العقوبات الاقتصادية التي فرضها الغرب وأدواته في المنطقة على الشعب السوري وارتفاع أسعار بعض السلع والمواد في مختلف الأسواق جعل من اتباع أساليب الاقتصاد المنزلي حاجة ضرورية لكل أسرة بهدف تأمين جميع احتياجاتها مع الحفاظ على توازن الميزانية الشهرية من خلال ترشيد الاستهلاك واقتناء المواد الضرورية للمنزل.

ولم يعد مفهوم الاقتصاد المنزلي يقتصر بحسب الدراسات على اعتباره مجرد دراسات علمية في الطهي والغسيل والكي والتفصيل والخياطة بل بات علما يختص بدراسة الأسرة واحتياجاتها ومقوماتها على مستوى المنزل والبيئة الاجتماعية و يواكب حاجاتها الأساسية بهدف جعل كل منزل مريحا ومناسبا من الناحية المعيشية وسليما من الناحية الاقتصادية والصحية و العقلية والجسمية ومتزنا من الناحية العاطفية والنفسية ومسؤولا ومشاركا من الناحية البيئية والاجتماعية لتعيش كل أسرة بطريقة تكفيها عوز الحاجة والسؤال في جو يسوده التعاون والحب والاحترام المتبادل بين جميع أفرادها.

وترى السيدة منى هرموش أن الترشيد والاقتصاد المنزلي أمر منوط بربة المنزل التي تعرف احتياجات أسرتها من جميع المواد والحاجيات الأساسية من طعام وشراب ولباس فالتقدير الصحيح بحسب تعبيرها مهم وضروري جدا في عملية ترشيد الاستهلاك وخصوصا في هذه المرحلة.

وتوضح هرموش أن الاقتصاد المنزلي يشمل تدريب الأطفال على حسن الاستهلاك وعدم التبذير ومتابعة ما يتم عرضه في الأسواق من عروض وتخفيضات وتنويع المواد الغذائية ضمن حدود الإمكانيات المادية المتاحة مبينة أن عرض أصناف كثيرة ومتنوعة من المأكولات والأطباق وخصوصا خلال العزائم والمناسبات لا يعتبر كرما وإنما إسراف وتبذير وهدر للوقت وللجهد والمال.

وعلى كل ربة منزل بحسب ربى محمد معرفة ميزانية عائلتها الاستهلاكية والموازنة بين الدخول النقدية والعينية للعائلة ومصروفاتها بالتفصيل حيث أن لميزانية العائلة أهمية بالغة إلى حد كبير في التحقق بدقة عن مستوى معيشة الأسرة مشيرة إلى أن الاقتصاد والتدبير المنزلي عندها يتم من خلال تحضير المونة وحفظ المواد الغذائية في موسمها وتجفيفها أو تفريزها واستعمالها في غير موسمها عند الحاجة إليها ودون الخوف من فقدانها أو ارتفاع أسعارها.

وترى ربى أن لجوء بعض السيدات إلى عملية إعداد المونة وتحضيرها في المنازل وبيعها للتجار يمكن أن يكون مشروعا رابحا حيث أن العادات المتبعة في الصناعات المنزلية لاسيما الغذائية منها هي بحد ذاتها مشاريع اقتصادية لأن غايتها التوفير وبالتالي في حال توسيعها ستكون بمثابة مشاريع تنموية.

وبحسب فاطمة معلا فإن إدارة ربة المنزل لشؤون منزلها يكون عبر تقييم الحاجيات الضرورية لاستهلاك أسرتها ومقدار المصروفات اللازمة خلال وقت معلوم مشيرة إلى أن الكثير من العائلات أصبحت تتجه نحو تحديد الكمية والنوعية من الفواكه والخضار المراد إحضارها وشراؤها بالإضافة إلى الأطباق والطبخات المقرر تجهيزها.

وكانت معلا تتبع في الماضي أكثر من عادة استهلاكية تعتبرها اليوم خاطئة وتدل على التبذير والإسراف وعدم التدبير فمثلا عندما كانت تذهب إلى السوق فإنها تشتري أغلب الخضار الموسمية الموجودة في الأسواق وبكميات كبيرة وأثناء العزائم والمناسبات كانت تكثر من انواع الأطباق وأشكالها وبكميات كبيرة أما الآن فإنها تعتبر هذا إسرافا وتبذيرا فالتقدير الصحيح مهم جدا في عملية ترشيد الاستهلاك حتى في أوقات العزائم والولائم.

ومع ارتفاع الأسعار الذي طال جميع المواد والسلع التموينية والمنتجات الزراعية وغيرها أصبح العديد من الأسر يخطط وينظم أكثر فمثلا باتت ربة المنزل تحدد ماذا ستطبخ خلال الأسبوع وتحضر من السوق ما يلزم فقط كما أنها تحدد صنفين فقط من الفواكه وتشتريهما وهذا حال المواد الأخرى مثل الخبز واللحمة.

وتبين ثناء حداد أنها في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة الحالية قامت بتسليم المنزل الذي كانت تستأجره مع ابنتيها والسكن مع أهل زوجها وذلك بغية التوفير والترشيد كما قامت بممارسة وتطبيق ما تعلمته من فنون الخياطة والتطريز من والدتها لتقوم بخياطة وإصلاح ما يلزم من ثياب من الجيران وتقاضي مقابل ذلك أجر بسيط ولأنها لا تستطيع فتح محل خاص بها فإنها تقوم بجميع هذه الأعمال في المنزل.

