سيرياديلي نيوز - عبد الرحمن تيشوري

اكتب دائما في الشأن العام وفي الادارة والسياسة ومنذ 15 عام واحيانا اعيد نشر مقالات كتبتها منذ عشر سنوات وصالحة للنشر اليوم وكأن شيئا لم يتغير واعيد هنا تكرار افكار طرحتها ودافعت عنها

بإختصار شديد لن تنجح الحكومة السورية الجديدة إلا إذا نجحنا نحن في تنظيم أنفسنا وفى أداء عملنا  - المسؤولين – المديرين والمحافظين والوزراء ورؤوساء الاجهزة وامناء الفروع - وساعدناها حتى تساعدنا, لننهي عصر الواسطات والمحسوبيات والهدر في المال العام وتهميش وحرمان الكفاءات من الفرص، والالتفاف على القوانين إرضاء للمصالح الشخصية التي تضر بمصلحة الوطن والمواطن, وندخل الى عصر المشاركة  في بناء الوطن ورقيه.
من الضروري أن نختار المستقبل السوري الجديد الافضل وليس الماضي، وأن نختار لأنفسنا ولأبنائنا وأحفادنا التقدم وليس الرجوع إلى الوراء، وأن نختار البناء وليس الهدم، ومن المتصور أن ننشغل هذه الأيام  في الصورة الجديدة للحكومة القادمة ومواصفاتها، وماذا نريد منها، وكيف تبني مؤسسات قوية وجديدة؟، وأن يكون أمامها مهام محددة معلنة وفق برنامج زمني تمثل عقداً إجتماعياً بينها وبين الشعب تنتقل بسوريا إلى مكانة جديدة جديرة بها في المنطقة والعالم وتحقق أحلام الناس.
إن المسألة التي لا يمكن القفز عنها هي أن سوريا رغم خصوصية أوضاعها، فإنها ليست حالة إستثنائية، فهي تشارك الدول والمجتمعات العربية الأخرى في حقيقة أنها لم تعد قادرة على مواصلة العيش وفق الطرائق والأساليب القديمة، وهي تتطلع إلى التغيير وتتوقعه، وكلما سارعت الحكومة إلى التجاوب مع هذا التطلع، تفادت الوصول إليه بالطريقة الصعبة.
فالقضية تحتاج حكومة قوية فدائية لا تهتز ولا تحيد عن طريق تحقيق تلك الرؤية الإستراتيجية ولديها الكفاءة والجرأة على اتخاذ القرارات مهما كانت صعبة بلا تردد أو تسويف وفقاً لبرنامج زمني معلن، وعلاوة على ذلك وعي شعبي ورأي عام مساند لتلك الرؤية الإستراتيجية ومتفهم المصاعب ومتحمل لها طالما كانت في إطار التنمية والعدالة الاجتماعية.
وبإختصار أيضاً فإن نجاح الحكومة يرتبط بالوزراء ونوابهم ومعاونيهم ومستشاريهم الذين سيعملون معها، ويأتي أهمية ذلك ليس فقط العمل الجاد ومواجهة الملفات الساخنة فحسب ولكن القضية أكبر من ذلك وأصعب فهي توفير متطلبات شعب ووطن تغيرت مواصفاته وسماته جاءت عقب تغييرات كبيرة إتسمت بالعنف خلال أكثر من ثلاثة سنوات ونصف، ولذا لابد من إدراك أن التغيرات السياسية والإجتماعية والإقتصادية التي شهدنها الأزمة لعبت دوراً في إعادة تشكيل المجتمع السوري وصورته ومكوناته وسلوكياته بشكل مغاير تماماً لما كانت عليه قبل الأزمة ومن هنا  فإن من أهم الأسئلة التي تثار اليوم  يدور حول كيفية قيادة شعب جريء وتمرد طرأت عليه هذه التحولات، وإعادة إكتشاف معنى الحكومة ومسئولياتها ودورها الجديد.
مشكلة الحكومات التي جاءت خلال الأزمة هي ضعف فاعليتها، ولذلك فالخطوة الأهم لضمان نجاحها هي صياغة وتحديد الأهداف المرحلية والمستقبلية وترجمتها الى خطط وبرامج قابلة للتنفيذ، ومن المهم الآن أن تعود عجلة الإنتاج إلى الدوران، وهذا يحتاج إلى الكثير من المجهود ومن المساعدة ومن الكفاءة في الإدارة ومن هذا المنطلق :
نريد حكومة تهاجم المشكلات، وتنقض على الأزمات وتبحث عن الأكفأ، وتتخذ القرار الصحيح بسرعة ودون تردد، حكومة تخرج الإقتصاد من إرتباكه وتعالج ارتفاع الأسعار وتبث الروح في البلد الذي يحوي إمكانات بشرية واقتصادية هائلة غير مستثمرة.
نريد حكومة تمكين للنمو والعدالة الإجتماعية من خلال تحديد معدل النمو المطلوب وضمان عدالة توزيعه وتفعيل الأنشطة المختلفة وزيادة الإستثمارات وضغط نفقات الحكومة وتوفير البنية والبيئة القانونية والاستقرار والأمن لإستقطاب وإعادة الإستثمارات الهاربة وبدء إصلاح حقيقي ومحاربة الفساد، وزيادة الإنفاق على التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية .
نريد حكومة جديدة في فكرها، في رؤيتها، في طاقمها، وان تكون قوية شجاعة تتعامل مع المواطن بكل رحابة صدر وإحترام لحقوقه قبل أن تطالبه بالواجبات، وألا تتحالف مع أحد ضد أحد وأن تقف من الكل بمسافة واحدة وتسعى الى إشاعة الطمأنينة في المجتمع.
نريد حكومة لا تتهم من يختلف معها في الرأي بأنه خصم، بل تعتبره شريكاً وعنده وجهة نظرتأخذ بها اذا كان خبيرا، وان يكون لديها جدول زمني واضح لأهدافها وان تسوق أفكارها لتجلب لها التأييد الشعبي قبل التأييد البرلماني،  ولا نريد حكومة تقدم الوعود ولا تسعى لتحقيقها، وترفع شعار الإصلاح ولا تلتزم به وهي بمثل هذا السلوك تخسر مؤيديها،  ولا نريد حكومة تعمل بردود الأفعال وتسوف وتكذب وإنما وفق سياسة معتدلة تراعي فيها المصلحة الوطنية العليا وليس مصالح فئة أو شريحة على أخرى، وأن يبتعد كل وزير وكل مسؤول حكومي عن الغرور ويتواضع في تعامله مع الناس ويملأ منصبه (الفارغ) بالعمل وينزل إلى الشارع ليلتقي الناس فيه بدل أن يأتوا إليه... الخ.‏
وفي إطار ما سبق ينبغي أن يكون هناك توصيف محدد لمهام الحكومة نتصوره في عدة محاور أساسية هي التخطيط والمتابعة والإشراف على جميع الخدمات الصحية والتعليمية وإستحداث المؤسسات الضامنة لجودة واعتماد الخدمات والمرافق الصحية والتعليمية، كما تقوم بتعديل القوانين الاقتصادية القائمة بما يحقق النمو المطلوب والمحاسبة والشفافية والانضباط، وعليها كذلك وضع مختلف السياسات الإقتصادية والمالية والصحية والتعليمية والزراعية والصناعية بشكل واضح ومستقر وعادل

