ينبئ الحراك النقابي المتسارع والاجتهاد في استثمار الطاقات والإمكانيات الموجودة بمرحلة جديدة في حياة المنظمة النقابية ونستطيع من خلال متابعة الإجراءات والخطوات التي تمت نقابياً أن ندرك تماماً ما تحاول القيادة النقابية فعله وخاصة من ناحية إصرارها على تثبيت مواقعها المتقدمة سواء على صعيد الحياة العامة والمجتمع أو على صعيد التنظيم النقابي  وما قامت به خلال الفترة الوجيزة  الماضية والتي لا تتعدى الأشهر المعدودة يشير بوضوح إلى أنها استطاعت تحديد أولوياتها وتجاوز خط البداية في برنامج عملها  بخطوات واثقة تنم عن تجربة نقابية متمرسة وقدرة كبيرة على قراءة الواقع وتحديد مكامن القوة والضعف ووضع الأمور في سياقها الطبيعي وصولاً إلى الواقع النقابي المطلوب في هذه المرحلة الدقيقة والمصيرية .
وما يدعو للتفاؤل ويريح الأفكار والهواجس العابثة بالثقة أن انشغال القيادة النقابية في ترتيب البيت الداخلي لم يمنعها من متابعة العمل وتكثيف حضورها وتواجدها في مواقع العمل وبين العمال الذين يضعون الكثير من  قضايا هم في خانة الأمانة والمسؤولية النقابية التي تتصدى للعديد من الملفات الموضوعة على طاولة البحث وفي عهدة المكتب التنفيذي للاتحاد العام .
العديد من القضايا سواء على صعيد العمل النقابي والقضايا العمالية والإنتاجية أو تلك التي تتعلق بالشأن العام بمختلف جوانبه  شكلت بمجموعها  محاور حوارنا مع جمال القادري رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال الذي لم يبخل علينا بأي معلومة وكان حريصاً على إظهار السلبيات قبل الإيجابيات في الحياة النقابية التي يعمل المكتب التنفيذي للاتحاد العام على وضعها في مسارها الصحيح كحاضنة لهموم وآمال الطبقة العاملة وكشريك فعلي في مشروع إعادة الإعمار.
البداية من..
قبل أن نبدأ بالحوار، طلب منا القادري عدم التردد في طرح أي تساؤل، ورفع سقف الحديث إلى أي مرحلة نريد، وهذا ما لخصته كلماته الأولى: «لنتفق على أنه ليس لدينا أي خط أحمر إلا مصلحة عمالنا، ومصلحتنا الوطنية، ولكم أن تتحدثوا في كل شيء مادام تحت سقف الوطن، ويخدم المصلحة العمالية والوطنية، ونحن على استعداد لنقدم كل الإجابات، سواء التي قد تكون فيها إدانة للعمل النقابي من ناحية التقصير في أداء المهمات، أو في عدم ممارسة الدور النقابي الفعال داخل الحياة النقابية والعامة، ونؤكد على رفع الحصانة والغطاء عن أي مخالفة أو خطأ، سواء على مستوى القواعد النقابية، أو على مستوى القيادات العليا بما فيها المكتب التنفيذي للاتحاد العام.

نجاح جديد
الوعود والمشاريع التي أعلن عنها في بداية الدورة النقابية والخطوات التي تمت إلى الآن،  كانت إحدى المحطات التي توقفنا عندها والتي تحدث عنها بكل ثقة: أعلم أن هناك الكثير من التساؤلات التي تدور في أذهان البعض حول ماقطعناه على أنفسنا من التزامات ومشاريع ستقوم المنظمة النقابية بتنفيذها خلال الدورة السادسة والعشرين  سواء من ناحية إحداث المرصد الوطني النقابي للأبحاث العمالية والاقتصادية  ، وهو المعني بتقديم وتوفير كافة المعلومات التي تساعد على اتخاذ القرارات الصحيحة بالاعتماد على الإحصاءات الدقيقة  والدراسات الخاصة بالطبقة العاملة والمرأة العاملة نظراً لعدم وجود أي جهة قادرة على إعطاء معلومات دقيقة بهذه القضايا وقد تم اتخاذ قرارات بشأنه وتم تعيين مدير للمرصد وتشكيل هيئة البحث العلمي، وستنطلق أعماله خلال فترة وجيزة جداً، وسيتم أيضاً إحداث مؤسسة الرعاية الصحية التي ستندمج فيها كل المشاريع العمالية النقابية لتقديم أجود الخدمات، والارتقاء بدورها للوقوف إلى جانب العمال في هذه الظروف الصعبة، والمشفى العمالي، وغيرهما من المشاريع التي نلتزم بتنفيذها ، ولكن حسب الأولوية، وتوفر كافة مستلزماتها، وهذا طبعاً ليس هروباً أو تبريراً للتأخير في تنفيذها، بل للإحاطة الكاملة بكافة الجوانب، وتحقيق الهدف بشكل أفضل، فالتأني هنا من باب الخطوة الواثقة، وفيما يخص الجامعة العمالية التي اتخذ المكتب التنفيذي قراراً بإقامتها في المعهد النقابي المركزي، على اعتبار أن البنية التحتية متوفرة، وتم إعداد المخططات اللازمة للمباشرة بالعمل، فإن هذا يعد خطوة أولى في مشروع مأسسة العمل النقابي، وستتم مخاطبة الجهات المختصة للحصول على التراخيص اللازمة.

