الخوف من الغد ومن العجز ومن الآخر ومن المجهول، والرغبة في حياة أفضل لنا ولمن نحب، يقود البعض للدخول في عوالم غريبة، كالاحتماء بحذاء مقطوع أو عين زرقاء، أو إشعال الضوء الأخضر في البيت، أو حرق البخور لطرد ‹الأرواح الشريرة›.

الخوف، يدفع البعض حتى للجوء إلى بعض  من يعرفون أنفسهم كـ ‹وسطاء روحيين›، من ‹المشعوذين› و‹السحرة›، للحصول على بعض ‹الطلاسم› أو ‹لطرد الجن›!.

‹السحر› و مدى ارتباطه بالدين والعادات المتوارثة

وجود ‹السحر› مرتبط في بعض الأحيان بالمفاهيم الدينية، سواء الإسلامية أو المسيحية أو اليهودية، كما إنه يعود إلى بعض العادات والتقاليد المتوارثة.

سعدية حج أحمد، ‹داعية دينية›  تحدثت  عن أسباب وجود ‹السحر› في مجتمعاتنا: «السحر كان مرتبطاً بالدين سواء كان في الإسلام أو اليهودية وحتى المسيحية، لكن يجب الفصل بين التداوي بالسور القرآنية، وعدم ربطه بأي نوع من السحر».

مضيفة: «لا ننسى عادات وتقاليد المجتمع، التي تعود إلى السحر الأسود وجان النبي سليمان، كلها أفكار مترسخة في عقول الكثير من الناس, وبسبب مشاكل مجتمعنا كالفقر والجهل والمرض، يؤمن البعض بالسحر أكثر من إيمانه بالأطباء، يفضلون زيارة ساحر أو مشعوذ على زيارة طبيب نفسي».

توضح حج أحمد: «جلب الزوج والمولود الذكر والإنجاب وسعة الرزق وإبعاد العين، أشياء لا زال الناس يعتقدون أنه بإمكانهم الحصول عليها عن طريق بعض الطلاسم».

طقوس ‹غريبة›

شرب الماء على سبع مراحل لجلب الحظ, رش جدار البيت بالماء المالح لجلب الطمأنينة، كسر البيض بعدد عمر الزوج لإنجاب الذكر, وغيرها من الطقوس يمارسها من يقبلون على ‹السحرة› بشكل دوري للحصول على بعض الطمأنينة المؤقتة، ويعاودون الكرة تلو الأخرى.

كريمة خلو، تتردد على أحد ‹الشيوخ› على حد وصفها، لكثرة مشاكلها العائلية، تروي تجربتها لـ ARA News: «أقصد الشيخ منذ 17سنة, ومنذ ذلك الوقت أغسل بيتي بالماء المالح، كما أنني وزعت بعضاً من الملح في زوايا المنزل، أبخر منزلي كل أسبوع، كما أن الشيخ زودني ببعض الحجابات أضعها بين المونة، وأغيرها كل شهرين، أشعر بالراحة والأمان عند القيام بتلك الأمور».

الضرب والأذى

الضرب، والحرمان من الطعام, الاستحمام بالماء البارد أو الحار، جميعها طرق استخدمها أحد ‹السحرة› مع عنودا، ابنة 33 عاما لعلاجها من بعض ‹الهلوسات› التي تتعرض لها، نوفة يونس، تحدثت عن قصة ابنتها  قائلة: «منذ أكثر من عشر سنوات تعاني ابنتي من كوابيس ونوبات عصبية، تنتهي بالإغماء، قصدنا أحد الشيوخ، ادعى بأنها ممسوسة، قام بضربها وحرق بعضاً من جسمها بحجة طرد الجن، الأمر الذي زاد من سوء وضعها»، مؤكدة «لا يزال والدها مصراً على أخذها لعند الرجل، ولازالت ابنتي على تلك الحال».

النصب والاحتيال

 ‹ف.ح›، أم لأربع  بنات، والرغبة في الحصول على المولود الذكر دفعها لطرق أبواب عديدة، تحدثت عن تجربتها بقولها: «نحن في مجتمع شرقي، والولد هو من يحمل اسم العائلة, نتيجة لضغط العائلة لجأت إلى أعداد كبيرة من السحرة والمشعوذين، وكذلك بعض من رجال الدين، لقد أنفقت أكثر من مليون ليرة سورية على هذه التجارب، وجميعها بائت بالفشل، زوجي متزوج الآن من ابنة إحدى المشعوذات اللواتي كنت أتردد عليها برفقته!».

تجارة مربحة

معظم ‹السحرة› و‹المشعوذون› يتقاضون مبالغ مالية كبيرة مقابل أي عمل يقومون به, طلب الطعام والممتلكات وحتى المجوهرات، أمر يسهل على المشعوذ الحصول عليه مستغلاً يأس وضعف وحاجة من يلجؤون إليه.

