المكان: دمشق، سوق الصرف السوداء الزمان: مساء الثلاثاء 3 كانون الثاني 2013 الحالة: إغلاق تعاملات اليوم بعد عطلة بداية العام الجديد الوصف: الدولار مستقر عند مستوى 93 ليرة وسط تعاملات حذرة ومحدودة، وهو المستوى ذاته في تداولات آخر أربعة أيام من العام 2012 بعد انخفاضه من مستوى 100 ليرة الذي تم تسجيله للمرة الأولى في 23/12 بعد تماسك للأسعار بين 86 و90 ليرة طيلة الشهر.

 

سيناريو كانون الأول ذاته يتكرر في سوق الصرف على مدى ثلاثة أشهر، والدولار يتحرك بهدوء بين 93 و98 ليرة، لتكون الليرة قد تراجعت بين 50 و53% أمام الدولار بسبب الحرب ومنعكساتها وما فرخته من أزمات في شتى المجالات.

 

في 5 آذار من العام الجديد (2013) عاد الدولار إلى مستوى 100 ليرة للمرة الثانية، وكانت التوقعات تشير إلى عودة السعر للانخفاض مجدداً، فهذا الارتفاع سببه المضاربة في الاتجاه الصاعد (أي ارتفاع الدولار)، فمن اشترى عند المستويات السابقة وخاصة قرب 93 ليرة ينتظر ارتفاعه إلى 100 من أجل البيع وجني أرباحه، لكن التوقعات باءت بالفشل، وسجل الدولار قمة جديدة ومستوى قياسياً جديداً عند 121 ليرة في 19 آذار. وعند هذا المستوى تم جني الأرباح فانخفض السعر حتى 109 ليرات في 22 من نفس الشهر، وكان هذا السعر هو القاع الجديد وليس 93 أو 98 ليرة، فعاد السعر مجدداً إلى 121 في 3 نيسان.

 

 

نيسان.. الثيران في السوق

شهد الدولار ارتفاع متواصل خلال شهر نيسان، ولكن على نحو حذر، استمر حتى بداية أيار حيث تم تسجيل قمة جديدة للسعر عند مستوى 143 ليرة في 3 أيار، شهدت عمليات بيع مكثفة من أجل جني الأرباح والتي تعتبر قياسية لمن دخل على السوق عند 93 و98 ليرة بتجاوزها نسبة 50% من رأس المال الموظف في الدولار، وكما هي العادة ترافق جني الأرباح بانخفاض للسعر حتى 134 ليرة فقط، دون 121 ليرة -القاع السابقة-، لكن الأرباح رفعت شهية المتعاملين للمخاطر وجذبت إليها غير المتعاملين سابقاً بالعملات، وانطلقت موجة ارتفاع جديدة وسريعة فتم تسجيل مستوى 152 ليرة في 17 أيار، تلاه انخفاض وجني أرباح سريعة حتى 142 ليرة، أي نلاحظ ارتفاع مستوى القيعان (93 ليرة- 98- 100-121-134-142) ما يعني اتجاهاً صاعداً (يقال عنه في عالم البورصة بوليش أي ثيراني نسبة إلى رمز الثور للمندفعين على الشراء).

 

 

حزيران.. جني الأرباح الدسمة

استأنف الدولار صعوده من 142 ليرة 160 ليرة في 11 حزيران، وكان ذلك أخفض مستوى لليرة أمام الدولار في تاريخها، وعنده تكون الليرة قد تراجعت بحوالي 71% أمام الدولار. وبدلاً من حدوث موجة جديدة لجني الأرباح عند هذا المستوى اشتد الطلب في السوق وبدأت سلسلة ارتفاعات سريعة وحادة قذفت الدولار إلى مستوى 200 ليرة في ستة أيام، وهذا ما لم يكن في توقعات أحد أبداً، فالليرة تراجعت مساء 17 حزيران بحدود 77% أمام الدولار، وفي اليوم التالي بدأت عمليات جني الأرباح الدسمة لكل من دخل إلى السوق قبل يوم الإثنين 17 حزيران.

