تمر هذه الأيام أوقات عصيبة على الفيسبوك ومؤسسه مارك زوكربيرغ. فبعد حجب تطبيق Free Basics في الهند، علق أحد الشخصيات الرفيعة في مجلس

إدارة عملاق التواصل الاجتماعي، مارك أندريسن، خلال تدوينة على تويتر أشعلت جدالًا محمومًا. تعجب أندريسن من القرار قائلاً: “جلبت مكافحة الاستعمار الكوارث

الاقتصادية على الشعب الهندي لعقود طويلة، فلماذا التوقف الآن؟”.

أثارت التدوينة غضبًا عارمًا مما دفع أندريسن إلى إزالتها والاعتذار مؤكدًا أنه “يعارض الاستعمار بشكل مطلق وأنه من أنصار الحرية والاستقلال”. ولم يتأخر

زوكربيرغ عن الرد حين عبر عن عميق غضبه من تصريحات أندريسن، موضحًا أنها لا تمثله على الإطلاق.

لم يكن الربط بين تمدد الفيسبوك على مستوى العالم والاستعمار أمرًا جديدًا، وهو ما يفسر شعور زوكربيرغ بالحاجة إلى التدخل. كان الغرض من التطبيق المحجوب

هو إدخال الناس على الإنترنت للمرة الأولى عبر تطبيق يسمح باستخدام الفيسبوك دون الحاجة إلى اتصال بالإنترنت.

وقد ردت ديبكا باري، أستاذة اللغة الإنجليزية في جامعة إموري، على ما جرى بالقول: “أكره الحديث عن مثل تلك الكلمات، ولكن يصعب تجاهل أوجه التشابه بين

الاثنين”، وقد لخصت أوجه التشابه تلك في النقاط التالية:

1- تقمص دور المنقذ.

2- أكثر من استخدام كلمات كالمساواة والديمقراطية والحقوق الأساسية.

3- أخفِ حافز الربح طويل المدى.

4- برر مفهوم الحرية الجزئية.

5- تحالف مع النخبة المحلية.

6- اتهم المنتقدين بعدم الامتنان.

يقول إيثان زوكرمان، مدير مركز ماساشوستس للإعلام المدني: “أنظر إلى المشروع بوصفه استعماريًّا ومخادعًا، فهو يحاول حل مشكلة لا يفهمها ولها حل بالفعل.

وهذا الحل هو هيمنة الفيسبوك على العالم في المستقبل في لحظة يتباطأ فيها النمو في الأسواق الناشئة”.

يزعم الفيسبوك أن غرضه من التطبيق هو مساعدة الناس على الولوج إلى الإنترنت. وأن منصة توفر ذلك بشكل محدود أفضل من لا شيء. والتطبيق لا يهدف إلى

الربح وهو مجاني. “من يقف في وجه ذلك؟” يتساءل زوكربيرغ في صحيفة ذا تايمز أوف إنديا.

ولكن لهذا الجدال جانب آخر. فعندما يسمح مزودو خدمات الهواتف المحمولة لبعض الشركات بتقديم خدمة الدخول إلى مواقعهم مجانًا، فهذا يمنح تلك الشركات ميزة

غير عادلة. وهذا يخالف منطق حيادية الإنترنت، حيث يجب معاملة كافة الشركات بالتساوي دون تفضيل مواقع أو منصات على أخرى.

ولكن الادعاء القائل بأن الفيسبوك لا يسعى عبر ذلك التطبيق إلى توسيع قاعدة مستخدميه العالمية يمكن تفنيده بحقيقة أن الكثير من المستخدمين سينتقلون سريعًا من

استخدام النسخة المجانية من التطبيق الخالية من الإعلانات إلى استخدام النسخة المدفوعة الممتلئة بالإعلانات. وهو ما يثير الشكوك حول دوافع الفيسبوك لإطلاق

التطبيق.

وللتدليل على ذلك، قالت إحدى كبرى شركات المحمول في الهند إن مليون شخص سجلوا في خدمة التطبيق خلال أكتوبر الماضي، وأن 20% منهم فقط لم يكونوا من

مستخدمي الإنترنت سابقًا.

يقول أحد مالكي الشركات الناشئة في الهند: “إن التطبيق كان بالكاد يستهدف الفقراء والأشخاص الذين لم يكن لديهم إنترنت في السابق. ولا حاجة لعرض وعود زائفة

لحمل هؤلاء الناس على دخول الإنترنت. فهم سيفعلون ذلك عندما تتاح لهم الفرصة دون محفزات خارجية”.

يقول زوكرمان: “عندما يواجه كل من زوكربيرغ أو أندريسن الانتقاد، يتحججون بأن منتقديهم غير آدميين، فمن يرفض مساعدة الهند على التقدم؟”.

يثير السياق الاستعماري الضمني ما أسماه الكاتب كورتني مارتن “الإغواء الاختزالي” للأمريكيين الراغبين في إنقاذ العالم، والغطرسة التي تكتنف هذا النوع من حل

المشكلات.

ظهرت النزعة الاستعمارية في العالم الرقمي منذ زمن طويل. لكن الاستعمار القائم على الإنترنت يتجاوز الفيسبوك.

لو أخذنا على سبيل المثال المشاريع الرقمية القائمة على الأدب الإنجليزي. فلو أردنا أن يكون الإنترنت مكتبة الإسكندرية الجديدة، مخزون حي لكل المعارف الإنسانية،

سيشكل ذلك مشكلة. كما أن الغالبية العظمى من صفحات موسوعة ويكيبيديا لا تمثل سوى القدر القليل من الإنترنت. فحوالي 14% من سكان العالم يعيشون في

إفريقيا، ولكن 3% من مقالات ويكبيديا تأتي من هناك.

ولننظر أيضًا إلى النماذج التجارية السائدة على الإنترنت. تتعامل الشركات مع المستخدمين على أنهم سلع، فتنقب عن بياناتهم وتستهدفهم بالإعلانات. يقول باري، من

جامعة إموري: “في الرأسمالية الرقمية، تعمل الشركات ورؤوس الأموال كضامن لمجانية الخدمات. ولهذا يمكن للفيسبوك الزعم بأن خدماته مجانية على الدوام”.

لا يفضل الفيسبوك مصطلح المستخدمين وإنما الناس. لكن مصطلح المستخدمين كان أفضل من كلمة “المغفلين” التي وصف بها زوكربيرغ المستخدمين في بدايات

الموقع، وفقًا لمحادثة جرى تسريبها كجزء من قضية منظورة أمام المحاكم.

يقال إن الفيسبوك قد سيطر على الإنترنت بالفعل. لذا فمن السهل إدراك سبب إعادة تسمية مشروع Internet.org باسم Free Basics. فالاسم القديم أظهر

حقيقة نوايا الفيسبوك بوصفه قوة مهيمنة ولا يمكن ردعها، وشركة خاصة لها تأثير هائل على الإنترنت كخدمة عامة. يقول أوستن كار: “يمهد عملاق التواصل

الاجتماعي الطريق لمنصة يمكنها أن تجعل من الفيسبوك جزءًا من كل تفاعل اجتماعي يحدث حول العالم”.

 

مترجم عنFacebook and the New Colonialismللكاتب Adrienne LaFrance

 

 

سيريا ديلي نيوز


التعليقات