«عيشها غير»
رئيس الاتحاد العام الذي يؤمن بالعمل النقابي  الميداني، ويوجه النقابيين للاقتراب أكثر من العمال، والاطلاع على واقعهم وظروفهم، وتقديم المساعدة لهم، وتكثيف جولاتهم، وتعزيز حضورهم في التجمعات العمالية والاجتماعية، تحدث عن حرص القيادة النقابية على إثبات فاعلية العمل النقابي داخل المجتمع السوري، وقدرته على التوجيه أو المساهمة في توجيه بوصلة التوجهات المعيشية والعمالية نحو كل ما من شأنه التخفيف من معاناة الطبقة العاملة، وتأمين مستلزمات عملها، والاستجابة لمطالبها وتطلعاتها، حسب الإمكانيات الممكنة والمتاحة في هذه الظروف، وتحت سقف المصلحة الوطنية، ومن خلال الشراكة البناءة مع  مختلف الجهات الحكومية، وبشكل يعيد للمنظمة النقابية دورها الفعال كشريك قادر على المبادرة واتخاذ القرارات المناسبة لصالح المجتمع ككل، والطبقة العاملة بشكل خاص، بالرغم من شراسة الهجمات على كل ما يمثّل الحياة في سورية.
وتابع: «وانطلاقاً من هذا الدور الذي نعمل من أجله ونطمح للوصول إليه، كان انضمامنا إلى حملة «عيشها غير» من خلال تقديم العديد من الخدمات: (الخدمية، والسياحية، والصحية، والاجتماعية)، حيث تم فتح أبواب المنشآت والمؤسسات ودور الرعاية الصحية التابعة للاتحاد العام أمام جميع المواطنين للاستفادة من خدماتها، والحسومات التي تم وضعها في كافة المحافظات».

هذا دورنا
الأجواء العامة، والانتصار الذي بات أكثر التصاقاً بيوميات الناس وأحداث الميدان، والإصرار على صنع المستقبل، وإعادة إعمار ما خربته ودمرته سنوات الحرب مع الإرهاب، كانت بمثابة الأرض الصلبة التي  تدحرجت فوقها كلمات الإصرار على النجاح التي شحن بها هذا القائد النقابي جلستنا الحوارية والمستقبل بالتفاؤل، وخاصة عندما أكد على أن القادم من الأيام  سيكون صناعة سورية بامتياز: الحرب الظالمة الظلامية تفرض على الطبقة العاملة السورية وحركتها النقابية مضاعفة الجهود لاستمرار العملية الإنتاجية، وتأمين متطلبات شعبنا الصامد في ظل حصار اقتصادي، وعقوبات ظالمة فرضها من يدعون اهتمامهم بحقوق الإنسان، وفرضت لتجويع الشعب السوري الذي يدفع ضريبة الدفاع عن سيادته الوطنية، ومقاومته، ووقوفه المشرف والبطولي  في وجه المؤامرة بأذرعها الإرهابية الإجرامية التي دمرت وخربت المنشآت الاقتصادية، وعملت على تقطيع أوصال الاقتصاد، وسرقة موارده، وبيعها في الدول المجاورة، ومن هنا اتخذت الطبقة العاملة قرارها بحمل مسؤولية  النهوض مجدداً، والانطلاق لإعادة الإعمار، وبناء المستقبل على أسس وطنية متينة وراسخة بعد تحقيق الانتصار على جبهة الإرهاب، ومن ثم تشخيص مكامن القوّة والضعف، وتحديد الأولويات التي استمدتها من خطاب القسم، ولتوجه من خلالها  بوصلة  الإسهام في رفد ودعم  وحدتنا الوطنية، وتحقيق المكاسب العمالية والنقابية رغم قسوة الظروف من حولنا.