استمر جني الأرباح حتى يوم 22 ولكن دون أن ينخفض الدولار تحت مستوى 184 ليرة، وهو القاع الجديد للسعر، ليستأنف ارتفاعه مجدداً متجاوزاً القمة السابقة عند 200 ليرة مغلقاً عند 212 ليرة في آخر يوم من الشهر.

 

 

تموز.. الإثنين الأسود

حافظ الدولار على زخمه في الارتفاع خلال تموز مدعوماً بالإشاعات التي تحفز ما يسمى في البورصة (مرحلة المشاركة العامة) حيث يتم نشر الإشاعات والتوقعات المدعومة بمرحلة جني الأرباح في حزيران، واستغلال كل حدث يطفو على السطح، اقتصادياً كان أم سياسياً، وتوظيفه في دعم الطلب على الدولار، وهذا سيطر على مناخ التداولات، فالدولار الذي افتتح تداولات تموز بـ215 ليرة ليرتفع إلى مستوى جديد غير مسبوق عند 230 ليرة في خمسة أيام فقط، ولم تحدث أي موجة لجني الأرباح عند هذا المستوى، بل على العكس تحرك السوق وفقاً للتوقعات التي كان يروج لها وانتقل الدولار إلى مرحلة التطاير غير المفسر، حيث قفز من 230 في 5 تموز إلى 240 ليرة في اليوم التالي (6 الشهر) وإلى 260 في 7 الشهر وإلى 290 في 8 الشهر ليتجاوز 310 ليرات في يوم الإثنين 9 من ذات الشهر، وقد شهد هذا اليوم تخبطاً في الأسعار وقد سجل مستوى 335 ليرة مساء الإثنين، دون أن يخلو الأمر بعض الصفقات هنا وهناك فوق هذا المستوى.

 

وهكذا ارتفع الدولار أكثر من 100 ليرة بمعدل تجاوز 46% في أربعة أيام فقط، لذا يمكننا أن نصف يوم الإثنين هذا بالأسود فالليرة تفقد عنده نحو 86% من قيمتها أمام الدولار، وهنا بدا واضحاً لكل «المتفذلكين» على الساحة الاقتصادي والسياسي أن هبوط الليرة كان سببه المضاربات وما وراءها وليس الوضع الاقتصادي، وخاصة ما تم الترويج له خلال هذه الفترة (بين 5 و9 الشهر) على أن الدولار سوف يرتفع إلى 500 ليرة.

 

وجاء يوم الثلاثاء ليكذب موضوع الـ500 ليرة، فبدأت موجة قوية لجني الأرباح، أو لنقل خروج كبار المضاربين من السوق الذين باعوا عند مستوى 300 ليرة وما فوق على حساب خسارة من اندفع وراء الشائعات والتحليلات المشكوك بمرجعيتها وأهدافها أو عشوائيتها واشترى عند تلك المستويات أملاً بارتفاع الدولار إلى 500 ليرة، وعند إغلاق السوق مساء الثلاثاء كان الدولار قد هبط إلى 290 ليرة ثم تابع إلى 275 في اليوم التالي (11 تموز) مواصلاً الانخفاض حتى 245 في 15 تموز.

 

وفي يوم الإثنين التالي بتاريخ 16 تموز تم تحفيز موجة ارتفاع جديدة، لكن ألم الخسارات المحققة قبل أسبوع، وكشف حقيقة اللعبة في سوق الصرف حدّت من الإقبال على الشراء والوقوع في الحفرة مرتين، لكن بعض المتأملين بصدق التوقعات السوداء دخلوا في صفقات شراء رفعت السعر حتى 253 ليرة مساء الإثنين، وهذا كان درساً قاسياً للمتعاملين الذين بدؤوا بتقليص خساراتهم من خلال البيع والخروج من السوق وتقبل الخسارة الحالية «ثلث رأس المال الداخل إلى السوق فوق 300 ليرة» بدلاً من ازديادها أكثر فأكثر، الأمر الذي شكل ضغوطاً بيعية في السوق أدت إلى هبوط الدولار إلى 200 ليرة في يوم اليوم التالي (17 تموز) دفعة واحدة، وإلى 185 ليرة حتى يوم 20 من الشهر.

