طفحت مشكلة النقل العام على سطح المعضلات التي كشفتها الأزمة، وبدا الأمر أكثر صعوبة في التنقل داخل المحافظة الواحدة، أكثر منه على خطوط النقل بين محافظة وأخرى.

الغريب أن وزارة النقل لم تستطع ومنذ ثمانينات القرن الماضي أن تخلق منظومة نقل حقيقية ومحترمة داخل كل محافظة ومنذ ذاك التاريخ إلى اليوم تمّ عقد آلاف الاجتماعات التي ناقشت على سبيل المثال معضلة النقل الداخلي داخل مدينة دمشق، وتمّ طرح الكثير من الأفكار سواء ما يتعلق بمترو دمشق، أم تحويل الباصات للعمل على الغاز أم تأسيس شركات النقل المتطورة والتي تعمل بمنظومات اتصال تفرض التحكم عن بعد... الخ من الطروحات التي لم يرَ أي منها النور.‏

النقل الفردي‏

وبطبيعة الحال تم الاعتماد على القطاع الخاص الفردي في النقل العام الداخلي بشكل واسع، وجزئياً تصدت شركات النقل الداخلي العامة والخاصة لجزء من هذا التحدي، وجاءت فورة باصات النقل الصغيرة (السرافيس) وقد حلت جزءاً من المشكلة ولم تزل، لكننا اكتشفنا تالياً أنها سببت أزمة مرور فعمدنا إلى سحب هذه الوسيلة من بعض الخطوط في مدينة دمشق وتم إدخال باصات نقل كبيرة ومتوسطة وبأعداد غير كافية وبسوية غير جيدة، أي وسائل نقل من الدرجة الرابعة أو الخامسة.‏

والطامة الكبرى تجلت بعدم بلورة منظومة نقل داخلي حقيقية في بقية المحافظات السورية، وهنا تبدو الحاجة إلى النقل أكثر إلحاحاً إذ لا تقل أهمية عن النقل داخل مدينة دمشق، باعتبار أن المسافات بعيدة نسبياً بين مركز المحافظة والمناطق التابعة لها، وبين المناطق نفسها والبلدات والقرى ومراكز المناطق وحتى مراكز المحافظة نفسها.‏

أفضل حالاً‏

وللحقيقة فإن منظومة النقل بين العاصمة دمشق وبقية المحافظات كانت أفضل حالاً، إذ أحدثت شركات النقل السياحية على قانون الاستثمار وتم إعفاؤها من الضرائب لمدة تصل حتى خمس سنوات الأمر الذي دعم هذا النوع من النقل الذي حلّ مشكلة النقل بين المحافظات والعاصمة.‏

الإشكال الأكبر أننا لم نستطع بلورة منظومة نقل محترمة وحضارية، خاصة داخل كل محافظة، وهذا اتجاه من شأنه لو قدر له أن يكون لألغى الجموح نحو وسائل النقل الشخصية، التي انزاح إليها الناس بفعل لا شعوري بسبب قلة الاحترام الكبيرة التي تسم النقل العمومي الأمر الذي ساهم بزيادة أعباء الحياة على المستوى الشخصي بفعل تخصيص جزء من ملاءة كل شخص لاقتناء السيارة الخاصة لا بل والتبجح باقتنائها وهي كما ذكرت ردات فعل لا شعورية نتيجة المهانة في وسائل النقل العمومية.‏

حلول‏

قد يكون الطرح السابق لا يحتاج إلى الأدلة والبراهين، فهو جزء من الأعباء اليومية والحياتية التي تعيشها الناس، لكن المثال الحالي قد يظهر ويؤكد الطرح السابق.‏

مؤخراً أقدمت السلطات المحلية في محافظة طرطوس بالتعاون مع شركة نقل خاصة على تسيير رحلات لبولماناتها بين مركز المحافظة وكل من مناطق بانياس والشيخ بدر وصافيتا والدريكيش وبدعم مباشر من محافظ طرطوس صفوان أبو سعدة، وهي خطوة في الاتجاه الصحيح وساهمت بحل جزء من مشكلة النقل في المحافظة.‏

الخطورة اليوم في تأزم النقل الداخلي بأنه يهدد استقرار الحياة اجتماعياً واقتصادياً في الريف بقطع جسور التواصل، وهذا اتجاه سخرت له الدولة في السنوات الماضية الكثير من الإمكانات والبنى التحتية والخدمات لدعم قيام حياة عصرية في الريف.‏

 

 سيريا ديلي نيوز - الثورة 

التعليقات