للوهلة الأولى يتراءى للعابرين من سوق اللحوم في باب سريجة في محافظة دمشق أنه يقع في منطقة نائية وبعيدة لا حسيب ولا رقيب لمن يعمل به من اللحامين حيث مشاهد الدماء من بداية السوق إلى نهايته يتخللها بقايا الذبائح التي تملأ شوارعه الضيقة والتي بالكاد تستوعب المارة منه. ناهيك بوجود الحشرات التي تترنح وتتنقل من الفخذ إلى الرأس والرئتين ومن كل حدب وصوب.
وكل ذلك بسبب الذبح العشوائي في الشوارع العامة وداخل المحلات الذي سُمح فيها للحامين القيام بذلك إضافة إلى عمليات الغش التي هي من الطراز الرفيع أهمها حصول جريدة تشرين على شريط فيديو مصور تظهر فيه عملية فظيعة يقوم بها بعض اللحامين بلصق الأعضاء الذكرية على أنثى الغنم وبيعها على هذا الأساس وبأسعار مرتفعة جداً.
هذا التحقيق يظهر الكثير من التفاصيل التي تحدث داخل باب سريجة. لكن الأهم من ذلك كله معرفة مدى صحة الرواية التي تتحدث عن وجود لحوم غير صالحة للاستهلاك البشري من عدمه في هذا السوق.
مروان دباس رئيس اتحاد الحرفيين في دمشق أكد أن سوق اللحوم في باب السريجة توجد فيه مخالفات وتجاوزات ومنها عدم النظافة حيث الأوساخ والبقايا المتراكمة داخله وهذا ما عده دباس بسيطاً بالنسبة لما خفي لأنه الأعظم فهناك اللحم الفاسد الذي يطحن ويباع لأشخاص فقراء وبسطاء جدا بسعر يتراوح بين 300 -500 ل س للكيلو الواحد إضافة إلى لحم الرول المستورد والذي يبلغ سعره 200 ليرة لكنه لحم سليم ومذبوح بطريقة نظامية وبإشراف طبي و فجأة فُقد هذه النوع من السوق لأن اللحامين سارعوا إلى شرائه وتالياً تخزينه في برادات لفترة معينة وبعد ذلك قاموا بصبغه بمواد كيماوية تعطيه لوناً فاتحاً شبيهاً بلون الغنم تماما وبيعه بسعر 2500 ل س للكيلو.

إغلاق المسلخ الفني

بدوره بسام درويش عضو جمعية اللحامين ورئيسها السابق أوضح أن سبب الذبح العشوائي هو إغلاق المسلخ الفني في الزبلطاني نتيجة الظروف الأمنية المحيطة به منذ شهر شباط عام 2013 وقد تم إبلاغ محافظة دمشق بالكتاب رقم /9/ في شهر آذار بأن اللحامين سوف يذبحون ضمن المحلات والأسواق مثل سوق باب سريجة – الشيخ محي الدين – باب مصلى وأيضاً في البساتين في منطقة العدوي. منوهاً بأن الجمعية طالبت مديرية الشؤون الصحية بإرسال أطباء بيطريين إلى الأسواق من أجل فحص الأغنام قبل ذبحها لكن وحسب درويش لم تستجب المحافظة لهذا الطلب ومنذ ذلك الحين إلى وقت قصير جدا بقيت اللحوم من دون إشراف طبي إلى أن تم إنشاء صالتين للذبح في سوق الهال بشكل مؤقت ليباشر العمل فيه من تاريخ 1/12 من هذا العام ولاسيما أننا نعيش في ظروف استثنائية وطارئة وكان من المفترض بالمحافظة أن توجد مسالخ بديلة أو متنقلة وهذا ما أكده إيليا زيدان نائب رئيس الاتحاد العام للحرفيين في سورية أنه ونتيجة الإرهاب والمشاكل في المناطق الساخنة لا يمكن القول إن عملية الذبح يجب أن تكون محصورة بالمسلخ الفني فقط لأنه في حال منع الذبح ضمن الأسواق فسوف تتولد مشكلة في السوق من حيث تأمين المادة أو ارتفاع سعرها أضعافاً مضاعفة وحسب رأيه هذه المسألة تهم المواطن أكثر من الحرفي بحد ذاته لكن هذا لا يعني أن الاتحاد مع عملية الذبح العشوائي في العراء بل على العكس يجب أن تكون في مكان نظيف وسليم ومنظم وألا تعرض على الطرقات بهدف الحفاظ على صحة الإنسان أولاً وحماية البيئة من التلوث ثانياً.

