عام كامل مضى على تطبيق اتفاقية الأحياء القديمة في حمص، وخروج أكثر من ألفي مسلح منها، متجهين إلى ريف المدينة الشمالي، حيث كانت قرية الدار الكبيرة خيارهم. خيار بدا، حينها، طبيعياً لقرب القرية من مدينة حمص (7 كلم شمالاً)، ليتضح لاحقاً، على عادة أصحاب السلاح في أن تكون خطواتهم مدروسة على المدى الطويل، أن هذا الخيار لم يكن عبثياً. فوجودهم شمال حمص، وعلى حافة حي الوعر، يحمل أكثر من دلالة، لعلّ أبرزها جملة كتبها أحد مسلحي «جبهة النصرة» على جدار منزل قديم في السوق «راجعين يا حمص».

قد تبدو الجملة طبيعية، غير أنها تنطوي على آمال كبرى، فالمسلحون خرجوا مفجوعين بخسارات متتالية، وقلّة دعم، حمّلوه لأصحاب جبهات الشمال (الرستن وتلبيسة). قد لا يكون الأمر أكثر من حلم، لكنه، بالتأكيد، غرض يريده مسلحو حمص اليوم أكثر من أي وقت مضى.
عام مضى على انطلاق المفاوضات لإعلان حمص مدينة آمنة، في نيسان من العام الماضي. آنذاك كان المخطط أن تتمّ الاتفاقية على مرحلتين؛ الأولى: إخراج مسلحي حمص القديمة، والثانية: إخراج مسلحي الوعر. وتوقّع القائمون على العملية أن يكون الجزء الأول هو الأصعب، أمّا تأمين حي الوعر فسيكون تحصيل حاصل، بمجرد خروج المسلحين من الأحياء القديمة. إلا أنّ الأمور سارت عكس التوقعات، إذ طبّق اتفاق حمص القديمة سريعاً، وبقي ملف الوعر عالقاً.
نظرياً، وفق الوضع الميداني، فإن أي عمل بري في الوعر لن يكون صعباً، لا سيما أن للجيش في حمص خبرة واسعة، بناها خلال معاركه في الخالدية وحمص القديمة.

وبالتأكيد لن يكون الوعر عائقاً، وهو الحي ذو البناء العمراني الحديث، والشوارع العريضة، غير المتداخلة، ما يجعل أي عمل عسكري أمراً يسيراً. لكن ثمّة ما هو أكثر تعقيداً وحساسية هناك؛ فالوعر بقسميه، القديم والجديد، يقطنه قرابة ثلاثمئة ألف مواطن مدني، وقرابة ألفي مسلح، بحسب مصادر عسكرية، ما يجعل أي عملية محفوفة بالمخاطر؛ فتوجيه ضربات انتقائية في عمق مدنيّ مهمّة شبه مستحيلة، كما أن أي اقتحام بري سيصطدم بكثافة بشرية، ما يجعل المعركة خطرة، فليس تهجير المدنيين ممكناً، لصعوبة إيجاد البدائل، ولا انتقاء أماكن محايدة لشن معركة أمراً سهلاً، إذا ما استثنينا خطوط التماس، القائمة أصلاً على حدود الجزيرة السابعة في الوعر. وبالتالي، يغدو الحديث عن المصالحة هو الأكثر ملامسة لواقع المتغيرات على الأرض، لا سيما بعدما تمكن التلفزيون السوري الرسمي من الدخول إلى عمق الوعر، وتحديداً محكمته، وإجرائه لقاءات مع مسلحيه. اللقاءات التي أتت، في حينه، مطمئنة على أن المصالحة تسير في مسارها الصحيح، وإن تأخرت. فالبيئة الشعبية، في الوعر، بسوادها الأعظم، باتت متضررةً من وجود المسلحين، وتهجس، خائفة، باقتراب عملية عسكرية. والدولة السورية لا تدّخر جهداً في التعويل على صحوة كبرى داخل الحي، مرفقة بطوق عسكري، موجود أساساً لسدّ ثغر الوعر، ومنع اتصالها بالمناطق المجاورة، لحماية طريق حمص ـ طرطوس، العصب الحيوي والخط الأحمر الذي تتغير عنده كل حسابات المنطقة الوسطى.
أكثر من مرّة اقترب الوعر من تسليم سلاح مسلحيه، مقابل نقلهم إلى شمال حمص، ودائماً كانت الاتفاقيات تفشل في لحظاتها الأخيرة، بسبب التعويل المستمر لدى المسلحين على معركة كبرى في حمص، يكون لهم فيها اليد الطولى، أو على الوقت الذي سيتيح لهم انتزاع أكبر كمّ ممكن من الضمانات، قبل خروجهم.
بمعزل عن ملف الوعر، وما تحقق في حمص من أمان نسبي، خلال عام، فإنّ ما يؤرق السكان هو استشعارهم لخطر أكبر، إذ يخشون تكرار سيناريو إدلب في حمص، غافلين عن أن الوضع في حمص مختلف تماماً عن إدلب، لعدم وجود بيئة حاضنة، في وسط حمص، يمكن أن يعوّل عليها «داعش» و«النصرة» الموجودان على بعد كيلومترات قليلة، شمال حمص وشرقها، في بناء قاعدة شعبية، قبل دخولهم إلى المدينة، إضافة إلى أنّ المدينة تجاوزت أصعب مراحل الحرب، وانتقلت من بضعة أحياء، كان الجيش يسيطر عليها، إلى استعادة كامل المدينة، بعدما حوصرت طوال الحرب، من جهاتها الأربع، ما يجعل الأمر اليوم أكثر صعوبة بالنسبة إلى المسلحين.
يتداول البعض سيناريو يجمع مسلّحي الشرق مع مسلحي الشمال، لإحداث ثغرة شرق حمص، يدخلون عبرها. غير أن مصادر عسكرية نفت الأمر، مؤكدة جاهزية مقاتليها، على مختلف الجبهات، وأن الخطط البديلة حاضرة دوماً، على قاعدة أن المعركة ما دامت في أرض الخصم، فحكماً لن تنتقل إلى الجوار، فالتقدم العسكري يمنع أي احتمال بارتداد المعركة إلى الداخل. وفي حين يوجد «تنظيم داعش» على بعد نحو 30 كلم شرق حمص على جبهات جب الجراح، وصولاً إلى عقيربات في ريف حماه، حيث ثقلهم الرئيس، وفي محيط السلمية، التي تشكل معبراً مهمّاً على بعد 45 كلم شمال شرق حمص، على طريق حلب باتجاه الرقة، فإن خبراء عسكريين يجزمون بصعوبة توحيد الجبهات على تقاطع واحد، وانعدام إمكانية اقتحام حمص شرقاً، من قبل مسلّحي التنظيم، حتى وإن بذلوا كلّ جهدهم لذلك، فالجيش السوري يملك ترابطاً نارياً قوياً وكثيفاً على أطراف حمص، ما يجعل أي عملية دخول إلى حمص أشبه بالانتحار، إضافة إلى تأمينه الكامل لجنوب المدينة وغربها، وبالتالي إمكانية فتح طريق آمن لعبور قوات الدعم والمؤازرة، إن احتاج الأمر، علماً بأنه، حتى اللحظة، لا يزال هذا الخيار مستبعداً جداً.

سيرياديلي نيوز - الأخبار اللبنانية - طارق علي


التعليقات