الدكتور المهندس محمد غسَّان طيارة

كنت, يا غافل إليك الله, منهمك في كتابة مقال عن الأزمة الأوكرانية ووصل عدد صفحات المقال إلى أكثر من ستة صفحات فقررت تأجيل اختصار المقال أو تقسيمه إلى جزأين لصباح الغد.

عادة أنام كحد أقصى عند الساعة التاسعة  والنصف مساءً واستيقظ باكراً جداً وقبل صياح الديك وكان ذلك في الساعة الثالثة من صباح يوم الأربعاء في 16 نيسان وما إن فتحت الحاسوب لأقرأ ما هو منشور حتى صٌدمت من خبر رفع سعر ليتر البنزين بنسبة عشرين بالمائة.

أُصِبت بذهول لعدة دقائق متسائلاً كيف تفتق عقل حكومتنا "الرشيدة" على مثل هذه الفكرة الجهنمية وفي هذه الأوقات بالذات. من طرف نحن نحتفل بانتصارات الجيش العربي السوري وتحرير مدينة معلولا وتعميد تاريخها الحديث باستشهاد ثلاثة إعلاميين من العاملين في فضائية المنار. وقد خطر في ذهني بعض كلمات التعزية والتبريك بهذه الشهادة بأن تاريخ معلولا الحديث ارتبط بأسماء هؤلاء الشهداء. ومن الطرف الآخر "تتكرم" علينا الحكومة بزيادة مرتفعة على سعر ليتر البنزين.

فكرت إرسال طلب إلى إدارة موسوعة غينتس لإرسال وفد من أطباء الذكاء كي يفحص قرار رفع سعر ليتر البنزين ففكرته خارقة للذكاء يجب تسجيلها في تلك الموسوعة.

تذكرت أيام عابرة وغابرة في سنة 1989 عندما وقفت في مجلس الشعب مخاطباً حكومة محمود الزعبي بأن الغلاء أصبح لا يطاق وطلبت منه تشكيل لجنة برئاسة الطبيب وزير الصحة ووزير التموين والتجارة الداخلية ووزير الاقتصاد ووزير المالية لتحديد الحُريرات التي تحتاجها عائلة مهندس يعيش مع زوجته وطفلين براتب ستة آلاف ليرة سورية وماذا يمكنه أن يأكل مع أفراد أسرته وماذا يحق لهم أن يلبسوا ومتى يحق لهم أن يمرضوا وما هو شكل القن الذي يحق لهم تسميته مسكناً لهم....( في تلك الأيام الوضع جنة بالمقارنة مع الوضع الآن).

اليوم وجدت لجنة أفضل يرأسها طبيب وهو رئيس مجلس الوزراء ونضيف إلى تسميات الأعضاء السابقين وزير النفط بشرط أن يتنازل عن شهادة الهندسية ويحصل على شهادة...في اختصاص مناسب تحدده اللجنة الموقرة.

ومن متابعة الموضوع وبعد أن خفَّت حدة الذهول أعجبني العنوان التالي الذي وضعت له مانشيت النشرة الإليكترونية خطوات في الاتجاه الصحيح: هدية عيد الجلاء.. والفصـح...الحكومة: ما لنــا غيـرك....يا بنزيـن! وقد جاء فيه عبارات مناسبة اخترت منها: إن قرار الحكومة أمس القاضي بزيادة سعر مادة البنزين لا يخرج عن نطاق السياسة الاقتصادية المصابة بالعقم الإبداعي في إنتاج الحلول غير المرهقة للمواطنين وفي مثل هذه الظروف القاسية، وكما هي العادة تهرب الحكومة في دفاعها عن هذا القرار إلى الحديث عن استمرار دعمها للمادة..... للأسف قرار زيادة سعر مادة البنزين يأتي في ظل فشل حكومي واضح بحل أزمة النقل العام في البلاد.

لم اتمكن من متابعة قراءة الصحف والنشرات الإليكترونية قبل العودة إلى مقال لي سابق نُشِر على عدة مواقع إليكترونية بتاريخ 5 تشرين أول 2014 تحت عنوان خواطر وبسبب رفع أسعار المشتقات النفطية ومن عباراته:

(هل تعرف عزيزي القارئ من رفع سعر المشتقات النفطية؟. إذا كنت بتعرف أرجو أن تقولها فقد تتعرف عليه الحكومة وتحيله للرقابة المالية من أجل أن ترقعه تقرير تأييد يحال بموجبه إلى القضاء ويصدر قرار من القاضي بمنع محاكمته. شو رأي القراء بمثل هذه التخريجة؟. أخطر رفع للأسعار والمؤثر على سعر كل مادة هو رفع سعر المشتقات النفطية. هل تجهل الحكومة هذه الحقيقة؟. لا أصدق وهل يصدق القارئ بأن الحكومة تجهل ذلك؟.