صالحة للاستهلاك البشري

وأضاف زيدان: إن جميع الذبائح في باب سريجة صالحة للاستهلاك ولا صحة لما يشاع أنها غير سليمة أو أنها عبارة عن لحوم ميتة رغم أنه لا يوجد إشراف طبي عليها فمن غير الممكن وضع طبيب بيطري لكل محل وهذا ما أثنى عليه درويش بأن كل اللحوم في أسواق دمشق سليمة بالرغم من وجود حالات غش لا يمكن تجاهلها مضيفاً: إن الطبيب البيطري غير متعاون فمن المفترض أن يفحص الدابة لكن وبحسب رئيس جمعية اللحامين فإنه يتقاضى راتبه وهو خلف مكتبه في حين اللحام يبذل قصارى جهده بهدف تأمين المادة إلى محافظة دمشق رغم الظروف الصعبة التي نمر بها علماً بأنه يتم ذبح 100 رأس غنم يومياً في باب سريجة ولكن عندما يحدث حدث طارئ في منطقة ما يزداد هذا الرقم بشكل كبير بهدف تأمين المادة منوها بوجود عمليات ذبح عشوائي ضمن الأسواق لكن بالمقابل هناك دوريات نظافة تأتي 6 مرات يومياً لتأخذ بقايا الذبائح من أجل أن يبقى المكان نظيفاً أما إذا أغلقت المصارف الصحية بسبب تراكم مخلفات الذبائح فهذه الدوريات تتولى هذا الموضوع أيضاً.

تغاض

من جهته الدكتور طارق صرصر مدير الشؤون الصحية في محافظة دمشق قال: بسبب خروج المسلخ الفني من الخدمة تم التغاضي عن الذبح العشوائي لفترة معينة قرابة الأربعة أشهر وخلال تلك الفترة كانت تجري عملية الذبح المخالفة إما في المناطق الآمنة في ريف دمشق أو داخل بعض أسواق اللحوم علماً بأن المديرية كانت أمام خيارين أحلاهما مر إما الذبح بهذه الطريقة أو فقدان المادة لذلك نقول: هناك مجموعة جهود بذلت بين المحافظة ووزارة التجارة الداخلية لتلافي ذلك، مشيراً إلى وجود دوريات يومية مشتركة مع المراقبين الصحيين بالتنسيق مع مديرية التموين وحماية المستهلك، بحيث تقوم بجولات على الأسواق الرئيسة التي توزع اللحوم منها باب سريجة وبرزة والشيخ محي الدين وباب مصلى، وهذه الأسواق تغذي 95% من حاجة دمشق من اللحوم خلال فترة انقطاع المسلخ، علماً بأن مدينة دمشق كانت تحتاج في تلك الفترة مابين 800 إلى 1100 رأس غنم يومياً وحوالي 50 إلى 60 رأساً من لحم العجل.

موجودة سابقاً

وأضاف صرصر: إن المخالفات في مادة اللحوم كانت موجودة سابقاً ولا علاقة لها بخروج المسلخ أبداً، أو بعملية الذبح في باب سريجة فهناك بعض اللحامين من ضعاف النفوس معتادون على الغش منذ سنوات طويلة وليس وليدة الأزمة، لكن الأخيرة هيأت لهم المناخ المناسب فازدادت حالات الغش سواء بعملية خلط اللحوم أو صبغها موضحاً أن عملية لصق أعضاء على أنثى الغنم وبيعها على أنها ذكر ليست مضرّة بالصحة العامة بل هي مخالفة تموينية بحت، والعقوبات التي تقر من المحافظة هي للمخالفة الأولى غرامة مادية قدرها 500 ل س وهي ليست رادعة، وللثانية الغرامة مع إغلاق المحل 3 أيام، وفي المخالفة الثالثة يغلق المحل مدة أسبوع، وفي الرابعة فإن العقوبة مادية إضافة إلى إغلاق المحل من أسبوعين إلى شهر، وهذا كل ما نستطيع فعله لأنه المتوافر بين أيدينا حالياً، أما العقوبات الشديدة فهي تصدر بمراسيم وقوانين إما على مستوى الدولة أو على مستوى رئاسة مجلس الوزراء والوزارات المختصة ومجالس المحافظات.