وعليها افراد جانب كبير للاصلاح الاداري والمعهد الوطني للادارة ولا بأس نائب اقتصادي ونائب مخول الاصلاح الاداري .
نعلم أن المرحلة القادمة صعبة جداً جدا لما تحمله من مشاكل ومعضلات ومعوقات في كل مناحي الحياة وكافة المجالات والتي أفرزها الأزمة في سوريا على مدى أكثر من ثلاثة سنوات عاشها شعبنا ولا يزال يعيشها ويعاني منها حتى الآن، لذلك نحن أمام مرحلة جديدة نعلق عليها الآمال والأمنيات بطي صفحة الماضي  والتمسك بالتفاؤل لصنع الغد المشرق.
وأخيراً ربما أستطيع القول إن المرحلة الحرجة التي تمر بها سوريا تدعونا لتغليب المصلحة العامة وحث الجميع على الإنجاز لإجتياز مرحلة الإحباط والركود، وبالتالي فإن وضع المجتمع السوري على سكة النهضة الشاملة المطلوبة يتوقف على قدرتنا في أن نشجع جميع الأفراد على تحمل مسؤوليتهم والمشاركة من موقعهم في العمل على التغيير وهذا يستدعي تغييراً في أخلاقيات المجتمع واستعادته لقيم الصدق والصراحة والأمانة.

يجب بناء سورية من جديد
يجب بناء ادارة جديدة
واعلام جديد يطور القائم
وقضاء جديد افضل من الحالي

واحزاب جديدة افضل من السابقة
يجب تحقيق اختراق في مؤسسة الادارة لاجتثاث الفساد
اختراق مؤسسات الفساد والحزب والادارات القديمة الفاسدة والبحث عن سياسيين منحدرين من الادارة كفيل بانجاز الاصلاحات
اختراق هذه المؤسسات الثلاث (الحزب – الفساد – الادارة -) التي ذكرتها مهمة صعبة تنتظر سيادة الرئيس بشار الأسد وتنتظر مجلس الشعب والحكومة الجديدة والقيادة الحزبية الجديدة  ايضا، لكني أؤمن مخلصاً وصريحاً بأن التحدي الأكبر لهذا الشاب الثقة المتحمس لخدمة بلده ونظامه وشعبه وجيشه هو في قدرته على تشكيل قاعدة شبابية شعبية له اعرض وأوسع من الأطر والقواعد التي اعتمدت الى الان .
بشار الأسد الشاب الوطني العصري القائد والزعيم  بحاجة إلى أكثر من أشخاص واكثر من حكومة ، بحاجة إلى جيل سوري كامل يعتمد عليه والى أطر من المثقفين والخبراء والمستشارين والمساعدين يحيطون به ، والى صحافة جديدة وغير رسمية تملك الجرأة على القول وعلى الاختلاف ، وعلى تحمل المسؤولية في ممارسة النقد ومتابعة التخطيط والتنفيذ ، ثم هو بحاجة إلى قضاء نزيه ومستقل ، والى إعادة الحياة إلى أجهزة المراقبة والمحاسبة في الدولة والى احالة الفكر القديم الى التقاعد والى استثمار خريجي المعهد الوطني للادارة وكل الكفاءات السورية في الداخل والخارج.

سيرياديلي نيوز


التعليقات