تروي الحكاية أنّهُ في عهد الاحتلال العثماني لهذا الشرق المترامي، شهدت مدينة بيروت «غزوة اقتصاديّةً» أخذتها على حين غرّة، وكادت تودي برأس المال العام، وتصل بتجّارها إلى إفلاسٍ مفاجئ.
أبحرت في ذاك الوقت سفينةٌ كبيرةٌ من ميناء إزمير التركي متوجهةً إلى بيروت، وهدفها واحد: إغراق السوق بأهمّ السلع التجارية، وبأثمانٍ زهيدةٍ حدّ الاستهجان! وخصوصاً السلعَ الغذائيّة الاستهلاكيّة.
كانت تلك الضربة لاقتصادٍ صغير (يمثّله تجّار بيروت) لتكون حاسمةً، ولترسم تبعيّة اقتصاديّةً مُذلّة تستمرُّ عشرات السنوات، لولا يد العون التي أفشلت هذا المخطط البشع.
كسدت بضاعة التجار البيروتيين كلّها. حتى المواد الغذائيّة التي ينتجونها محليّاً كانت أغلى من السعر الرمزي الذي طرحه التجار الأتراك.
لا قوانين تحصّن الاقتصاد الداخليّ آنذاك، وهذه الخسارة المحدودة للأتراك ستسلّطهم على السوق اللبنانيّ عقوداً طويلة.
كان هناك اقتصاد قويٌّ آخر في المنطقة، عاصمتهُ مدينة حلب (التي تضمّ ــ لمن لا يعلم ــ قنصليات وممثليّات تجارية لحوالي 20 دولة غربيّة منذ القرن الخامس عشر الميلادي).
وما تُسمى بـ«غرفة التجارة» في حلب تعود إلى القرن السادس عشر، وكانت مشَكّلةً من وجهاء التجار، وتفرض قوانين ملزمة تنظم السوق، والتجارة العالميّة التي تمرّ عبر حلب إلى أوروبا.
في عالم الاقتصاد، عادةً ما يصطفُّ الأقوياءُ معاً ويضيعُ الضعفاء. أمّا حين تصبح «القيم» ورقةً فاعلةً في هذه البيئة (على ندرة الحالة طبعاً)، تصبح البيئة أكثر استقراراً وأمناً، ومن هنا تحديداً كان قرار حلب حاسماً أمام «الغزوة التركيّة».
أرسلت حلب على وجه السرعة تجّارها، واشتروا من بيروت - بأسعارٍ عالية - بضاعةً يكاد الكثير منها يُصبح منتهي الصلاحيّة، وأرسلتها إلى حلب برّاً، لتنقذ السوق من مغبّة انكسارٍ حاد، وتبعيّةٍ قطعيّةٍ لهذا العملاق الاقتصادي المهاجم.
وزيادةً في التفصيل، كان مما اشتراه الحلبيّون آنذاك، ويصعبُ نقلهُ برّاً دون فساده، أغلب غلال لبنان من العنب والتفاح، وسواهما من الناتج الزراعيّ الذي حمل الأتراك له مثيلاً.
مراراً كان هذا الثقل الاقتصادي السوري صمام أمانٍ للمنطقة. ومراراً كان الأتراك يُضيفون إلى حسابهم مع حلب موقف انتقامٍ آخر... حيثُ باءت هذه المحاولة الخطرة بفشلٍ ذريع.
بعد هذا السرد: من الجيّد الإشارة إلى أنّ الاسم الذي كان يُطلق على السفينة التركيّة تلك الـ«روزانا»... ولعلّهُ مألوفٌ لدى الكثيرين.
حفظت بيروت لحلب هذا الجميل الأخويّ الكبير، وخلّد الشعر الشعبيّ الحادثة، حتى صار نشيد «عالروزانا... شو عملت الروزانا الله يجازيها... يا محملين العنب ... تحت العنب تفاح...»، أحد أهازيج الأفراح الشعبيّة الشهيرة.
حلب اليوم:
