سيرياديلي نيوز -

كثر الحديث أخيراً عن تجنيد الأطفال السوريين في المعارك اليومية الدامية التي تشهدها البلاد. وانتشرت صور صادمة لأولاد صغار يتباهون بحمل سلاح لا يشبه براءتهم في شيء. كما تناقلت وسائل الإعلام تقارير عدة لمنظمات دولية معنية بحقوق الطفل، تُبيِّن ازدياد عدد الأطفال المجندين، وأكدت أن بعض هؤلاء يجري تجنيدهم قسراً في النشاطات العسكرية أو قد يستخدمون دروعا بشرية!

وتشير التقارير أيضاً إلى أن أكثر من مليوني طفل في سورية اليوم هم ضحايا أبرياء تعرضوا لأخطار جمة، من الموت إلى الاعتقال والعنف الجنسي والزواج المبكر والحرمان من التعليم ونقص التغذية وأيضاً التجنيد. لكن يبقى السؤال الملح، هو: هل يمكن فعلاً تحييد الأطفال بعد سنتين ونيف من صراع فتاك لا يهدأ؟ وكيف؟

«لا، لا، لم يطلب مني أحد ذلك. أنا حملت السلاح لأحمي أمي»، يصرخ أحمد (13 سنة)، ويضيف: «استشهد أبي منذ ستة أشهر. أطلقوا النار عليه أمام البيت، وأصبحنا لوحدنا. لن أسمح لأحد أن يقتحم بيتنا أو يقترب من أمي مرة أخرى». ينقل أحمد نظره في مختلف الاتجاهات كأنه يتحسّب خطراً قادماً، ويكمل: «تعلمت كيف أدافع عن نفسي وأصبحت قوياً».

حال أحمد كحال كثيرين من أطفال سورية الذين جعلهم الواقع الأليم ينسون طفولتهم. بعضهم انخرط مرغماً في القتال الدائر دفاعاً عن بيته وأهله، وبعضهم شحنته أجواء المعارك، فأصبحت الأسلحة وحركات الاختباء والكمائن لعبته المفضلة، بينما يكسب بعضهم الآخر عيشه اليومي من بيع الذخيرة وملحقات السلاح، فيما وجد قسم رابع نفسه في المشاركة في التظاهرات حتى في أشد الظروف خطراً.

 

التجنيد ليس حمل السلاح فحسب

يعرّف القانون الدولي الطفل الجندي بأنه أي طفل دون الثامنة عشرة من العمر يرتبط بقوة عسكرية أو بجماعة مسلحة في أي شكل أو طريقة، بما في ذلك، على سبيل المثال وليس الحصر، الأطفال الذين يجري استخدامهم كحراس أو طهاة أو جواسيس أو لأغراض جنسية وغير ذلك. والمقصود أن دور الأطفال في أوقات النزاعات والحروب والثورات هو غالباً دور غير مباشر، إذ يتولون مهمات الدعم والمساندة والاستطلاع، أو يُستخدمون حمالين تنوء اجسادهم الصغيرة تحت وطأة أثقال فادحة، بما فيها الذخائر أو الجنود المصابين، وأحياناً يعملون رسلاً يقتحمون الصعاب ويواجهون أخطاراً جسيمة وهم ينقلون الأخبار والمعلومات والأوامر تحت وابل الرصاص والقصف، وغير ذلك من المهمات التي تنطوي على مشقات بالغة تعرضهم لأذيات جسيمة وأحياناً للموت.

والأسوأ أنهم شهود مباشرون على ما يجري، الأمر الذي يشوّه نموهم الجسدي والنفسي ويترك آثاراً سلبية وعواقب وخيمة طويلة الأجل. وهذا يجعل عملية مصالحة هؤلاء الأطفال مع ذواتهم في المستقبل، ومع بيئتهم المحيطة وإعادة دمجهم في مجتمعهم السليم، أمراً بالغ التعقيد، خصوصاً عندما يطول زمن الاقتتال ويفقد المجتمع أمانه لسنين، مثلما في الحالة السورية.

 

لم نعد أطفالاً!

يوجد مئات الآلاف من الأطفال المُستخدَمين بوصفهم جنوداً في النزاعات المسلحة حول العالم: منهم من ينضم إلى القتال بعدما بعثر العنف المباشر وغير المباشر طفولته البريئة وجعله في مواجهة مباشرة مع الموت ولا بديل من السلاح، ومنهم من يغرَّر بهم للانخراط مع المجموعات المسلحة، إما بتحفيز شعورهم برغبة الانتقام ممن آذاهم، أو فراراً من معاناة التشرد والفقر أو من أجل التمكن من حماية أهلهم.

يعتبر المجتمع الدولي تجنيد الأطفال جريمة حرب، وتضاف أسماء أطراف النزاع التي تجندهم إلى قائمة العار التي تصدرها الأمم المتحدة سنوياً. وفيما يحظر القانون الدولي تجنيد الأطفال واستخدامهم تحت سن الثامنة عشرة للعمل بوصفــــهم جنوداً، يبقى حلم تحييد الأطـــفال عن الواقع المؤلم بعيد المنال. كيف لا، والعنف يغيّر الأولويات ويجعل من العدالة الدولية ضرباً من المستحيل. كيف لا، واستمرار المذبحة السورية اليومية يلغي أي فرصة للاهتمام بمستقبل الأطفال وأمانهم الجسدي والنفسي؟

«عمري خمسة عشر عاماً... أنا لست طفلاً بعد الآن»، يحتج خالد بغضب وهو الجريح من شظــية أصـــابـــته جراء القصف. ويضيف بإصرار: «أريد أن أشفى بسرعة وأعود إلى القتال، واجبي أن أحمي أهلي وسكان قريتي من الكبـــار والصغار»!