عرضة للخطر

في حين شدد رئيس اتحاد حرفيي دمشق على أن باب سريجة منطقة أثرية عمرها مئات السنين وهي معرضة للخطر في حال استمر الذبح العشوائي فيها، لأن كل مخلفات الذبيحة سوف ترمى في مجاريها الصحية. بسبب عدم وجود سيارات لنقل تلك البقايا، فعلى سبيل المثال خروف واحد لديه الكثير من المخلفات فكيف إذا كان الأمر لمئات الذبائح يومياً إضافة إلى أنّ الدم وبصورة خاصة يتحول إلى كتلة مجمدة لا يمكن أن تصّرف بواسطة المياه والنتيجة انسداد الصرف الصحي، معتبرا أنه من واجب اتحاد حرفيي دمشق مراقبة تلك المخالفات والتجاوزات وأن يرى الخطأ ويشير إليه لأي شخص أو جهة كانت، مشيراً إلى ضرورة نقل لحم البقر على وجه الخصوص بسيارات مبردة تكون صناديقها من الألمنيوم لأن هذا النوع من اللحم ينقل الجراثيم ويتفاعل معها علماً أنه في القانون والعرف والطب ممنوع أكله قبل وضعه في البرادات وتجميده من 10 إلى 15 يوماً، لأن هذا اللحم يحمل الديدان التي لا تموت إلا عند وضعها بالبراد وتجميدها بشكل جيد، لكن في الوقت الحالي نرى أن اللحام يأخذ الذبيحة من القرى والنواحي محملة بسيارات وعليها قمامة وأوساخ وغير مكترث أو مهتم لما يفعله.

لحوم أغنام ميتة

ولفت دباس إلى دخول عدد من لحوم الأغنام الميتة إلى سوق باب سريجة وبيعها للمواطن على أنها مذبوحة بشكل نظامي وقانوني إضافة إلى ذبح أنثى الغنم التي لا تذبح في كل بلدان العالم، لأنها ثروة حقيقية في حين أن لحامي سورية لم يتركوا عنزة شامية أو رأس غنم أو بقرة إلا وذبحوها، علماً أن الغنم السوري له مواصفات وميزات خاصة ليست موجودة بأي دولة من دول العالم، على سبيل المثال الغنم الوردي يتميز بعدم وجود رائحة كريهة فيه و لحمه بلون الورد. مبينا أنه ليس من الضروري أن تباع كل اللحوم في باب سريجة فقط بل هي توزع على أسواق أخرى، لكن المهم أن عملية الذبح تتم فيه و بقاياه تستقر في مصارفها الصحية. منوهاً بأن اللحام شعر بارتياح لعملية الذبح في الشوارع والأرصفة لأنها أقل تكلفة وأكثر ربحاً وبالتالي يستطيع ذبح أي نوع من الدواب مهما كانت بسبب عدم وجود الرقابة من الجهات المعنية بهذا الشأن.
وختم بالقول: إذا كان المواطن بحاجة إلى اللحوم فهذا لا يعني أن يطعمه اللحام على مزاجه ويغشه كيفما يريد ومتى شاء وطالما استمر اللحامون على هذه الحال من الغش والتلاعب ولم يبيعوا اللحم النظيف والسليم سوف يستمر في مهاجمتهم وكل من تسول له نفسه أن يرتكب المخالفة بحق المواطن وبأي مهنة كانت، فاللحم مادة أساسية لايمكن الاستغناء عنها أبداً.
وفي ظل تلك المخالفات الكبيرة من الغش والتلاعب بمادة اللحوم يسأل المواطن: أين دور الرقابة والتموين وجميع الجهات المعنية بذلك؟

