أكد الباحث الاقتصادي الدكتور قيس خضر أنه من وجهة تحليلية نقدية يمكن مقاربة موضوع طباعة العملة الجديدة من ثلاث زوايا، الزاوية الأولى تقول بأن الدول تلجأ دورياً إلى طباعة العملة وهذا قول حق في سياق النمو والتطور الاقتصادي ذلك أنه يفترض أن تتوازن الكتلة النقدية من جهة مع الكتلة العينية من جهة أخرى.

وأشار خضر إلى أن حجم الكتلة النقدية المطروح في أي سوق من أسواق الدول ينبغي أن يأتي كارتفاع للإنتاج السلعي والمادي الموجود في سوق هذه الدولة، وبشكل طبيعي فإنه مع تطور إنتاج الدول يجب أن يتزايد حجم العملة المناسبة لتغطية التطور في النتاج المادي العيني والنقدي، وهذا هو السياق الطبيعي لإنتاج العملة من وجهة نظر اقتصادية.

ولفت إلى أن الزاوية الأخرى هي تقنية بحتة، بمعنى أن ما يحدث هي عملية استبدال العملة المهترئة بعملة أخرى تحل محلها، «ولا معنى من وجهة نظر اقتصادية ونقدية لهذا التغيير على الإطلاق أي إنه لن يترتب على هذا الإجراء أي معطيات نقدية أو مالية أو على الصعيد المركزي».

فإذا ما صحت دعوة مصرف سورية المركزي بأن ما يحدث هو عملية استبدال وإحلال لفئات موجودة بفئات أخرى، أي أخذ كتلة نقدية معينة وسحبها من التداول ووضع كتلة أخرى محلها، فلن يكون هناك أي تأثير تضخمي أو تأثير على التوازن القائم وفق «المعادلة الكمية في النقود» وذلك إذا ما بقيت القضية حقاً كما يدعي المركزي بأنها عملية استبدال.

وبيّن الباحث خضر أن الزاوية الثالثة، وهي التي قد تؤرق البعض تسمى «التسهيل الكمي» وهو المصطلح الأدبي الحديث لما يسمى «التمويل بالعجز» أي إصدار كميات نقدية إضافية من أجل تغطية النفقات العامة للدولة حيث لا يتوافر للدولة إيرادات ومصادر كافية تقوم بطباعة العملة من أجل تمويل نفقاتها.

وأكد أن هذا ما يثير الكثير من التساؤلات، وهو ما يقف عنده المحلل الاقتصادي.. ولعله الوجه الأكثر إثارة للخوف في هذه النقطة، أي إن هذه الطباعة إذا كانت من أجل التمويل بالعجز وليس استبدال عملة بعملة أخرى، وإنما ضخها وبكميات إضافية لن تجد مقابلها من السلع والخدمات، فستكون هنا لدينا كتلة كبيرة من الكتلة النقدية سوف تطارد حجماً محدوداً من السلع والخدمات ما سيؤدي بشكل مباشر إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات.

أي إنه يمكن علينا انتظار موجة تضخمية على شكل ارتفاعات في الأسعار إذا ما كانت العملة المطروحة تأتي في سياق ضخ عملة وكتلة نقدية جديدة دون كتلة مقابلة لها في السوق. وهذا هو وجه الخطورة في الموضوع.

إلا أن هناك ثمة مخرج تحليلي وفق النظريات الاقتصادية تقول بأنه حتى مع وجود تسهيل كمي من النقد «فإن تم توجيه هذه العملة المضافة إلى وجهات قادرة على خلق قيمة مضافة فإن مرحلة التضخم ستحدث، وهي من الحالات النادرة تحت مسمى التضخم الإيجابي وهو تضخم مرحلي على أنه أمام نتائجه المنتظرة يمكن للاقتصاد السوري تحمّل وتقبّل هذا العارض التضخمي المرحلي والمؤقت».

وحول تصريح المركزي عن دراسته إصدار ورقة العملة من فئة 2000 ليرة ولكنه لم يقرر بعد قال خضر:  لا يمكن لأي متابع أن يخفي أو يتغاضى عن مسألة انخفاض القوة الشرائية للعملة السورية نتيجة ما أفرزته الأزمة، وهو ما يقتضي زيادة قيمة الفئات النقدية المتداولة.

فالتفكير بإنتاج عملة جديدة من هذا النوع لا يمكن إغفاله عن انخفاض القوة الشرائية لليرة السورية وهذا من وجهة نظر القوة الشرائية، ولكن طباعة فئة 2000 ليرة هي مؤشر على إقرار السلطات النقدية بانخفاض القوة الشرائية للعملة السورية، وعلى ما يبدو فإن هناك ثمة قناعة بأن القوة الشرائية لليرة السورية لن تعود إلى سابق عهدها أقله في المدى القريب، وبالتالي فإن التفكير الجدي بات بالتعامل الحالي مع الوضع على أنه تعامل مع الأمر الواقع.

وأضاف: هناك من قال بأنه سيعيد الليرة وأسعار الصرف إلى سابق عهدها، فإذا كانت لديه القدرة على إعادة حدود الصرف إلى حدود 100 ليرة سورية مقابل الدولار الواحد فأكاد أجزم أنه ليست هناك ثمة حاجة لإدخال فئة 2000 ليرة سورية.

إذا كانت هناك قدرة على إعادة ضبط السوق السورية من أجل إنتاج سوق نظامية تتقابل فيه كتلة الرواتب والأجور بشكل متواز فإنه ما من داع لطباعة فئة الـ2000 ليرة.

لكن ما يبدو حتى الآن هو رفع الدعم التدريجي عن السلع وبالتالي تحرير أسعار تدريجية ما سيخفض من مستوى القوة الشرائية بشكل حقيقي، وهذا ما ينسجم مع الخطوات التي اتخذتها الحكومة مؤخراً في رفع الدعم الجزئي عن بعض أنواع السلع، وبالتالي يبدو أنه ليس هناك أفق لإعادة إحياء القوة الشرائية عما كانت عليه قبل الأزمة، «ولكي لا نتجنى على الفريق الاقتصادي فإن هذا يحتاج إلى تسويق اقتصادي دقيق جداً أي تسويق هذه الفكرة للمواطن وللمحلل وللصحفي، كما يجب أن تكون الأفكار ناضجة عند صانع القرار».

سيريا ديلي نيوز - الوطن


التعليقات