رغم أن اتساع ظاهرة معقبي المعاملات وتنوع أعمالهم ومعاملاتهم ليست بحديثة إلا أنها أصبحت أكثر انتعاشاً خلال الأزمة لجهة ارتفاع الأجور والمبالغ التي يتلقاها المعقب وزيادة استغلال حاجة الناس لإنجاز معاملاتهم خاصة لدى المناطق المتوترة أمنياً.

وللتعرف إلى الحالة ورصدها أكثر عن قرب عملت مصادر على استطلاع آراء المواطنين أمام مديريتي السجل العقاري والنقل بدمشق حيث شكلت معظم الآراء جملة من الاتهامات تدور حول تعمد معقبي المعاملات الحصول على زبائنهم من خلال اللجوء إلى تضخيم الصعوبة في إنجاز المعاملات والوقت الذي تستغرقه إضافة إلى تقاضي أجور مرتفعة تصل إلى 3 أضعاف عما كانت عليه قبل الأزمة والتلاعب بقيمة الإيصالات المالية المدفوعة، بل وصفه بأنه أحد الحلقات التي تكتمل بها دوائر الفساد لدى بعض المديريات العامة، بينما نفى معظم المعقبين الذين قابلناهم ذلك مؤكدين أن بعض المعاملات تحتاج إلى عناء وجهد كبير وأن ما يسمح لهم القيام بأعمالهم غالباً هو خبرتهم وتكرار تسيير المعاملة الواحدة لعشرات المرات.

وتشير الأرقام الصادرة عن الاتحاد العام للحرفيين وبعض الجمعيات التابعة له إلى أن عدد المعقبين المرخصين يقترب من 13 ألف معقب بينما من يمارس المهنة بشكل فعلي نحو 10 آلاف ومن خلال حسبة بسيطة تشتمل ضرب متوسط الأجر الشهري للمعقب المقدر بنحو 30 ألفاً والذي توصلنا إليه عبر إجراء جملة من التقاطعات حول دخول المعقبين بالعدد الإجمالي للعاملين في المهنة 10 آلاف تستطيع الحصول على الدخل الشهري الإجمالي لهم والبالغ 30 مليون ليرة وبتعميم هذا المبلغ على 12 شهراً سيضخم المبلغ ليصبح 3.6 مليارات ليرة سنوياً وهو الأمر الذي دعانا للوقوف أمام هذه الظاهرة.

رئيس مكتب العلاقات الخارجية في الاتحاد العام للحرفيين خالد فروخ أفاد أن الاتحاد يسعى للرفع من مستوى هذه المهنة عبر اشتراط الشهادة الثانوية وخضوع طالب العمل بها لدورة تدريبية واختبارات تحريرية وشفهية.

وإنه وفق القانون الجديد تم تحديد اسم المزاول لهذه المهنة (بمعقب المعاملات أو كاتب العرائض) وتم إلغاء التوصيف السابق (المجاز القانوني).

كما بين أنه تم تشكيل ما يشبه الضابطة العدلية بموجب المرسوم التشريعي الأخير 12 لعام 2014 الذي أعطى الحق لمجلس إدارة الجمعية في تنظيم الضبوط بحق العاملين غير المرخصين في هذه المهنة وتنظيم الضبوط وإحالتها إلى القضاء واتخاذ بحق المخالفين عقوبة الحبس التي تتراوح بين (1-3) أشهر وغرامة تصل إلى 25 ألف ليرة وتم البحث مع وزارة الداخلية عملية ضبط وتسهيل عمل المعقبين لدى الجهات التابعة لهم مثل مديريات السجل المدني ومع وزارة النقل تشكيل لجان مشتركة من موظفي النقل والجمعيات الحرفية لتنظيم عمل المعقبين لديهم.

وعن ارتفاع أجور معقبي المعاملات مؤخراً أفاد أنه مشابه إلى رفع أجور العمالة وأصحاب المهن الحرة كافة بسبب ارتفاع مستوى المعيشة وارتفاع تكاليف ومصاريف المعاملات وخاصة في ظروف الأزمة الحالية.

