منذ انطلاق «الجزيرة» عام 1996، توجّهت إليها أنظار المشاهدين العرب الذين سئموا اللغة الخشبية للقنوات الحكومية. سرعان ما فرضت القناة القطرية نفسها في المشهد الإعلامي بفضل حيويتها، وتغطياتها الحصرية وانتشار مراسليها في مكان الحدث ومواكبته بالصوت والصورة. هكذا، كونت قاعدة شعبية وجماهيرية، متجاوزةً كل الانتقادات التي اتهمتها بالتطبيع مع إسرائيل، وتحويل شاشاتها منبراً للأميركيين لتبرير حروبهم، وخصوصاً بعدما تعرّضت مكاتبها في أفغانستان والعراق للقصف الأميركي. ونسي كثيرون أنّ مَن يملك القناة ليس سوى نظام يستقبل أكبر قاعدة عسكرية أميركية في الشرق الأوسط. لكنّ الثورات العربية وضعت «الجزيرة» على المحك. بدأ العد التنازلي لسقوط مدوٍّ تلخّص في الانحياز الفاضح، وسياسة الكيل بمكيالين. وفي مقابل تجاهل البحرين، وقعت المحطة في حالة تخبط خلال الأيام الأولى للانتفاضة السورية. بعد ذلك، مضت قدماً في دعم الانتفاضة إلى مرحلة التزوير والتحريض والفبركة الواضحة. هكذا، أعلنت حربها الإعلامية على دمشق، معتمدة على ما تيسّر لها من مقاطع فيديو عُرضت على الشبكات المعارضة التي تسهل فبركتها، واستعانت بالشهود العيان الذين لا يكشفون أسماءهم الحقيقية ولا يمكن الوثوق بكلامهم. فقد سبق أن بثت «الجزيرة» مئات الأخبار عن تظاهرات حاشدة في مناطق لم تشهد أي تجمّعات وبالغت في عدد القتلى والجرحى، ثم أوردت مرة خبراً عن وصول المتظاهرين إلى ساحة العباسيين وتحليق كثيف للطائرات فوقهم، رغم أنّ الحياة كانت طبيعية بنحو كامل في الساحة الشهيرة. كل ما سبق لم يكن سوى مقدمة لقنبلة مدوية أسقطت القناع عن «الجزيرة» وفضحت الدور الذي أنشئت من أجله المحطة وفسّرت سبب صعودها الصاروخي مترافقاً مع سطوع نجم المدير العام السابق للشبكة الإخواني الهوى وضاح خنفر الذي حصد إعجاباً كبيراً وعداوات بالجملة، رغم دبلوماسيته وحنكته وخبرته السياسية. لكنّ وثائق «ويكيليكس» (الأخبار عدد ١٠ أيلول/ سبتمبر ٢٠١١) جاءت لتميط اللثام عن تلقّي خنفر التعليمات من الاستخبارات الأميركية. الوثائق الدامغة وما أعقبها من تغطيات إعلامية أجبرت عميد محطة «الجزيرة» على الاستقالة، لكنّه خرج ليُعلن أنّه لم يُقَل بل اختار الاستقالة للتفرغ لمشاريع أخرى. وفي ظل تجاهل قناة «الرأي والرأي الآخر» للفضيحة التي أجهزت على شعارها، تتالت الفضائح. كان الاختراق الذي حققه الجيش السوري الإلكتروني لنظام البريد الإلكتروني الخاص بالمحطة (الأخبار» 24 شباط/ فبراير 2012) ودخوله الرسائل التي تبادلها مراسل بيروت السابق علي هاشم والمذيعة السورية رولا إبراهيم مجرد حلقة في مسلسل فضائح لا ينتهي. يومها، أكّدت المذيعة السورية في رسائلها أنها باتت مرتدة على الثورة وشاهدة على إعلام التحريض الذي يهدف إلى تنفيذ أجندة واضحة في سوريا. وفي ردّه عليها، وافقها هاشم الرأي، وقال إنّه فضل الوقوف على الهامش بعدما أرسل للقناة صوراً عن المسلحين وهم يشتبكون مع الجيش السوري بالقرب من وادي خالد، لكنّها لم تعرض، بل طُلب منه العودة إلى بيروت فضلاً عن اتهامه بأنّه شبيح! أمام هذه الفضيحة، اتبعت المحطة سياسة التجاهل نفسها، وخصوصاً أنّه لا يمكن نفي هذه الواقعة المدعّمة بالوثائق. وأخيراً، توالت استقالات إعلاميين وعاملين في فريق «الجزيرة»، بدءاً من مدير مكتب بيروت غسان بن جدو (عُيِّن مكانه الجزائري عياش دراجي)، مروراً بعلي هاشم وموسى أحمد وانتهاء باستقالة تتكتم عليها المحطة لنحو عشرة إداريين في مكتب الدوحة، وأنباء عن استقالات جماعية تعدّ على نار حامية لمجموعة من الإعلاميين، واحتمال عقدهم مؤتمراً صحافياً يتحدثون فيه عن الضغوط التي تمارسها عليهم إدارة المحطة. من جهة أخرى، لم يقف الأمر عند سلسلة الاستقالات التي لمّحت بنحو مباشر أو غير مباشر إلى أنّ السبب وراءها كان التغطية التحريضية في سوريا والصامتة في البحرين. فاجأ تلفزيون «الدنيا» («الأخبار» عدد ٧ آذار/مارس ٢٠١٢) مشاهديه ببث شرائط تظهر مراسلي المحطة غير الرسميين والناشطين السوريين الذين يتعاملون معها وهم يفبركون رسائلهم. هكذا، ظهر مراسل القناة غير الرسمي في بابا عمرو خالد أبو صلاح في غرفة تبدو كأنّها ملحق لمستشفى ميداني. ويبدو في الشريط وهو يلقّن طفلة مضمدة وطبيب شهادات معدة سلفاً من أجل تلاوتها على الهواء وهو ما حصل وتابعه مشاهدو المحطة القطرية… إذاً، وسط حفلة فضائح انتشرت رائحتها في كل مكان، واصلت المحطة القطرية سياستها التحريضية، لتتحوّل ذراعاً إعلامية للسياسة القطرية تجاه سوريا.     وسام كنعان   سيريا ديلي نيوز

التعليقات