إذا كانت لا تدري فتلك مصيبة وإذا كنت تدري فالمصيبة أعظم. أعود لقصيدة المتنبي في كافور. بيت واحد من

القصيدة على راس لساني.

قرأت بأن الحكومة رفعت سعر البنزين فأدمعت عيناي من شدة الألم لمثل هذا القرار "الاقتصادي" كما لو وجهت الحكومة رصاصة إلى قلب كل مواطن. ما بعْرف من هو "العبْقري في الاقتصاد وعلم النفس" الذي برر اتخاذه, ....الحكومة تقول بأنها تعْمل على خفض أسعار المواد الغذائية حتى لا تبقى كاوية ولم يشْعر المواطن بجهود حكومته النيِّرة.... أشْعر كما لو أن هناك أشخاص لا يريدون أن نرتاح.... الجيش يحقق انتصاراته والشعب يفرح لها فتأتي الحكومة وتضع عراقيل أمام معيشة المواطن حتى لا نفْرح بانتصارات جيشنا. والله حرام يا ناس والله ينطبق على الحكومة قول المتنبي بكافور وهذه المرة سأقوله بعد القرار الهمايوني: نامت نواطير مصر عن ثعالبهم....فقد بشمن وما تفنى العناقيد).  

بين معترضين ــــ روحوا فتشوا عن الثعالب فعندهم مخزون كبير من مالنا حلوا فيه أزمتكم وأزمتنا. أرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء. على ما يبدو ما بدكون رحمة من في السماء ـــ. 

بعدما رفعت الحكومة سعر البنزين زاد إيماني بأن السلطة تعْمل حتى نكرهها ولكن الوطن هو الغالي.... يا سيادة الرئيس أنقذ الوطن من هكذا حكومة. 

سألت نفسي مجموعة من الأسئلة: ماذا تريد منا الحكومة؟. هل تريد منا أن نعادي الوطن؟, هذا بعيد على ذقنها. هل تريدنا أن نقف في خندق واحد مع المجموعات المسلحة؟ لا والله ولكن يا ناس الجوع كافر. هل تريدنا أن نكفر بالانتصارات التي يحققها الجيش؟. هل تستغل حبنا لوطننا حتى تمرر قراراتها المريضة. الوطن أكبر من أن نعاديه والجيش أعظم منها ولكن لن نحب هكذا حكومة ولا نثق بها ويجب تغييرها والله على ما أقول شهيد.

أنا أعيد ما قاله الفنان الكبير أنا ضدك يا سلطة ويا حكومة لأنني مع الوطن. بصراحة هل يُعْقل مثل هذا التصرف؟ هل أنا أحلم؟ قولوا لي إن الخبر ملفق لأن عقلي لا يستطيع قبوله.)

وآخر ما قرأت حتى صباح عيد الجلاء ما نشِرته النشْرة الإليكترونية سيريا ديلي نيوز العبارات التالية:

العنوان: من يملك سيارة يستطيع تحمل عبء رفع سعر البنزين.....بهذه الجملة رد على تذمر المواطنين

من المقال: أكد وزير النفط والثروة المعدنية سليمان العباس، على أن البنزين لا يزال مدعوماً ولو بمبلغ قليل يصل إلى 4 ليرات سورية لليتر الواحد رغم رفع سعره إلى 120 ليرة لليتر، لافتا إلى أنه لن يؤثر على الشريحة الواسعة من المواطنين، وإنما على الشريحة المتوسطة وما فوق، "ومن يملك سيارة باستطاعته تحمل هذا العبء".

فكل مهندس يقول من يملك سيارة يستطيع تحمُّل عبء رفع سعر البنزين لا يحق لنا تسميته مهندساً.

والآن هل عرف أصدقائي لماذا طلبت من وزير النفط أن يتنازل عن شهادته؟!.

حتى لا يفلت لساني وتتدحرج البحصة من فمي وقد بدأت تباشير الصباح وعيد الجلاء ينادينا: يا عيد الأعياد يا عيد آبائي وأجدادي لا تبكوا علينا قسما بعيدكم سننتصر مهما رفعوا سعر البنزين نجوع وما نحطها واطية لحدا. الوطن غالي....غالي وأغلى من أي حكومة.

أمنيتي ورجاء إلى الله ومن الله أن تجرب الحكومة الجوع لساعات وتجرب الانتظار تحت المطر والبرد والشمس الحارقة بانتظار باص النقل الداخلي.

واعز ما يبقى ودٌّ قائمٌ إن المناصب لا تدوم طويلا....ما في ود مع الحكومة.

طلب أخير: يا أعضاء الحكومة أطالبكم أن يسأل كلٍ منكم أقرب الناس إليه والده...والدته....أخوه أو أخته...زوجته أو ابنه...صديق عزيز له عن رأيه في هذا القرار..... وبعدها لكل حادثٍ حديث.

 

 

سيريا ديلي نيوز - د . م محمد غسَّان طيارة


التعليقات


فادي الناشط بحب الوطن
رائعة دكتور