انعكست الأوضاع في سوريا منذآذار 2011 ولغاية اللحظة الراهنة بشكل دراماتيكي على الاقتصاد السوري، ومن المتوقع أن تبقى الحصيلة النهائية لتلك الانعكاسات محصلة تقديرية، إذ يعترف مختلف المعنيين بدراسة تأثير الأزمة على الاقتصاد بصعوبة الوصول إلى أرقام حقيقية لمجمل الخسائر، وهو ما تؤكده الدراسة التي قامت بها اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا التابعة للأمم المتحدة، وجاءت الدراسة بعنوان "الأهداف الإنمائية للألفية في الجمهورية العربية السورية 2013 ".

وبحسب تقارير عديدة اقتصادية وإعلامية فإن حالة الاقتصاد السوري تختلف من مدينة إلى أخرى، لكن مؤشرات الاقتصاد الكلي هي مؤشرات كافية لإبراز الكارثة التي لحقت بسوريا، ولن يكون من الصعب تجاوزها بسهولة، حتى لو قدر للأزمة السورية أن تشهد حلاً سياسياً، وهو ما لا يبدو أنه يلوح في الأفق في الوقت الحالي، ويعتقد بأن مجموع خسائر الاقتصاد السوري هي أكثر من 130 مليار دولار.

رأى الجميع آثار الخراب في البنية التحتية التي لحقت بمدينة حمص القديمة بعد انسحاب المقاتلين منها في 6 من الشهر الجاري، كما كانت وسائل الإعلام المرئية قد نقلت على مدار أكثر من عامين الخراب الذي لحق بمدن وبلدات سورية كثيرة، ويصعب وضع أرقام وجداول بيانات مؤكدة عن حجم الدمار في البنية العمرانية، وتكلفة الخسائر التي لحقت بهذه البنية.

ويجمع الخبراء الاقتصاديون على أن عام 2013 كان هو الأسوأ من بين السنوات الثلاث الماضية، وذلك لأسباب رئيسية، وفي مقدمتها امتداد النزاع المسلح إلى أماكن جديدة، واتخاذه طابعاً عنيفاً غير مسبوق في عامي 2011 و2012 ، ونزوح أعداد كبيرة من المدن والبلدات، ما يعني تراجعاً حاداً في الاقتصاد المحلي لتلك المدن، وتراجع في الاقتصاد الكلي.

وبالطبع، فإن الكثير من شركات القطاع الخاص أغلقت أبوابها، وسرحت عمالها، فلم يعد من السهولة بمكان تأمين المواد الأولية للكثير من الصناعات، كما أن طرق نقل البضائع لم تعد آمنة، بالإضافة إلى أن العاملين أنفسهم لم يعودوا قادرين على الوصول إلى أماكن عملهم، بالإضافة إلى المعاناة الشديدة في مجال الطاقة (نفط- غاز- كهرباء)، وقد نقل الكثير من الصناعيين أعمالهم إلى دول مجاورة، مثل تركيا، والأردن، ولبنان، وقبل ذلك، كان البعض قد نقل أعماله إلى مصر منذ بداية الأزمة، وهو ما أثر بشكل تلقائي على حجم الصادرات السورية إلى الخارج.

ولغياب المؤشرات الحقيقية، فإن تقرير اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا يشير إلى أن "العجز (الحقيقي) للحكومة يمكن أن يكون قد وصل إلى 43.12% في العام 2013" ويضيف التقرير "وعلى افتراض أن الحكومة لم تكن لديها مجالات للتوسع في الاقتراض الخارجي لتغطية هذا العجز (باستثناء حصولها على 3.7 مليارات من إيران)، فإن التوسع في الاستدانة من الداخل ربما وصل إلى39% من الناتج المحلّي الاجمالي. وكتصوّر بديل، وكما يعتقد المراقبون، فإن المصرف المركزي لم يستنفذ بعد كل مدخراته من القطع الأجنبي (1.895 مليون دولار، حسب تقديرات وحدة الإكونومست للاستخبارات الاقتصادية) لتمويل الواردات، ولا يزال العجز المالي في حدود الموازنة الرسميّة ،أي نحو 17% في العام 2013".

وشهد القطاع المالي في سورية أضرار كبيرة بسبب العقوبات المفروضة على سوريا، وهو ما أثر على أنشطة البنوك السورية، وعلى زيادة عدد القروض المتعثرة، والتي ارتفعت من نسبة 3% في عام 2010 إلى 41% في الربع الثالث من عام 2013.

ومن القطاعات التي شهدت أضراراً فادحة قطاع النقل، فقد خسرت سورية جزءاً كبيراً من البنية التحتية لهذا القطاع، وباتت الكثير من الطرق خارج الاستعمال، وقد أثرت الأوضاع الميدانية على حركة عبور الناس والبضائع بين المدن، وهو ما أدى إلى وقوع خسائر كبيرة في هذا القطاع، وتوقف القسم الأكبر من شركات النقل عن العمل، خاصة أن العديد من الحافلات تعرض لأضرار جسيمة، ما جعلها خارج الخدمة.

كارثة العاصمة الاقتصادية

تعد حلب العاصمة الاقتصادية لسورية، واكتسبت أهمية كبيرة في مجال الصناعات المختلفة، كما ضمت حلب الكثير من الأسواق الشهيرة ( سوق خان الحرير، سوق الجمرك، سوق العطارين، خان الشونة، وغيرها الكثير من الأسواق)، كما أقيم في المدينة أول خط للسكة الحديد (سكة حديد بغداد) في عام 1919، وقد تمكنت حلب من دور مهم في تاريخ الاقتصاد السوري الحديث، حتى أنها سميت بالعاصمة الاقتصادية للبلاد، وشهدت خلال الأعوام الثلاث الماضية دماراً كبيراً في بنيتها التحتية، وأصبحت مركزاً أساسياً للمعارضة المسلحة، وما زال النظام السوري يركز بشكل مكثف على المدينة، وهو ما جعل المدينة تتصدر قائمة المدن السورية من حيث الخسائر في مجمل القطاعات والأنشطة الاقتصادية، بالإضافة إلى الدمار الكبير الذي لحق بالمدينة من مبانٍ وطرقات، ومصانع، وأسواق، ومرافق.

أما مدينة الشيخ نجار الصناعية في حلب فهي من أكبر المدن الصناعية في سورية، ووصلت القيمة الاستثماريّة لمنشأة التشغيل في الشيخ نجّار (618 منشأة) لنحو 128 مليار ليرة سورية (ما يعادل 2.8 مليار دولار تقريبا) ما يشكّل 48% من قيمة الاستثمارات في سورية، وشكلت صناعة النسيج حوالي 22% من مجمل الأنشطة الصناعية في مدينة الشيخ نجار، وتم توثيق دمار أكثر من 720 منشأة خاصة في حلب، ومنها 109 منشآت في مدينة الشيخ نجار، وقدرت أضرار المنشآت الصناعية في حلب بحوالي 4.3 مليار دولار، أما القطاع الأكثر تضرراً فهو قطاع النسيج (حوالي 62% من مجمل الأضرار التي لحقت بالصناعات في حلب).

سيرياديلي نيوز


التعليقات