منذ اسابيع، والشارع السوري يقول بزيادة مرتقبة في الرواتب والأجور بنسبة 50% بعد الانتخابات الرئاسية، وهذه "الشائعات" - كما يصفها المسؤولون في تصريحاتهم – لم تكن شريحة الموظفين مَصدَرها، وإنما كانوا المسوقين لها، على اعتبارها انتصاراً لهم، متناسين أنه انتصار وهمي سيسقط مع أول موجة ارتفاع في الاسعار، متحدثين عن معادلة مرتقبة تقايض بين المشتقات النفطية والرواتب، فالزيادة في الاجور سيتبعها ارتفاع حتمي في أسعار المحروقات..

هذه المعادلة أخذت تبدو أقرب إلى الواقع منها إلى الشائعة بعد انتشار الحديث الشعبي والإعلامي عن زيادة في أسعار المشتقات النفطية، وخاصة مادتي المازوت والغاز بعد حين، ليصل الامر إلى المساس بالخطوط الحمراء على اعتبارها أخر تلك الشائعات، كما تدعي المصادر الحكومية أو المسؤولين على الدوام، ولكن إذا ما أصر البعض على فرضية كونها مجرد شائعات، وبغض النظر عن مقولة "مافي دخان بلا نار" التي تنبئ بالعكس تماماً، فمن حقنا أن نتساءل: من هو مُصدِر كل تلك الشائعات؟! ومن هو القادر عن نشر ثلاث شائعات ذات ارتباط وثيق ببعضها من جهة، وبتلاشي الدعم الحكومي من جهة أخرى في زمن استثنائي؟! ومن صاحب المصلحة في نشر تلك الشائعات؟! ولما لا يمكن القول إن تلك الشائعات هي نصف الحقيقة على اعتبارها في أحسن الاحوال محاولة لجس نبض الشارع السوري، وهذا ليس من باب أخذ الرأي، فرأي المواطن ليس في حسابات صانعي القرار الاقتصادي، ومنذ متى يؤخذ برأي هذا المواطن أصلاً، بل إن القضية لا تتعدى كونها مجرد سعي لتهيئة الظروف الضرورية لتقبل تلك الزيادة برحابة صدر لدى الشارع السوري ليس إلا، وإن لم يكن التقبل وارداً لدى شرائح واسعة من السوريين، فإن الاعلام الحكومي وشبه الحكومي سيتكفل في تصويره على هذا النحو..

(بيطير وبيحلق كمان)

الترحيب بتلك الشائعات كان سيد الموقف، هذا ما سعت إحدى وسائل الاعلام المحلية الوصول إليه، بعد إعدادها تقريراً حول احتمالات رفع سعر مادة الخبز من جانب الحكومة، ليتكفّل الاعلام الالكتروني في إكمال تلك المهمة، والتعليقات بأغلبها، أتت لتصب في خانة تأييد هذا القرار، فمن لا يرفض قراراً اقتصادياً يكون غير متأثراً بنتائجه، وإلا فإن التأثر الايجابي أو السلبي سينتج عنه ردة فعل طبيعية، فكيف إذا ما كان التأثر السلبي هو الحاصل حتماً!.

وكيف لعاقل أن يكون مع زيادة سعر ربطة الخبز بنسبة 200% وهو على حافة الفقر؟! وكيف لشعب يعيش على الاعانات أن يكون مع زيادة سعر ليتر المازوت إلى 85 ل.س؟! وكيف لشعب بين كل أربعة مواطنين فيه ثلاثة فقراء، وأكثر من نصف السكان (54.3%) يعيشون حالة من الفقر الشديد، ولا يستطيعون تأمين الحد الأدنى من احتياجاتهم الأساسية الغذائية وغير الغذائية (وفقاً لتقديرات المركز السوري لبحوث السياسات) أن يتقبلوا زيادة سعر الخبز ربطة برحابة صدر؟! وكيف لدولة وصلت فيها نسب البطالة إلى 50% بعد أن فقد ملايين السوريين مصادر رزقهم أن يتقبل مواطنوها زيادة اسعار المحروقات وربطة الخبز بهذه البساطة؟! فكل تلك الادعاءات تحت ستار الاستطلاعات والتعليقات تغالط المنطق الطبيعي، وتؤكد أن الاعلام الرسمي وشبه الرسمي – كما هو حال القرار الاقتصادي وصانعوه- يزدادون انسلاخاً عن الواقع المرير الذي يعيشه الشعب السوري، ويتجاهلون آلامه..

مجنون يحكي وعاقل يسمع

في خبر تناقلته العديد من المواقع الالكترونية، (وجه رئيس مجلس الوزراء الدكتور وائل الحلقي وزارة التجارة الداخلية بضرورة استمرار متابعة توفير كافة المواد في الأسواق السورية والتصدي لارتفاع الأسعار ومنع استغلال شهر رمضان المبارك من البعض موضحاً أهمية توفير تشكيلة سلعية كبيرة تلبي حاجات السوق خلال الشهر المبارك).

إن التصدي لارتفاع الاسعار لا يكون بالدعوات ولا بالتوجيهات، في الوقت الذي تصدر فيه القرارات تباعاً لاستباحة لقمة عيش المواطن السوري، عبر زيادة اسعار المواد الاساسية، والاجتماعات المغلقة التي تخبئ زيادة في اسعار المحروقات والخبز، وعلى ما يبدو فإن الحبل عالجرار..

سيرياديلي نيوز - قاسيون


التعليقات