طهران بالترغيب والترهيب. وحافظت الرياض على علاقة دافئة مع حماس وفتح، قطبي الصراع في الساحة الفلسطينية، إلا أنها بالكاد استطاعت إقناع الطرفين بتوقيع اتفاق مكة للمصالحة، وتجاهلت الدور السوري في تشجيع حماس على التقارب مع فتح، ولكن كما هو معروف فإن الاتفاق لم يكن له نصيب في أن يرى النور على أرض الواقع بسبب التشابكات المحلية الفلسطينية والعربية. ويومها رأت القاهرة ودمشق في الاتفاق نوعاً من الانتقاص من دورهما على الساحة الفلسطينية، وربما مارستا بعض الضغوط تماشياً مع حرصهما على عدم إفلات الورقة الفلسطينية من قبضتهما لحساب طرف آخر. وفي لبنان كان خروج القوات السورية من أماكن تواجدها بمباركة سعودية وعربية بمثابة رد سعودي – لبناني على اغتيال الحريري، ورغم تشكيل حكومة معارضة لسورية في بيروت، إلا أن حلفاء سورية في لبنان استطاعوا، فيما بعد، إقصاء رئيس الوزراء المقرَّب من الرياض، سعد الحريري، من منصبه. ومن يومها بدت الساحتان الفلسطينية واللبنانية مقياساً يمكن من خلاله حساب نقاط الخلاف بين عاصمتين ظل التوافق بينهما دليلاً على تضامن وعمل عربيين فاعلين ومثمرين، ونادراً ما تم الوصول إليهما. لكن هذا ظل مقياساً صالحاً حتى بدأت الأنظمة العربية تنهار كأحجار الدومينو، ما فاجأ السعودية التي صارت مطالبة في أن تبرهن لنفسها وللعرب والعالم أيضاً على أنها زعيمة العرب الوحيدة. وهو أمر لم يتحقق لها حتى كتابة هذه السطور. سامر الياس (المقالة تعبر عن رأي الكاتب)   سيريا ديلي نيوز

التعليقات