ولا يختلف الأمر بالنسبة للأسر في الريف عن ما تقوم به ربات المنازل في المدينة سوى بالاعتماد على الطبيعة والحدائق المنزلية وتوضح أم مقداد أنها تستطيع العيش لمدة طويلة مع عائلتها بالاعتماد على ما تزرعه أو تنتجه فهي تعتني بأربع بقرات وتحصل منهن على الحليب كما تقوم بصناعة اللبن واللبنة والجبنة والسمنة العربية.

وبحسب أم مقداد فإنها تقوم ببيع ما يزيد عن حاجتها من الحليب لجيرانها وأقاربها وبسعر أقل من السوق كما أن الكثيرين من المعارف يطلبون منها صناعة الجبنة والشنكليش لهم فهم يفضلون شراءها منها لأنها أكثر جودة من الأخرى الموجودة في الأسواق.

وتتمثل أحد أوجه اكتفاء عائلة منى زيود ذاتيا من خلال قيامها بشراء الطحين وإعداد الخبز على الصاج في فصل الشتاء أما في بقية الفصول فتحضره على التنور وهذا العمل لا يستلزم سوى شراء الطحين وتحضير القليل من الحطب بالإضافة إلى القليل من الصبر والجهد إلى جانب تحضيرها الخبز فإنها تقوم بتحضير الفطائر بمختلف أنواعها مثل فطائر الجبنة والسلق والسبانخ والمحمرات والقريشة.

وبدورها تبين سهام عاقل أنها تقوم بزراعة مختلف أنواع الخضراوات في أرضها القريبة من منزلها التي لطالما بقيت دون زراعة أو حتى حراثة واهتمام ولكنها في ظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة عادت وتوجهت إلى الزراعة بعد أن ارتفعت أسعار جميع المواد والسلع.

وتعتمد عاقل بشكل أساسي على بيع الملوخية التي تزرعها في مساكب صغيرة في فصل الربيع وبعد أن تنمو وتكبر قليلا تقوم بتفريد المساكب أي زراعة كل شتلة من الملوخية في الأرض وبعدها تقوم بشكل دوري ومتواصل بسقيها بالماء فهي تتطلب الكثير من الماء.

ولدى سؤالنا عن التكلفة المادية لهذا المشروع توضح أن هذه الزراعة لا تكلفها سوى ثمن بذار الملوخية التي تشتريها من الصيدلية الزراعية وثمن أكياس التعبئة كما أنها لا تستلزم أي أدوات أو معدات أو تكلفة مادية فهي لا تتطلب سوى الجهد أثناء زراعتها وسقيها وقطافها وتجفيفها مبينة أنها تبيع سنويا بمبلغ يتراوح ما بين 50 و100 ألف ليرة.

ويوضح هشام زكريا أن الأهالي في العديد من مناطق محافظة اللاذقية يعتمدون على المواسم مثل الحمضيات أو التبغ أو الزيتون أو الخضراوات الموسمية والتي جميعها تحتاج لعمل شاق وطويل ومتابعة دقيقة وتحت رحمة العوامل والظروف الجوية المختلفة ومع ذلك فحياة سكان هذه المناطق مرتبطة بها واعتمدوا لأعوام على طريقة التموين من الطبيعة وبطرق طبيعية ودون استخدام التقنيات وذلك لصناعة ما يلزم الأسرة من متطلبات غذائية وحياتية.

ويبين زكريا أن للقطاع الأهلي المحلي دورا هاما في تحقيق الأهداف المتعلقة بالتخفيف من الفقر والإسهام في تنمية المجتمع وتنفيذ مشاريع محلية تؤدي لخلق فرص عمل وتحسين أوضاع المناطق الفقيرة والنهوض بأوضاع أسرها المعيشية لأن مكاسب المجتمع وتقدمه إنما تنبع من الأسرة التي هي نواة المجتمع لذلك فالقطاع الأهلي المحلي باستطاعته وبكفاءة عالية الإسهام في تنمية المجتمع والنهوض به.

ويؤكد على من يقوم بمشروع صغيرا كان أو كبيرا أن يقوم بدراسة الجدوى الاقتصادية للمشروع وإمكانية نجاحه وعوامل استمراره بالإضافة إلى دراسة الأسباب التي قد تؤدي إلى فشله مع دراسة السلعة المنتجة وحاجة المجتمع المحيط لها وتحديد سعرها والزبائن المحتملين لها وجميع هذه العوامل متوفرة بالأرياف وذلك من خلال المهارات المكتسبة من تكرار عمليات التصنيع وقرب المحصول والمواد الأولية للمشروع ورخص اليد العاملة وغيرها من عوامل.

وبالنتيجة فإن للاقتصاد المنزلي بحسب زكريا دوره الكبير في العملية الاقتصادية واستقرارها لأن الأسرة التي تعاني من عدم استقرار في موازنتها المالية هي الأسرة التي لا تلتزم بميزانية محددة.

يريا ديلي نيوز_سانا

التعليقات