في كل يوم نقرأ توجيهاً أو إجراءً جديداً تقوم به الجهات المعنية من أجل ضبط تعرفة النقل بالنسبة للسرافيس وباصات النقل الداخلي و(التكاسي)، ولا يخفى على أحد أن التنقل أصبح يكلف الأسر الكثير من المال، فمتوسط ما تدفعه الأسر التي تقطن بالقرب من دوائر عملها يبلغ نحو 4 آلاف ليرة أجرة للتنقل فقط، في حين أن الذين يقطنون في الأرياف يدفعون أضعاف هذا المبلغ، ومؤخراً خُفّض سعر البنزين 5 ليرات لليتر، إذ أصبح بـ135 ليرة، إلا أن السؤال هنا هو: هل ستقوم الجهات المعنية بإصدار تعرفة جديدة لكل وسائل النقل في حال خفض أو رفع سعر البنزين أو المازوت؟.. ذلك أنه يتم تسعير هاتين المادتين، إضافة إلى الفيول حسب الأسعار العالمية، كما أن هذه ال5 ليرات التي خفضت بطبيعة الحال كانت تأخذها محطة الوقود كإكرامية على كل ليتر، أي كأنه لم يتم خفض السعر أساساً.

ولا شك أنه بعد الرفع الأخير لأسعار المازوت والبنزين أصبحت هناك فوضى ومزاجية في وضع تعرفة النقل، حتى أن رئيس مجلس الوزراء وجّه مؤخراً بضرورة مراقبة أسعار النقل الداخلي كلها، لمنع وجود فوضى في الأسعار، وأكّد في حديثه الموجه إلى وزير التجارة الداخلية، حسان صفية، والجهات المعنية، أهمية اتخاذ أقصى العقوبات الرادعة بحقّ المخالفين.

كما اتخذت محافظة ريف دمشق خطوات من أجل مراقبة الخطوط وضبط تعرفة جميع وسائل النقل، فقامت بتشكيل فريق عمل ميداني مهمته متابعة تعرفة النقل وضبط حركة الآليات العامة والتزامها بتسعيرة النقل الجديدة، مع الإشارة إلى أن مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك في ريف دمشق نظمت خلال الأسبوع الماضي 50 مخالفة بحق السائقين المتجاوزين تعرفة الركوب الأخيرة، وتم اتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم.

معاون مدير التجارة الداخلية وحماية المستهلك في دمشق أوضح في تصريح له أنه من إجمالي عدد الضبوط المنظمة بحق وسائط النقل، كان نصيب واحدة من شركات النقل الخاصة أكثر من 82 ضبطاً، لعدم التزامها بالتعرفة، مؤكداً أنَّ دوريات الرقابة ستستمر بعملها بمراقبة الشركات التي لا تلتزم بالتعرفة الرسمية وتنظيم الضبوط بحقها، لافتا إلى إنَّ جميع شركات النقل الداخلي الخاصة تعهدت خطياً بالالتزام بالتعرفة، ولكن بعض هذه الشركات ما زالت تبدي عدم التزامها، وتتقاضى زيادة على التعرفة المحددة للخطوط القصيرة والطويلة بمقدار خمس أو عشر ليرات.

ثلث الراتب للتنقل

أحد الموظفين في القطاع العام ذكر لـ(النور) أنه يتقاضى راتباً بحدود 18 ألف ليرة شهرياً لأنه جديد في العمل، لافتاً إلى أنه يدفع يوميا نحو 200 ليرة لكي يصل إلى مكان عمله، أي أنه يدفع شهرياً نحو 6 آلاف ليرة سورية ما يشكل نحو ثلث راتبه.

وسأل: (كيف للموظف أن يعيش ببقية راتبه؟ وهل 12 ألف ليرة المتبقية من الراتب قادرة على تلبية جميع احتياجات الموظف بمفرده فقط؟.. وكيف لمن لديه أسرة أن يلبي احتياجات أسرته وخاصة مع ارتفاع أسعار جميع السلع والمواد في السوق؟).

وأشار إلى أن كل شيء ارتفع سعره، إلا الرواتب لا تزال على حالها، بل على العكس تتناقص يوماً بعد يوم، كون الأسعار تشهد ارتفاعاً، فأجور المكالمات الهاتفية ارتفعت، والفواتير والضرائب وأجور النقل كلها ارتفعت لأضعاف، وأسعار الكهرباء وأسعار المازوت والبنزين والغاز، والزيوت والسمون قفزت، والمعلبات والأرز والسكر والبرغل والعدس ومختلف السلع الغذائية ارتفعت بنسب مخيفة، متسائلا: (ألا تدري الحكومة بهذه الارتفاعات؟! ألم يسأل فريقها الاقتصادي أو من يتخذ القرارات التي تمس الحياة المعيشية للأسر كيف لذوي الدخل المحدود أن يجابهوا الارتفاعات المتتالية في الأسعار في دخل تتراجع قدرته الشرائية يوماً بعد يوم؟.. أين توفير الوظائف للعاطلين عن العمل؟! وأين هو تعويض الأسر عن هذه الارتفاعات؟.. ألم يسأل الفريق الاقتصادي في الحكومة كيف للاسر أن تحصل على الدفء هذا الشتاء وخاصة مع رفع أسعار المازوت وندرته؟).