دوريات يومية

باسل الطحان مدير التجارة الداخلية وحماية المستهلك في دمشق قال: هناك دوريات يومية إلى سوق اللحوم في باب سريجة وباب مصلى مؤلفة من عنصر التموين وطبيب بيطري إضافة إلى الصحة، بحيث يتأكد الطبيب من صحة وسلامة اللحوم ومعرفة مدى صلاحيتها للاستهلاك البشري. وهذا لايعني أنه لا توجد مخالفة لكن ليس بموضوع الصلاحية لأن كلمة غير صالحة للاستهلاك تكون إما برؤية منظر الدود فيها وإما بشم رائحة كريهة وإما عن طريق تحليل نوعية اللحم ومعرفة إن كان فاسداً أم لا، ومن هنا أقول إن صفة «غير صالحة» لا تصدر من المديرية إلا بوجود أوراق ثبوتية نظامية. موضحاً أن دور التموين يقتصر على متابعة صلاحية المادة المعروضة للبيع وعدم الخلط فيها أو الجمع بين نوعين من اللحوم، وفي الفترة الماضية لم يكن هناك إشراف على الذبح بسبب عدم وجود مسلخ كما ذكرنا سابقاً علماً أنه تم خلال الشهر الماضي إغلاق 10 محلات للحوم في باب سريجة لمخالفتهم نوعية اللحم المعروض حيث يعلن أنه لحم عجل ويكون في الأصل لحم جاموس وهنا فرق السعر كبير بينهما. أما حينما يتم العمل فعلياً بالمسلخ الفني النظامي ولا يتقيد اللحام بالضوابط فستكون هناك إجراءات قانونية لمن يذبح خارجه. وختم طحان بأنه ومن خلال كل العينات التي تم تحليلها لم تكن هناك أي عينة غير صالحة للاستهلاك البشري.

50 % رقابة المواطن

وختم مدير الشؤون الصحية بالقول: يتحمل المواطن 50% من الرقابة، حيث يجب عليه ألا يشتري اللحمة مفرومة جاهزة أو لحماً رخيصاً جداً لدرجة يشك بأمره، علماً أن مخالفات اللحوم كانت قبل الأزمة وخلالها وستبقى بعدها وفي أي زمان ومكان مشيراً إلى وجود أولويات بالمسألة كالطبيب الذي يقطع رجل إنسان مريض لأنه إذا تركها سيموت، ومن هنا المفترض أن نختار الحل الأقل ضرراً ونسير به، وبالرغم من كل الظروف الأمنية غير المستقرة ووجود بعض الصعوبات فالعمل مراقب ومتابع بدقة، فعلى سبيل المثال لدينا 45 مراقباً لا يأتي منهم أحيانا سوى 10 مراقبين نتيجة الأوضاع الراهنة. مؤكداً وجود أطباء بيطريين على مستوى عال من الخبرة والدقة ويعرفون إذا كانت الدابة مذبوحة بعد موتها ولو بدقيقة واحدة.
بدوره نائب رئيس اتحاد الحرفيين لفت إلى أن دورهم توجيهي توعوي فقط ولا يستطيع فرض عقوبات على أي لحام إلا أن الذبح يجب أن يتم في مسالخ نظامية وإن تعذر بسبب وجود بعض المسالخ في المناطق الساخنة فيمكن الذبح داخل المحل شريطة المحافظة على النظافة الكاملة.
وختم بالقول: يبقى موضوع اللحم جنحة بالنسبة للأعباء التي تتحملها الدولة من تأمين الخبز والأدوية وحليب الأطفال. لذا يجب أن تتضافر جميع الجهود ومن جميع الأطراف لإيجاد الحلول لكل المشاكل التي تعترض هذا البلد ولاسيما أننا في ظروف غير طبيعية على الإطلاق.

تشرين - سيرياديلي نيوز


التعليقات