سيرياديلي نيوز - سليمان أمين
مر الأسبوع الماضي مفعماً بأحاديث التقشف وتصريحات وزير المالية التي طالب فيها المواطن السوري بأن يتقشف، لينفي ذلك لاحقاً من خلال وسائل الإعلام السوري التي مهمتها التلميع الذي اعتاد عليه المواطن. تصريحات الوزير التي نفاها فيما بعد وقال بأنها إشاعات طالته، كيف شاعت بين الناس؟ وكيف ضجت بها صفحات التواصل الاجتماعي؟ سؤال يُطرح!؟
التقشف مصطلح معناه المجازي بالأدب الاقتصادي وباللغة العربية هو العيش الكفيف، أما باللغة الإنكليزية فيعني فرض سياسات اقتصادية شحيحة.
سياسة التقشف
تفرض الدول حالة التقشف عندما يتعرض نظامها الاقتصادي للأزمات المالية التي يسببها سوء الإدارة المالية في الدولة وتتجاوز الديون الداخلية والخارجية حدوداً ما وهي لا تستطيع دفعها، ويعود ذلك لعدة أسباب، مما يجبرها على فرض سياسة التقشف في الإنفاق العام وتقليص الدعم لمؤسساتها الاجتماعية والصحية وغيرها أو إلغائه. بعض الحكومات تلجأ إلى إلغاء الدعم للسلع الأساسية أو خفضه، وإلغاء المشاريع التنموية وغيرها ومراعاة وضع الميزانية العامة من أجل الحفاظ على نظامها السياسي وهيكلتها كدولة.