همرين جمال، زوجة سابقة لأحد ‹المشعوذين› تحدثت عن ‹تجارة› زوجها على حد وصفها : «زوجي السابق كان يقوم بأعمال السحر والشعوذة، وعن طريق مهنته استطاع أن يشتري مزرعة كبيرة، كان يطلب من الناس مبالغ مالية كبيرة، ولم يتردد الناس في الدفع، لم يكن يطلب النقود وحسب، بل كان يطلب الهدايا النفيسة، بعض الطيور النادرة مثل النعامة والطاووس، بالإضافة إلى الماشية بمختلف أنواعها، يقنع  الشخص بأنها ستخبره بمكان ضالته، أو أنها ستؤمن له حياة رغيدة، كان هذا عمله الوحيد وكانت تجارة مربحة!».

الأميون الأكثر تردداً

الأميون، ممن لا يجيدون القراءة أو الكتابة، هم الفئة الأكثر استهواءً من قبل ‹المشعوذين›  ثم من يتقنون الكتابة وكذلك بعض حاملي الشهادات.

هذا ما ذهبت إليه همرين، مضيفة «كان أكثر زبائن زوجي من النساء والرجال الأميين، النساء بسبب مشاكلهن الزوجية، أما الرجال لجلب المال، ويصدقون كل ما يقال لهم, أما من يجيد القراءة كانت أعدادهم أقل، أما بالنسبة  لحاملي الشهادات، فكان معظمهم من النساء، يقصدن زوجي  بسبب اليأس أو البحث عن شيء ضائع».

أنواع ‹السحر والشعوذة›

النظر في المرآة، قراءة الكف، تلاوة بعض الترانيم الغريبة، البخور، وحتى التنويم المغناطيسي، و قراءة الفنجان، والأبراج أحياناً ولو بشكل بسيط،هي بعض من أنواع ‹السحر والشعودذة› بحسب ما يرى الكثيرون.

جميلة العبد الله، اتخذت من ‹قراءة الفنجان› وسيلة للتنبؤ بالمستقبل على حد قولها، وعن ذلك تحدثت  «ركوة القهوة  دائماً جاهزة، بعد التلذذ بفنجان القهوة أقوم بقراءته، يعتبرها البعض تسلية وبعضهم يعلق عليه آمال كثيرة، جميع زبائني من النساء، استقبلهن من ساعات الصباح الأولى ومنهن من تحجز مسبقاً، أقرأ الفنجان الواحد بـ100 ليرة سورية، لدي بصيرة خاصة تمكنني من قراءة الفنجان، أعرف الحاضر والماضي والمستقبل، النساء تترددن علي بشكل دوري، وتخبرنني مدى توافق الفنجان مع حياتهن».

أما ورد، الرجل المقعد، فقد اتخذ من ‹علمه› طريقة تبقيه على التواصل مع العالم الخارجي، يكسب ثقة من يلجأ إليه ويبقيه متشوقاً لمعرفة كل ما هو جديد في حياته، يشرح ما يصفه بعلم الأبراج: «تعتبر الأبراج جزءً من التنبؤ بالمستقبل، إلا إنها بعيدة عن السحر والشعوذة، تعتمد على دراسة الفلك ومواقع النجوم، تتناقلها وسائل الإعلام وينتظرها الكثير من الناس ليبدؤوا يومهم».

ويضيف: «درست وتخصصت بعلم الأبراج في روسيا، ونتيجة لحادث أصبحت مقعداً، إلا أنه وبفضل دراستي بقيت على تواصل مع العالم, أقضي ساعات طويلة على سماعة الهاتف، يكفي أن يزودني الشخص بتوقيت وتاريخ الولادة لأسرد ما يخفيه له المستقبل، أشرح له شخصيته، لا أتقاضى أي أجر».

يقول ورد: «لدي متصلون من مختلف أنحاء العالم، أصبحت لي معرفة شخصية ببعضهم، لا أنكر أنني استخدم علمي هذا كنوع من التسلية ولإبعاد الفراغ عني، أنا إنسان مقعد يصعب عليه التنقل بسهولة، ووجود هذا الكم من الأشخاص ممن يودون التحدث معي أمر يسرني».

‹كذب المنجمون ولو صدقوا›، مقولة نرددها كثيراً، لكن مع ذلك لا نزال نؤمن بقوة ‹السحر› و‹الشعوذة› والأبراج، هل فعلاً هناك جن؟، هل توجد يد خفية تحرك الكون من حولنا؟، وهل تؤثر حركة الكواكب على حياتنا اليومية؟ وهل مستقبل وحياة الإنسان مرتبطان بفنجان قهوة أو بكف يد؟

سيرياديلي نيوز


التعليقات