لم يفاجأ العقلاء وأصحاب “البال الطويل” وخبراء الحياة وذوو الرجاحة، على كثرتهم، عندما استفاقوا صبيحة يوم قريب على صورة رغيفهم اليومي “مسمراً” وآخذاً من لون القمح اصفراره الذهبي في تغيّر غير متوقع، كشف فيما بعد أنه قدّم حقيقة الخبز بشكله الطبيعي الذي طالما شدّ عامة الناس وكذلك الذويقة وهو ينضج في تنانير جداتنا، مروراً بكعكات النخالة في الأفران التقليدية، وصولاً إلى تحوّل قد يكون اضطرارياً ولكنه عادي جداً، لا كما وظّفه واستغله “السفهاء” بأن زوبعة نقص أصابت مخزون الصوامع ومكنون الصويمعات وأكداس العراء..

في الحيثيات كانت الشركة العامة للمطاحن صريحة في توضيحاتها عندما عزت اللون الأسمر في رغيف الخبز المنتج في المخابز العامة والأفران الخاصة إلى رفع نسبة تحصيل الدقيق المنتج من القمح في المطاحن إلى 95% بدلاً من 80%، لتظهر النسب العالية من النواتج الأخرى كالنخالة والقشور باسمرار مقبول ومفيد ويؤثر إيجابياً في القيمة الغذائية لزادنا اليومي.

ما يمكن أن يعود بنا إلى سنوات طويلة خلت حتى قبل الأزمة بسنوات، حيث سجلت الشركة العامة للمخابز مواقف لم تكن مخفية تجاه دراساتها ومذكراتها العديدة التي طالبت بإعادة النظر بالجدوى الاقتصادية لصناعة الخبز، في مقترح لم ينل الكثير من التأييد في أروقة الحكومة آنذاك لأسباب موضوعية تتجلّى بالوفرة والاستقرار والملاءة العالية التي جعلت نسب الثقة مرتفعة في وجه أي تحريك لعوامل ومكونات الخبز من الحقول إلى البيادر والمطاحن والمخابز وحتى موائد المواطنين؟.

لا ننكر أن حجم الاستهلاك اليومي من الخبز كان كبيراً، حيث وثقت الأرقام والمؤشرات وحتى السلوكيات وثقافة الغذاء استهلاكاً جائراً بحق الخبز، لا بل وصلنا إلى البطر غير المحمود والمستساغ في التعاطي مع منتج رئيسي أخذ حقه من الدعم الكبير لدرجة تضخمت خسائر الدولة من هذه الفاتورة، ولم يأخذ حقه من “الاحترام” والدراية عند مواطن رمى الخبز بجانب القمامة وبيعه يابساً ليحول إلى علف حيواني يسدّ النقص والغلاء في سعر الأعلاف. لتأتي توجهات تحريك سعر الخبز لجسر الهوة في خسائر التكلفة مضافاً إليها العامل التحريضي والنفسي الذي يدفع المستهلك لتخفيف الكميات الملتهمة “فطوراً وغداءً وعشاءً”، ويعطيه خياراً ينحو باتجاه “الاقتصاد” والتدبير القائم على التوازن لا الإسراف.

في سياق كهذا لا يمكن تمرير ما يعتبره البعض إخفاقاً في صناعة الرغيف بقدر ما هو قرار اقتصادي وتوجّه طبيعي.. الاستثناء الوحيد فيه أنه أتى في ظروف الحرب، علماً أن خبز النخالة مقصد الكثيرين ولديه زبائن ارتضته، فلماذا لا يكون الرضا في رغيف نصرّ على أن يكون أبيض ناصعاً؟! ولا نعتبر أننا في حالة حرب كان أجدادنا يزحفون فيها على بطون خبز الشعير، وما الضير أن يكون خبز القمح أخف بياضاً؟!.

علي بلال قاسم - البعث

سيريا ديلي نيوز


التعليقات