 

موجات ارتدادية سريعة حاولت تحريض اتجاه صاعد جديد للدولار، نجحت في رفعه إلى مستوى 210 في 24 تموز وإلى 235 في يوم 26 لكن سرعان ما انخفض إلى 205 في 28 الشهر ثم ودع الشهر عند 210 ليرات أملاً برفعة جديدة وأرباح جديدة للكبار فقط.

 

 

آب.. جولة الثيران الأخيرة

شهدت تعاملات آب استقراراً في الأسعار التي انحصرت بين 200 و205 ليرات وسط خوف وإحجام عن التعامل وخروج بطيء للمتعاملين من السوق، لكن هذه الأجواء لم ترق لبعض المضاربين الكبار، وبدأ الطمع يقود دفة السوق مجدداً وتجددت معها التوقعات السوداء بارتفاع الدولار تحت قائمة طويلة من التحليلات والآراء وخاصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي؛ (فيسبوك على وجه التحديد)، فدخل الثيران مجدداً إلى السوق وتم تحريض الطلب، وحدثت استجابات آنية نجحت في قذف السعر إلى 240 ليرة في 27 آب وإلى 285 في اليوم التالي، الأمر الذي أعاد إلى الأذهان تجربة الإثنين الأسود قبل شهر، ومع قدوم يوم الخميس انقلبت المعادلة وحدثت عمليات جني أرباح سريعة وحادة هبط خلالها الدولار إلى 230 ليرة، ليخسر بذلك كل من دخل إلى السوق يوم الأربعاء ويربح كل من اشترى قبله، كما كانت فرصة للتعويض والحدّ من خسارة الذين دخلوا إلى السوق منذ شهر عند 300 ليرة وما فوق.

 

 

أيلول.. الدببة يصنعون السوق

مع بداية أيلول أصبح واضحاً للمتابعين بأن السوق ذاهبة في اتجاه هابط مع سيطرة المنسحبين منها على التداولات، أي سيطرت عمليات البيع والخروج بأقل خسارة ممكنة، ولكن بحذر، ويطلق على هؤلاء في البورصة تسمية (الدببة) وعلى السوق الهابط نظراً لانخفاض السعر تسمية (سوق دببية)، وعلى الرغم من تجدد الارتفاع إلى 235 إلا أنه كان طارئاً وفاشلاً ولمدة يوم واحد (في يوم 4 من الشهر)، سرعان ما انخفض بعده السعر حتى 205 ليرات في 16 من الشهر، ثم حدثت محاولة للارتفاع كان حدّها الأعلى عند مستوى 213 ليرة في يوم 19 أيلول، لكن سرعان ما عادت الكلمة الفصل للدببة فهبط السعر إلى 200 ليرة في يوم 26 من الشهر، واشتدت سطوة الدببة على السوق حتى هبط السعر حتى 168 ليرة في آخر يوم من الشهر، وهو المستوى المسجل في 12 حزيران أي قبل أكثر من ثلاثة أشهر ونصف الشهر.

 

 

من تشرين أول.. بوادر التماسك

واصل الدولار انخفاضه في تعاملات السوق السوداء خلال تشرين أول -ولعل الأصح القول بأن الليرة بدأت بالتعافي أمام العملات الأجنبية وخاصة الدولار- فقد أغلق الدولار في آخر يوم تداول في هذا الشهر عند مستوى 161 ليرة مقارنة بـ183 ليرة في أول يوم تداول فيه.

