الياس عشّي
من الصعوبة بمكان أن نكون قادرين على قراءة العقل السوري بكل تفاصيله ، وكلّ دقّته ، وكلّ تجلّياته ، إذا لم نكن نحن قادرين على فهم طبيعة الإنسان السوري في فرحه و حزنه ، في صبره على المكاره ، في تحدّياته أن يبقى ، في إيمانه بأن وطنه عصيّ على المطاوعة ، و في وعيه لخطورة المؤامرة التي تحاك ، و ما تزال ، ضدّ حضوره كأرض وتاريخ وحضارة .
لذلك لا يوافق السوريون على كثير من الألفاظ المتداولة عبر الإعلام ! فألفاظ مثل " سقوط " و " احتلال " حي بابا عمرو أو غيرها من بؤر التوتر، لا تليقان بالجيش العربي السوري الذي أُعدّ لاستعادة الأراضي العربية المحتلّة و في مقدّمتها الجولان . إنّ وجع السوريين ينسحب على كلّ مسلّح غُرّر به ، تماماً كانسحابه على كلّ جنديّ أو مدنيّ سقط في أثناء المواجهات العسكرية .
فحي بابا عمرو لم " يسقط " ، أيّها الإعلاميون ، وانما عاد لوضعه الطبيعي ، ولم "يُحتلّ" فهو أرض سورية و فعل الاحتلال لا يقع عليه. و كلّ ما في الأمر أن السوريين رفضوا تحوّلَ مدينة حمص الى بنغازي أخرى ، و الى حقل اختبار ليبيّ آخر .
شيء آخر لفتني وأكّد لي غباء الإعلام واستهتارَه بالمستمعين . ففي معرض التعليق على نتائج الاستفتاء حول الدستور الجديد للجمهورية العربية السورية ، أجرت إحدى المحطات الفضائية تحقيقاً لتصل به ، بكلّ صفاقة ، إلى المعادلة التالية : إذا كانت نسبة المشاركين في الاستفتاء 57 بالمئة ، فتكون نسبة الرافضين للدستور 43 بالمئة مضافاً إليها نسبة ال 10 بالمئة التي صوّتت ضد الدستور . و بالمحصّلة ، تكون النتائج كما يلي : 57 بالمئة مع ، و53 ضد .
سؤال : هل استفتت المحطة سبعة مليون ونصف من السكّان السوريين الذين لم يشاركوا في الاستفتاء؟ ألا يدرك الذين وضعوا التقرير أن الغالبية من هؤلاء "الممتنعين" لم يستطيعوا الإدلاء بصوتهم لظروف أمنية يعرفها الجميع ؟
ومهما كان الأمر ، فالسوريون سعداء بهذه النسبة المئويّة التي ترسم مستقبلهم السياسي بكلّ مكوّناته . و هم لا يطالبون الإعلام بأن يكون محايداً، فالحياد و الانحياز موضوعان أخلاقيان ، و الطبع غلب التطبّع . و إن طالب السوريون بشيء فبقليل من الذكاء و احترام العقل السوري
سيريا ديلي نيوز

التعليقات