ولجهة التلاعب بالإيصالات المالية المدفوعة بيّن فروخ أنه ممكن أن يحدث لكن بشكل قليل بسبب عدم القدرة على تنفيذه لوجود عدة نسخ من هذه الإيصالات وظهور أي محاولة حك أو تلاعب في الإيصال علماً أنه ليس للمعقب مصلحة بذلك لأنه يضر بسمعته ويعرضه للعقوبات.

وفي حال شعور المواطن بالغبن لجهة المبالغ المالية التي دفعها للمعقب يستطيع التوجه إلى الجمعية المختصة بشكوى حيث يقوم مجلس الإدارة بالتحقق من ذلك عبر دراسة الحالة والتقصي عن حالة الخلل وإعادة الحق له بحال وجود أجور زائدة.

من جانبه أوضح رئيس جمعية معقبي المعاملات في ريف دمشق محمد سعد بأن معظم المعقبين الحائزين تراخيص هم ملتزمون ومنضبطون، لكن هناك بعض الموظفين الذين يسمحون لبعض الأشخاص بمزاولة المهنة دون ترخيص مقابل مبالغ مالية يتفق عليها بينهم وأن كل ما يقال ويشاع عن معقبي المعاملات هي ملاحظات فردية وخاصة تتعلق بالشخص (المعقب) نفسه أو تتعلق بالأشخاص الذين يزاولون المهنة دون ترخيص وأن المعقب يقدم خدمات للمواطن لا يستطيع أن يتحصل عليها بسبب خبرة المعقب وتكرار إنجازه للمعاملات حيث يختصر عليه الوقت والجهد ويريحه من حالة الروتين والترهل الإداري السائدة إضافة إلى تحمل مزاجية الموظف.

وفي محاولة «الوطن» لمعرفة الرأي الإداري والأكاديمي حول صحة هذه الظاهرة حتى تعمل الدولة على رعايتها توجهنا إلى عميد المعهد العالي للتنمية الإدارية في جامعة دمشق الدكتور أسامة فراج الذي رأى أنه في البداية لا بد من تعريف معقب المعاملات بأنه شخص لديه اطلاع ومعرفة تامة في الدورة المستندية للمعاملة أو قيد التنفيذ والمطلوب إنجازها، ولأن طالب الخدمة يجهل هذه الدورة يعهد إلى هذا الشخص ليحل محله في إتمام أعماله مقابل أجر يتفق عليه.

وهذا مؤشر إلى خلل واضح في النواحي الإدارية والتنظيمية لدى المنظمات أو المؤسسات التي تقدم الخدمات للمواطنين، يضاف إليه عوامل يكون فيها خلق الظاهرة مقصوداً من العاملين في عقد الدورة المستندية، عبر العمل على استثمار هذه العقد واستغلالها في ابتزاز طالب الخدمة.

ويشير الدكتور فراج إلى أنه وعلى الرغم من قيام بعض المؤسسات المعنية بتقديم الخدمات للمواطنين في إظهار الخدمات التي تقدمها وتحديد الأوراق المطلوبة لذلك، إلا أنه عادة ما يغيب إظهار خطوات ومسار إنجاز المعاملة أو الخدمة وتوضيح الدورة المستندية لها، الأمر الذي يسهم في عدم دراية طالب الخدمة في كيفية إنجاز معاملته والحاجة إلى وسيط (معقب معاملات).

وعن الحلول يرى الدكتور فراج أن هذه الظاهرة تنتهي تماماً لدى وصولنا إلى حكومة إلكترونية، لكن وبما أن ذلك ليس متاحاً حالياً يمكن التركيز على مبدأ النافذة الواحدة وتفعيلها بشكل صحيح بالتزامن مع تبسيط الإجراءات الإدارية عبر التخلص من عقد الدورة المستندية وحذف جميع الخطوات غير الضرورية فيها ومن ثم اختصار عدد خطواتها والسرعة في إنجازها.

سيريا ديلي نيوز - الوطن

التعليقات