عندما وقعت حلب، المدينة، والاقتصاد، والتاريخ، ضحية الحرب الحاليّة الكبرى، وعبث الحسابات الدوليّة المرصودة لسوريا وللمنطقة عموماً، لم يكن الأتراك ليُغفلوا فرصة بهذا الحجم، وكان انتقامهم من حلب وأهلها مُكلفا لها ولهم، ولربّما سيكون ثمن ما سيدفعونه بالمقابل مكلفاً للغاية لدى إقامة ميزان العدل في مستقبلٍ ما.
أكثر من ألفي مصنع، كبير ومتوسط وصغير، تمّ نهبها وإرسال آلاتها إلى تركيا، وبعض أهمّ معامل صناعة النسيج في الشرق الأوسط فككه خبراء أتراك، ونقلوه بعناية فائقة ليُنصب على حاله تماماً في مدينة أضنة التركية!
ولمن لا يعلم، فإنّ القسم الأكبر من إنتاج المدن الصناعيّة العديدة في عاصمة الاقتصاد السورية، كان يُصدّر إلى أوروبا عبر ميناء اللاذقية، وبسمعةٍ وأسعار منافسةٍ وقويّة.
كان غدراً في الفرصة السانحة، وطعنةً قاسية تنمّ عن حقدٍ متراكم.
قصّة حلبي في بيروت:
القصص هي جُزئياتٌ اجتماعيّة مهمة، حين تُضاف إلى بعضها تشكل لوحة الواقع، وتعكس الحقيقة بموضوعيّةٍ ولمسةٍ إنسانيّةٍ في آن.
أحد الأصدقاء الحلبيين الوافدين إلى بيروت، كان تاجراً موفور النعمة في حي صلاح الدين بمدينة حلب. لم يطق على الاقتتال صبراً، فقدم إلى بيروت حاملاً ما استنقذه من جنى السنوات الماضية، وحالماً ببعض الأمان.
يحكي عن بعض المواقف التي تعرّض لها في شهور إقامته الأخيرة، وهي ليست حالةً عامّةً ربما، لكنها حاضرة بوضوح، والكثير من هذه القصص باتت موضع نقدٍ عام، وحتى اعتذارٍ من الشرائح الناضجة.
مساء أحد الليالي كان عائداً من زيارة صديق، يسير في أحد شوارع حيّ الأشرفيّة، وهو يتحدّث على الهاتف بلهجته الحلبيّة المحببة. مجموعةً من الشباب الساهرين على شرفة منزلٍ ما سمعوا لهجته. وقف أحدهم ونادى بأعلى صوته مراراً: سوري... سوري... امسكوه!!
أخبرني أنّهُ لم يعرف لماذا بدأ بالركض، ولا أين توقّف، لكنهُ سمع قهقهتهم من بعيد. كانوا يتهكّمون على فزعه. وشعرَ بغربته عن المكان دفعةً واحدة. لكن الأكثر ألماً في الأمر أنّ النداء بوطنيّتك فقط بات دافعاً للهرب! هم أشخاصٌ سيّئون، وسلوكٌ بشع بدأ ينتشر مع الأحداث الأخيرة.
موقفٌ آخر أثقل خاطره، وهو أنّهُ اكتشف بعد شهرين من وصوله إلى بيروت، أنّ أجرة بيته كانت أعلى من أجرة كل المنطقة مرّتين ونصف المرّة!، مع أنّ صاحب الشقّة أقسم له غيرَ مرّةٍ أنّهُ يُكرمه ويُخفّض له تقديراً للظروف القاسية.
لا يمتُّ «الاستغلال» بصلةٍ للقيم الإنسانيّة في الأحوال العاديّة، فكيف هو في حالة أناسٍ هاربين من حربٍ دمويةٍ حفاظاً على ما تبقى من معالم الحياة؟!
ليس الجميع هكذا بكلّ تأكيد، وبعض المبادرات والحركات المجتمعيّة والشبابية بدأت تحارب هذه الظاهرة السلبيّة، لكنّ الموقفَ يبقى قاسياً للغاية على من يعيشهُ أو يتوقعهُ كلّما خرج إلى الشارع.
ولسان وجدان هؤلاء الوافدين «الإخوة»:
«يا رايحين ع حلب...» بعضُ بيروت نسيت!