سرق العنف في سورية معنى الطفولة، ودمّر أرواح صغار أبرياء، مثل أحمد وخالد، كانوا يحلمون بغد آمن. كبروا فجأة في أجواء الحرب، وأجبروا على الانخراط في معركة قاسية لا رحمة فيها. كبروا وأصبحوا يحلمون بما يرددونه من شعارات عن الحرية والكرامة... كبروا وأصبحوا جزءاً من الحلم بأن تعاد إليهم طفولة خالية من السلاح.

 وقال نقيب المحامين نزار سكيف، إن "قيام الخلايا الإرهابية بتجنيد الأطفال الأحداث القاصرين للقتال يعتبر خرقاً أخلاقياً قبل أن يكون خرقا قانونيا"، مضيفاً: "تجنيد الأطفال يعتبر إساءة كبيرة للوطن وأيضا خرقا للمعايير الأخلاقية لأنه يفترض أن يولى هذا الطفل القاصر كل الاهتمام والتأهيل ليكون عضواً نافعاً في المجتمع بعيداً عن الجريمة والقتال وحمل السلاح، لأن السلاح بالمفهوم الدستوري والقانوني محصور بيد جهة معينة وهي الجيش العربي السوري".

 

وأما على الصعيدين التشريعي والقانوني، فبين سكيف أن "اتفاقيات حقوق الإنسان والاتفاقيات التي تتعلق بالأطفال لدى منظمة الأمم المتحدة، منعت وحذرت من مخاطر تجنيد الأطفال في الصراعات المسلحة، فضلا عن تأكيدها على ضرورة الاهتمام بالأطفال ورعايتهم وتأمين سبل العيش الكريمة لهم، لذلك فإن ما تقوم به المجموعات المسلحة مخالف لكل المعايير الدولية والتشريعات الوضعية والإلهية والوجدانية".

ودعا سكيف إلى "ضرورة معالجة هذه الظاهرة السلبية لحماية هذا الجيل من الانخراط في هذه الأجواء البعيدة عن أجواء المجتمع السوري على اعتبار أن الأطفال هم الرصيد المستقبلي"، ورأى نقيب المحامين أن "ظاهرة تجنيد الأطفال شكل من أشكال التجارة بالأشخاص والقصّر والأحداث".

معارض سوري: تجنيد الأطفال حماقة والجهل والفقر هما السبب

بدوره، أشار عضو الجبهة الشعبية للتحرير والتغيير المعارضة عفيف رحمة إلى أن "تجنيد المعارضة للأطفال يدلل على انخفاض مستوى وعيها وحماقتها وجهلها". وقال: "لم يسبق لمجتمعنا أن شهد مثل هذه الظواهر وللأسف تم زرع فكرة القتل في عقل الطفل حيث رأى الطفل في القتل والعنف ما يحقق مصالحه، وهنا نحذر من النتائج الكارثية المترتبة على مثل تلك الظواهر في حال انتهاء الأحداث في سورية، باعتبار أن العنف سيترسخ في عقل الطفل وأن العنف يحقق المحظور وهذا ما قد يدفعه إلى الجريمة فضلا عن الاضطرابات النفسية والاجتماعية".

وأشار المعارض رحمة إلى أن "مثل تلك الممارسات قد تشجع الطفل كي يأخذ حقه بيده متجاوزاً كل الأعراف والتقاليد"، ولم يستغرب أن "تكون الأرياف السورية من أكثر المحافظات إيواءً وتجنيدا للأطفال. وقال: "المحافظات الريفية الزراعية هي الأشد تأثراً بالجهل والأمية، ومن الطبيعي أن يكون أبناؤها من الأطفال هم الأشد انجذاباً إلى العنف لإظهار الوجود وإثبات الذات وتقليد الكبار، حيث يلحظ ارتفاع ملحوظ في مستويات الأمية والبطالة وفق الإحصاءات الرسمية السورية".

وأشار رحمة إلى أن "المجتمع السوري يعيش ضائقة مالية وهذا ما دفع البعض إلى استغلال هذه النقطة"، مؤكدا أن "المعالجة تأتي من الواقع السوري الذي يعتبر غير مثالي لا التركيز على مسألة المؤامرة". وأضاف: "لا يمكن لأي إنسان أن يبيع نفسه إلا إذا وصل إلى مرحلة من الفقر الشديد، وهذا ما حصل في البيئة الشعبية في بعض المحافظات المهيأة لتقبل مثل تلك الحالات كما هو الحال في ريف إدلب مثلا الذي يعمل فيه 36 % في الزراعة في حين يعمل الثلث الباقي في الخدمات الاجتماعية، وهذا ما يمكن أن ينسحب على الحسكة ودرعا والرقة ودير الزور، بمعنى أن الواقع الاجتماعي سيّئ في بعض المحافظات، وهو ما يتوّج بالتركيز عليه لدى الحديث عن ظاهرة تجنيد الأطفال في سورية".

سيرياديلي نيوز


التعليقات