الواجب الوطني
وكعادته فتح لنا القادري الباب للاطلاع على بعض قرارات المكتب التنفيذي الجديدة، حيث كشف عن قرار إحداث كتائب عمالية لحماية المنشآت والمعامل، وذلك لتنظيم هذه المهمة التي كانت حاضرة في حياة الطبقة العاملة التي عاشت كباقي مكونات الشعب السوري ظروف الحرب ضد الإرهاب، ودفعت خسائر بمئات الملايين من الليرات السورية، وحوالي 5000 شهيد، منهم 1200 عامل في القطاع العام، إضافة إلى آلاف الجرحى، حيث طالت يد الإرهاب الإجرامية أكثر من سبعين منشأة وشركة إنتاجية،  ما يعني، حسب القادري، الحاجة لدراسة دقيقة لأي مرسوم يخص حقوقهم، نظراً للأعباء المالية الكبيرة المترتبة عليه، ولفت القادري إلى تكريم أسر الشهداء من أبناء الطبقة العاملة في كافة المحافظات، كما تم بالتعاون مع الجهات المعنية في كل محافظة تأمين فرص العمل لبعض هذه الأسر.

لمصلحة العمال
وكشف القادري عن العديد من القرارات الخاصة بتعديل كافة القوانين المتعلقة بالعمل والعمال، كقانون العاملين الأساسي (50)، إذ سيقيم الاتحاد ورشات عمل لمناقشة التعديلات التي يجب أن تتم بعد دراستها ومناقشتها مع الجهات المعنية، وكذلك تعديلات قانون العمل رقم (17) الذي ينظّم العلاقة بين عمال القطاع الخاص وأرباب العمل، بحيث تزال كل المواد التي تسرّح بشكل تعسفي، وسيوقّع القانون قريباً، وهناك قرار بتوسيع المظلة النقابية لتشمل عمال القطاع الخاص لإفادتهم من المزايا المنظمة، ولحماية حقوقهم، وسيتم تعديل القانون /50/ الناظم لعلاقات العمل في القطاع العام “إدخال المراتب الوظيفية”.
وفيما يتعلق بقانون التنظيم النقابي لعام (1968)، لفت إلى أنه تم إنجاز صياغة جديدة للقانون، حيث أرسلت إلى رئاسة مجلس الوزراء وتناقش حالياً في اللجان المختصة بحضور ممثلي العمال، وقد تم التركيز على إدخال كل ما يواكب المتغيّرات، بحيث يصبح تشريعاً عصرياً وشفافاً يمنح صلاحيات ومرونة في العمل للجنة النقابية في كل مواقع ومفاصل العمل، وتطرّق إلى وجود مطالبة بتغيير المرسوم المتعلق بتقييم أداء العاملين في الدولة، فبعد 10 سنوات على صدور مرسوم تقييم أداء العاملين رقم (322) لعام 2005، لم يكن هناك أي أثر إيجابي للعمل بهذا المرسوم على العمل والعمال، لذلك بات من الضروري مراجعته، كون الآثار المترتبة عليه لجهة الضرر مستمرة مدى الحياة، ولذلك وكاتحاد عام، يرى إعادة النظر فيه ضرورة.

ضد الفساد
سؤالنا حول تأخر الإعانات من صناديق التكافل النقابية، واجهته إجابة واثقة من  القادري الذي أكد على ضرورة اجتثاث الفساد من كافة المواقع النقابية، ومحاسبة ومساءلة كل من يمارس عملاً مخالفاً للقانون ولأدبيات العمل النقابي ويحاول العبث بالمصلحة العامة، لافتاً إلى أن الاتحاد يعمل على محاصرة من يضع العصي بالعجلات وخاصة من تضرّرت مصالحه من القرارات الأخيرة المتعلقة بإعادة النظر في آلية عمل الصناديق وتوحيد أنظمتها الداخلية %

التعليقات