الكثير من الدول الأوربية لجأت إلى تطبيق سياسة التقشف واستطاعت النجاح في فرض هذه السياسة مع أنها لاقت في البداية الاحتجاجات العمالية الواسعة ضد هذه السياسة، وذلك من أجل خفض الديون والعجز المالي، فاليونان مثلاً عندما تعرضت للإفلاس الذي هدد أسواق المال أسرعت لتطبيق إجراءات تقشف شديدة، وهذه الأزمة المالية الحادة في اليونان أدت إلى ارتفاع معدلات البطالة في البلاد لأكثر من 26% كما عزمت الحكومة اليونانية على إصلاح نظام المعاشات لخفض تكلفته، وشددت الرقابة على التهرب الضريبي . وفي عام 2011 و2012 أعلنت الحكومة الإيطالية إجراءات تقشف لتوفير ملياري يورو، واشتملت على سلسلة اقتطاعات في الموازنة، ونصت خطة التقشف التي تبلغ قيمتها نحو 25 مليار يورو على تجميد رواتب الموظفين لـ3 سنوات، وخفض ميزانيات الوزارات بقيمة 10%، وخفض رواتب الوزراء، وفرض الضرائب على الأسهم، وبيع الدولة لبعض ممتلكاتها، وينبغي أن تتيح خطة التقشف خفض العجز في الميزانية إلى 2.7% من إجمالي الناتج الداخلي في 2012 مقابل 5.3% في 2009. وقد جاء ذلك خوفاً من انتقال العدوى اليونانية إلى إيطاليا، وقد أثارت هذه الخطة احتجاجات كبيرة وواسعة في إيطاليا. وفي إسبانيا، وافق البرلمان على خطة تقشف لخفض النفقات بمقدار 15 مليار يورو، تتضمن تقليص مرتبات العاملين في القطاع الحكومي، وكانت الحكومة الايطالية قد أعلنت عن خطة تقشف لخفض الإنفاق بمقدار 50 مليار يورو، وطبقاً للخطة الموضوعة جمّدت مرتبات العاملين في القطاع العام ابتداء من عام 2011 كما جمدت المعاشات عام 2011 ما عدا معاشات المواطنين الأشد فقراً.
هل بدأت الحكومة السورية خطة التقشف بحق المواطن؟
ما حدث في الفترات الماضية والقرارات التي صدرت عن الحكومة جعل الجميع يتساءل من دون توضيح لصورة ما يحدث!
قرارات بالجملة وصفها المواطن بالظالمة، ومنهم من وصفها بفرض شد البطون.. الصورة تتجلى لتصبح أكثر وضوحاً مع تصريحات وزير المالية الذي طالب فيها المواطن بالتقشف، وقد نفاها الوزير لاحقاً، حسب مصادر الإعلام الرسمي.. الحكومة السورية بدأت تفرض التقشف برفعها سعر المحروقات لمرتين خلال عام واحد، وهذا ما أثار الغضب في الوسط الاجتماعي وصار حديث البلد وصفحات التواصل الاجتماعي، ولحقه رفع سعر ربطة الخبز الذي كان يعتبر خطاً أحمر لسنوات طويلة، وتتالت القرارات بالجملة في القطاعات كافة وآخرها قطاع التعليم الذي لم يسلم من رفع رسوم الامتحانات وغيرها، ليثقل المواطن السوري برسوم مالية أوصلته إلى درجة الاختناق، إلى أين تمضي الحكومة؟ إن أرادت التقشف فعليها وضع خطة واضحة ومرسومة وبالأرقام كي يتقبل المواطن هذه الحالة والسياسة المفروضة من أجل رفع ميزانية البلاد والحد من الديون، لا أن تترك المواطن فريسة للذئاب المستغلة التي تنهش به من كل الجوانب، وعلى الحكومة أيضاً أن تضع خطة لتقليص الهدر العام الحاصل والذي يحصل في كل يوم، وقد أشرنا إليه في مقالات كثيرة وفاضحة وموثقة، وسنأتي على ذكر بعضها:
المديرية العامة لمرفأ طرطوس ألغت مكتب الإشراف الذي حدّ من الهدر العام لأموال الدولة وألغى الإصلاحات الخارجية الوهمية التي قررها المدير السابق للمرفأ، فعادت الإصلاحات الوهمية والهدر لأموال الدولة مرة أخرى، ومازال المسلسل مستمراً لكارثة أكبر تحدث كل يوم.
قطاع الزراعة الذي أهملته الحكومة قبل الحرب على بلادنا سورية، وأصبح هذا القطاع الذي نحن بأمس الحاجة إليه في طيات نسيان الحكومة. هذا القطاع الزراعي الذي وفر حاجات البلاد في الحصار الاقتصادي، في الثمانينات من القرن الماضي، أين دوره الآن؟ ولماذا هو مغيب ومهمل؟
فيا سيادة وزير المالية.. طلبت من المواطن أن يتقشف، هذا المواطن السوري الكادح الشريف الذي دفع ضريبة كبيرة، وكل يوم يدفع أكثر وأكثر ويعيش بأسوأ حالاته وبأسوأ من حالات التقشف، هذا المواطن يعيش مهجراً عن مدينته أو هدم بيته وشُرّد وشرد أطفاله، وقد قبل بكل هذا من أجل كرامة بلاده. اليوم بعد كل ما قامت به الحكومة من تضييق عليه هو يعيش ولم يطلب شيئاً سوى كرامته وأن يبقى في وطنه سورية رافعاً رأسه.
إن كانت الحكومة تريد التقشف فعليها أن تكون صريحة وأن تحارب الفاسدين بشفافية ضمن أروقتها والموجودين بمجالسها ينظّرون على المواطن بقرارات مجحفة!
حتى اليوم لم تستطع الحكومة السورية وضع حد للفاسدين والمستغلين من أصحاب الكازيات مثلاً ولا إجبارهم على بيع المحروقات بالسعر الحكومي النظامي!
حتى تاريخه لم تستطع الحكومة تطبيق الدستور السوري وحماية المواطن السوري من الاستغلال في المجالات كافة!
حتى تاريخه لم تطبق تسعيرات النقل ضمن المركبات وفق القرارات الحكومية.
لقد ملّ المواطن وضاق ذرعاً بالتنظيرات والقرارات التي لا تطبق تطبيقاً عادلاً!
نعم لخطة تقشف حكومية ولكن بشفافية ووضوح، ولتبدأ من مكاتب المسؤولين قبل أن تبدأ من المواطن الذي أصبح فريسة قرارات تزيده هماً على همّ. وعلى الحكومة أن تركز جهودها على تعزيز شبكات الأمن الاجتماعي والخدمي وحماية المواطن، هذه الشبكات التي نفتقد دورها للأسف في بلادنا يجب تفعيلها بقوة، كما أن على الحكومة إصلاح إدارة المؤسسات ومحاسبة المتلاعبين والفاسدين، والاستفادة من خبرة الاقتصاديين الشباب في البلاد، وبدل أن تطالب الحكومة المواطن بأن يتقشف، فإن على الحكومة، بكل شفافية، أن تبدأ بنفسها أولاً!

سيرياديلي نيوز


التعليقات