ولفت الموظف إلى أن الحكومة تواجه تحديات مادية حقيقية تمخضت عن الأزمة الراهنة، ولكن ليس من الضرورة أن تتجه إلى رفع أسعار السلع والخدمات التي تمس حياة المواطنين وبجميع شرائحهم، فيمكنها أن ترفع الضرائب على السلع الكمالية وعلى شرائح معينة، لافتاً إلى أن ما بقي من الراتب يذهب إلى وجبات الطعام التي يتناولها وعلى هاتفه الجوال فقط، أي أنه لم يدخّر منه أي شيء لمستقبله كما يقول، مضيفاً (كيف لي أن أكوّن أسرة وأنا حالياً أحتاج إلى أكثر من 30 الف ليرة شهرياً لتغطية احتياجاتي الشخصية فقط؟).

وسائل نقل جماعية بتعرفة مدعومة

أخيراً ما نود الإشارة إليه أن النقل يعتبر جزءاً من احتياجات المواطن اليومية، ولكن هناك احتياجات لا تقل أهمية عنه، مثل الملبس والطعام والسكن ومصاريف الصحة والتعليم والضرورات الأخرى، وفي حال كان النقل يأخذ هذا الكمّ الكبير من الدخل، فكيف لدخل الأسرة أن يبقى صامداً لنهاية الشهر؟، ولماذا لا تقوم الحكومة بوضع أسطول من وسائل النقل الجماعي على الخطوط الأكثر حيوية والأكثر ازدحاماً، وتكون تعرفتها مدعومة للمواطنين كدور اجتماعي تقوم به الحكومة، أو كجزء من تعويض تحريك أسعار المشتقات النفطية الأخير، ذلك أنها بهذه الخطوة تستطيع أن تخفف من الازدحام، وأن تكون منافسة لبقية وسائل النقل، وأن تخفف من وطأة أجور النقل على دخول الأسر قدر الإمكان، وصحيح أن هذا الأمر من شأنه أن يكلف الحكومة مادياً، إلا أن ذلك يعتبر استثماراً ناجحاً حالياً وفي المستقبل أيضاً، وتخفيفاً عن المواطن بالوقت نفسه، ويمكن لها أن تتوسع إلى الأرياف التي تعتبر الأكثر حاجة لهذا النوع من وسائل النقل كون التعرفة مرتفعة في تلك المناطق.

صحيح أن الحكومة تواجه ضعفاً في الإيرادات نتيجة الأزمة الراهنة، وأن هناك فوات عائدات كبير، إلا أنه يجب أن تعمل على تحريك أجور الموظفين قدر الإمكان، وتوفير فرص عمل للعاطلين عن العمل، ودعم الإنتاج المحلي لمنع استمرار التضخم الحالي، ولا يتم ذلك إلا بتطبيق الخطوات الثلاث السابقة لأن القدرة الشرائية أصبحت ضعيفة بشكل كبير.

تعرفة مزاجية

السرافيس والتكاسي وباصات النقل الداخلي مازالت تفرض التعرفة وفق مزاجها وليس وفق التعرفة المحددة لها، فرغم كل الإجراءات السابقة من مراقبة الخطوط وتأمين المازوت لوسائل النقل العام، إلا أن ذلك لم يجد نفعاً في مواجهة جشع الكثير من وسائل النقل العامة حتى الآن.

فمثلاً الكثير من السرافيس التي تعمل على خطوط ريف دمشق مازالت تتقاضى أجوراً تزيد عن تعرفتها المحددة بنحو 40 ليرة، فهناك سرافيس تأخذ نحو 100 ليرة من الراكب، في حين أن تعرفتها هي 60 ليرة، أما في دمشق فأصبحت أقل مسافة تكلف الراكب ما لا يقل عن 30 بأي وسيلة نقل كانت، وهناك بعض باصات النقل الداخلي تأخذ تعرفة 35 ليرة على الراكب الواحد، السرافيس أيضاً مازالت تأخذ تعرفة متذبذبة، فتارة تأخذ 20 ليرة وأخرى تأخذ 25 ليرة، أما (التكاسي) فأصبحت لذوي الدخل المرتفع فقط، وأصبحت شبه متعطلة عن العمل لارتفاع تعرفتها كثيراً، وأصبحت رياضة المشي هي الأكثر ممارسة لدى معظم ذوي الدخل المحدود.

سيرياديلي نيوز


التعليقات