 

ومع بداية تشرين الثاني جدد الدببة نشاطهم فهبط الدولار إلى 125 ليرة في الخامس من الشهر، وكانت فرصة للشراء، فاستأنف المشترون نشاطهم ودفعوا السوق إلى 150 ليرة في اليوم التالي، ليعود السعر ويصطدم بمستوى 168 ليرة مجدداً، لكنه لم يخترقه صعوداً، فانخفض الدولار مجدداً ليكون يوم 14 تشرين الثاني هو آخر يوم لمستوى 168 حتى يومنا هذا.

 

بعد ذلك انخفض الدولار حتى مستوى 144 وتماسك بينه وبين مستوى 149 ليرة، في أعلى حدّ للدولار، وفي كانون الأول تعزز التماسك وتقلص الهامش بين الحدّ الأعلى والأدنى للدولار إلى 143 و145 ليرة، لتنتهي بذلك فصول قاسية على الليرة في 2013 لم تشهدها يوماً من الأيام.

 

 

اتجاه إجباري

كل التفاصيل السابقة تعتمد على قراءة تاريخية لحركة السعر في السوق السوداء، أما التحليلات الاقتصادية فتؤكد أن الليرة تقترب من قيمة قريبة من الواقع عند مستوياتها الحالية مقارنةً بالظروف الراهنة وقسوة الحرب على سورية، لكنها أبداً لم تدعم ليرة فوق مستوى 300 للدولار، ولو كانت العوامل المؤثرة في سعر الصرف تدعم تلك المستويات الجنونية لما كانت الليرة تعافت بسرعة واستقرت في آخر شهرين من العام قرب 144 ليرة وقد تراجعت بنسبة 67% أمام الدولار خلال سنوات الأزمة حتى الأمس، وهنا نذكر بأنه من المفترض التحدث عن أثر العجز في الميزان التجاري وليس تراجع الصادرات فقط عند تحديد أثر الميزان التجاري على الليرة، فبينما انخفضت الصادرات بأكثر من 90% وفق الأرقام الرسمية، انخفضت في المقابل المستوردات بأكثر من 80%، أي إن العجز لم يزدد أكثر من 10% على أبعد تقدير وهذا هو صاحب الأثر التجاري على سعر الصرف، وعلى هذا المنوال تقاس الأمور، ويجب ألا ننسى أنه وبفعل المضاربات ارتفع سعر الصرف إلى مستوياته غير المعقولة، ولا ننسى أنه رغم قساوة الحرب فقد استقرت الليرة بين 70 و74 ليرة للدولار من 28 آذار 2012 وحتى 16 تشرين الأول من نفس العام، ولا ننسى أن الليرة بقيت تتداول دون مستوى 60 ليرة للدولار حتى 30 تشرين الثاني 2011.

 

ويجب ألا ننسى وجود العديد من العوامل المؤثرة في سعر الصرف، ولعل أكثرها قوة على المدى القصير هو الطلب المضاربي وعلى المدى الطويل توازن ميزان المدفوعات مقاداً بالميزان التجاري، ولا ننسى أنه على المستوى قصير الأمد هناك تحركات لسعر الصرف غير مفسرة، ولعل النقطة الأكثر أهمية اليوم هي تقلص الفارق بين سعر الصرف في السوق السوداء وبين السوق النظامية وأسعار المصرف المركزي منذ قرابة الشهرين، وهذا ما يرد الاعتبار لكل من توقع استقرار الليرة ووصف التقلبات الحادة بالطارئة وقد قوبل بالاستخفاف من قبل البعض باسم الأزمة، وفي النهاية نأمل استمرار تماسك واستقرار الليرة على أن يدعم بسياسات اقتصادية ومالية نقدية حصيفة ومتماسكة تحصن ليرتنا تلك الأميرة التي تغلبت على المصاعب في 2013.

Syriadailynews - Alwatan


التعليقات