سيريا ديلي نيوز- السفير


التعليقات


مجدي مرزوق
العثمانيون لم يكنوا يحتلون الشرق بل اقاموا خلافة اسلامية حمت الشرق الاحتلال الغربي فلما انهارات الخلافة العثمانية على يد مصطفى كمال اتاتورك قسم الغرب الشرق الى دويلات تابعة في اتفاقية سايكس بيكوت

monaliza
ايطاليا هي الي بعتت السفينة مو تركيا ومن اسمها مبين انها ايطالية (روزانا ) هاد اسم السفينة حاج تزوروا التاريخ رجاء اصلا تركيا بهداك الزمان ماكانت حسنانة تطعمي شعبها حتى تبعت سفينة للبنان . بعدين الغاية من هالقصة معرفة موقف اهل حلب الكرام مع اخوتنا لبنانيين لا تدخلوا السياسة الحالية بالتاريخ رجاء مو دفاع عن تركيا ولكن دفاع عن التاريخ ومصداقيته الي بدو يحكي بالتاريخ لازم يكون على درجة كبيرة من الصدق والمعرفة بامور التاريخ(التاريخ مابيظلم ولا بيرحم حدا ) والتاريخ متل ماسجل شو عملت حلب مع لبنان كمان عبيسجل شو عبتعمل لبنان مع سورية كلها . إذا لبنان هيك عبيساوي بالسوريين معناتا شو ماعملت تركيا قليل , عالقليل مانها عربية وكانت محتلة سورية بفترة من الفترات

زيادد
كلام لا أساس له من الصحة!

Khaleed ahmad
السفينه هي روز أن من ايطاليا وتحديدا من إقليم توسكانا أغرقت السوق بالتفاح والعنب وقت الموسم مما دفع البعض لبيع المنتج في بعض المناطق ومنها حلب وتم تحريف الكلمة لروزانا ليناسب اللحن

ابو حلب
كلام فارغ وغير موثوق من مصادر فارسية اكيد

د. محمود إسماعيل خليل
قصة الروزانا الحقيقية ....................................... الباحث التراثي "حسن اسماعيل" حول معنى كلمة "روزانا" أوضح أن لها معنيين الأول من قاموس المفردات الآرامية والثاني من قاموس المحيط للغة العربية : المعنى الأول لكلمة "روزنة" ......................................... كما ورد معناها في قاموس المفردات الآرامية تعني الفتحة في السقف، وهي فتحة صغيرة بطول وعرض حوالي خمسين سنتيمتراً أنشئت في سقف المنازل الطينية التراثية القديمة جداً لاستخدامات عدة منها تمرير القمح ( المشمس) على سطح المنزل، إلى داخله عبر هذه الفتحة، وذلك بدلاً من حمله في أكياس عبر السلم الخارجي لإدخاله، كذلك يفعلون عند تخزين مادة قش القمح "التبن" و تسمى في الأرياف ( طاقة التبن ) ولكن هنا تكون "الروزنة" أكبر قليلاً. إضافة إلى أنها استخدمت كمدخنة لموقد الحطب في داخل ذات المنزل الطيني التراثي، ليخرج عبرها دخان الاحتراق في فصل الشتاء من المدفأة، حيث تكون الأبواب والنوافذ موصده ولا يجد غاز الفحم سبيلاً للخروج إلا من هذه الروزنة. وكانت هذه الروزنة وسيلة لتواصل المحبين والعشاق مع بعضهم بعضاً. أما المعنى الثاني لكلمة "روزانا" .................................................. فهو لغوي من قاموس المحيط وهو من الفعل "رَزَنَ" أو "راز" أي وزن، والمراز يعني "الثدي" والمرازان هما الثديان، والمرأة الرازنة هي المرأة ذات الصدر الممتلئ، وورد في كتاب المستطرف عبارة لأحد النحويين يقول لجيرانه "حان أن تزوجوا رازنتكم" أي حان أن تزوجوا ابنتكم الرازنة أي التي أمتلأ صدرها. وكلمة "عالروزانا" ربما تكون إشارة إلى الفتاة التي أصبحت جاهزة للزواج وفق الأعراف والتقاليد، أو دعوات للشباب للتوجه نحو الصبايا اللائقات للحب والزواج. أما عن مفردات أغنية "عالروزانا" فيقول الأستاذ "حسن": «كثيراً ما تم تغيير في بعض مفردات أغنية "عالروزانا" دون قصد ولكن يمكن القول إن مفرداتها ما تزال ترن في بعض مناطق الريف حيث تصدح في مقاطع تقول: ................................................... عالروزانا عالروزانا .... كل الحـلا فيـها شـو عملـت الـروزانا .... الله يجـازيهـا يانازلين عا حلـب .... حبـي معاكم راح يا شايلين العــنب .... تحت العنب تفـاح كلـمن حبيبو مـعو .... وأنا حـبيبي راح يا ربي نسمة هـوا .... ترد الحبيب لـيـا لاطلع على داركم .... وعاشر احبـــابي سهران شو همكم .... ما تدروا بعـذابي وسياج عا سطوحكم .... من غير بـوّابة سكرتوا باب الهوى .... كلّو جكـــر فيـّا ...........